كلمة بمناسبة ذكرى مولد الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام بالشهارين 1438 هـ

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام

كلمة بمناسبة ذكرى مولد الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام بالشهارين 1438 هـ

2017/03/20 7322

كلمة لسماحة الشيخ علي الجزيري حفظه الله بمناسبة ذكرى مولد الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام بالشهارين 
تاريخ المحاضرة: ليلة 20 جمادى الأخرة 1438هـ ، الموافق 18 مارس 2017م

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين , وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على أشرف الخلق أجمعين ، محمد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين .

 

من هي فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟  

إن كُنّا لنضع التعريف بها ببيان ما تسمونه الهويّة الشخصية، فنقولُ إنّها فاطمة!

وأمّا سر هذه التسمية ففيهِ حديثٌ وبياناتٌ عن المعصومين عليهم السلام([1]).

وهي بنتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وزوج أمير المؤمنين (عليه السلام)، الّذي وصفهُ القرآنُ بأنّه نفس رسول الله  كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ﴾ [آل عمران: 61] ، وأمّ الحسن والحسين (عليهما السلام) -ولدا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كما في قوله تعالى: ﴿ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ﴾ [آل عمران: 61].

ما هي صفتها؟

أبوها سيّدُ ولد آدم، بل سيّد البريّة كافّة،  وزوجها هو سيّدُ مَنْ كان رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) سيّداً له كما في قوله (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)([2])، وولداها الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة([3])، وهي سيّدةُ نساء العالمين([4])، وهذا يُبيّن معنى قول الشاعر الشيخ كاظم الأزري رحمه الله:
                         سادة لا تُريدُ إلّا رضا الله *** كما لا يُريد إلا رضاها

فوصفه رحمه الله لهم بالسادة ناشئٌ من أوصافهم في الأحاديث الصحيحة المرويّة من غير طرقنا، فرسولُ الله سيّد الورى وسيّد ولد آدم، وأمير المؤمنين هو سيّد من كان رسولُ الله سيّده بمقتضى حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه)، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة([5])، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة، فهذا معنى قوله سادة.


وأمّا قولُه: لا تريد الا رضا الله، فمنشؤهُ من قوله تعالى:  ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان: 9].


وأمّا قولهُ: كما لا يريد –أي الله- إلّا رضاها: فأمّا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله فلقولهِ تعالى:  ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ﴾ [الضحى:5]، وأمّا عليٌّ (عليه السلام) فقد جاء في صحيح البخاري([6]) وفي صحيح مسلم([7]) (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟)، يرضيك أم لا يرضيك؟! هناك ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ﴾ وهنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول لعلي عليه السلام: يرضيك أم لا؟ أما ترضى مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ أو لا نبوّة بعدي! ويعني بذلك أنّ هذا الذي لك (منزلة هارون من موسى) ليس من عندي بل من عند الله؛ لأنّه لو كان من عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما كان للاستثناء موضعٌ، لأَنّ النبوّة ليست بيد أَحدٍ، وليست بيد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليُعطي من يُريد ويمنع منها من يريد ، بل إنّ النبوة من الله سبحانه.

والنبيُّ إبراهيم عليه السلام لـمّا أراد النبوّة لبنيه، طلبها من الله: ﴿ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي  قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 124] ، وموسى عليه السلام لـمّا أراد النبوة لأخيه، لم يقل لأخيه هارون قد جعلتك نبياً؛ لأنّه ليس بيده أن يجعله نبياً، وإنّما سأل الله له ذلك بالقول: ﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ [طه: 29-32] أي أنّ النبوّة بيدك يا رب، تؤتيها من تشاء، فاجعل لي وزيراً من أهلي، هارون أخي، أشدد به أزري وأشركه في أمري.

وأمّا فاطمة عليها السلام: ففي صحيح البخاري: (أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة؟!) ([8]) أي يُرضيك أم لا؟! وهذا أيضاً من عند الله سبحانه.

فإذاً أخذ الشاعرُ معنى السادة من النصوص الشرعية.

هذه بطاقة هوية فاطمة الزهراء عليها السلام.

                     بنت من، أم من؟ زوج من؟ *** ويل لمن سن ظلمها وأذاها


ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) –كما في صحيح مسلم([9])- قال: (أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)، وقد قال علماء اللغة إنّ أوّل من أتى بطريقة إعادة المقال بعد المقال ثلاثاً هو رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله)، وما كان هذا معروفاً في أدب العرب.


 (أذكركم الله في أهل بيتي):

من هم أهل بيتك يا رسول الله؟ في صحيح مسلم أيضاً([10]) عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم غداة وعليه مرط مرحّل([11]) من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا".


فإذاً فاطمة عليها السلام وصيّةُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في هذه الفقرة ، وقد أوصى الأمة بها، وذكرهم بها ثلاثاً.

                  جرعاها من بعد والدها الغيظ   مراراً  فبئس ما جرّعاها


ويقول الشاعر:

                  أوصاك خـيراً بـالوصـي كـأنّما    متعمداً في بـغـضه وصّـاك


أذكّركم الله في فاطمة، فماذا فعلوا مع فاطمة عليها السلام؟


مقامُ فاطمة (عليها السلام) فوق أن تناله عقولنا وأن تصفهُ ألسنتنا، فهذا سيّد الورى، وخيرُ من برأ الله سبحانه- والذي جاء في الحديث ما برأ الله نسمةً خيراً من محمد (صلّى الله عليه وآله)([12])- كان من طريقته وسجيته عند دخول فاطمة عليه –أيّ أنّ هذا الفعل لم يصدر منه لمرةٍ واحدةٍ بل كان على الدوام مستمراً عليه فهي سنته–-والمتحدث عائشة في روايات غيرنا التي صرحوا بصحتها([13])- (كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَبَّلَهَا، وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ، فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ، وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا).

فهذا فعلُ سيّد خلق الله، وخير من خلق الله، فمن هي فاطمة؟

وهل نقدرُ أن نعرف من هذا فعلُ سيد خلق الله معها؟

وهل نقدرُ أن نصف مكانتها؟!

ولكن الميسور لا يسقط بالمعسور، والحمد لله رب العالمين. 

 

 

[1]  منها ما رواهُ الشيخ الصدوق في علل الشرائع ج 1 ص 177 باب 142 - العلة التي من أجلها سميت فاطمة عليها السلام فاطمة، ومن تلك الروايات ما رواهُ الصدوق رحمه الله بإسناده عن الإمام جعفر بن محمد بن علي عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا فاطمة أتدرين لم سميت فاطمة ؟ فقال علي ( عليه السلام ) : يا رسول الله لم سميت ؟ قال : لأنها فطمت هي وشيعتها من النار.

[2]  قال الذهبي في رسالةٍ بعنوان طرق حديث من كنت مولاه فعلي مولاه ص 11: 
"حديث من كنت مولاه فعلي مولاه مما تواتر وأفاد القطع بأن الرسول (ص) قاله، رواه الجم الغفير والعدد الكثير من طرق صحيحة، وحسنة وضعيفة ومطرحة وأنا أسوقها".

[3] عدّ الكتاني الحديث في كتابه نظم المتناثر من الحديث المتواتر الطبعة: الثانية المصححة ذات الفهارس العلمية - دار الكتب السلفية للطباعة والنشر بمصر ص 196 من الأحاديث المتواترة وقال:
235- ‏(‏ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة‏)‏‏.‏

أورده في الأزهار من حديث ‏(‏1‏)‏ أبي سعيد ‏(‏2‏)‏ وحذيفة بن اليمان ‏(‏3‏)‏ وعمر بن الخطاب ‏(‏4‏)‏ وعلي ‏(‏5‏)‏ وجابر بن عبد اللّه ‏(‏6‏)‏ والحسين بن علي ‏(‏7‏)‏ وأسامة بن زيد ‏(‏8‏)‏ والبراء بن عازب ‏(‏9‏)‏ وقرة بن إياس ‏(‏10‏)‏ ومالك بن الحويرث ‏(‏11‏)‏ وأبي هريرة ‏(‏12‏)‏ وابن عمر ‏(‏13‏)‏ وابن مسعود ‏(‏14‏)‏ وأنس ‏(‏15‏)‏ وبريدة ‏(‏16‏)‏ وابن عباس ستة عشر نفساً‏.‏

‏(‏قلت‏)‏ ورد أيضاً من حديث ‏(‏17‏)‏ الحسن بن علي ونقل أيضاً في فيض القدير وفي التيسير عن السيوطي أنه متواتر‏.‏

[4] جاء في الموسوعة العقديّة – الدرر السنيّة تأليف مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف ج 7 ص 441: "ثم إن اللفظ الوارد في تفضيل فاطمة رضي الله عنها وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة)) (رواه البخاري (6285)، ومسلم (2450) من حديث عائشة). وفي لفظ ((سيدة نساء أهل الجنة)) (رواه البخاري (3623). من حديث عائشة) (فهو صريح لا لبس فيه ولا يحتمل التأويل، وهو نص في أنها أفضل نساء الأمة وسيدة نساء أهل الجنة، وقد شاركت أمها في هذا التفضيل فهي وأمها أفضل نساء أهل الجنة، وهي وأمها أفضل نساء الأمة بهذا وردت النصوص) (((مباحث المفاضلة في العقيدة)) (ص: 368) رسالة دكتوراه للشيخ محمد أبو سيف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1411هـ)".

[5]  عنون البخاري باباً في صحيحة في كتاب مناقب الصحابة بعنوان: باب مناقب فاطمة عليها السلام وقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.

[6]  روى البخاري في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة حديث رقم (3503) قال: حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سعد قال سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لعلي [عليه السلام]: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى".

[7]  صحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عن سعد بن أبي وقاص قال خلف رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم علي بن أبي طالب [عليه السلام] في غزوة تبوك فقال: "يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي"، وفي لفظة أخرى: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي"

[8] صحيح البخاري -كتاب المناقب- باب علامات النبوة في الإسلام: عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها لم تبكين ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم حتى قبض النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فسألتها فقالت أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكيت فقال أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك

[9] صحيح مسلم- كتاب فضائل الصحابة- باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

[10] صحيح مسلم- كتاب فضائل الصحابة- باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم

[11] مرحّلٌ أو مرجّلٌ، قال السفاريني في كتاب غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب -مطلب في حكم ألبسة الصوف وما شاكلها ج 2 ص 179: "وقولهما مرحّل هو بفتح الحاء المهملة مشددة أي فيه صور رحال الجمال، وقال في المطالع : قوله مرط مرجل ، كذا للهروي بالجيم ولغيره بالحاء المهملة أي موشى بصور الرجال ، والمراجل ، وقد جاء ثوب مراجل وممرجل".

[12] روى ثقة الإسلام الكليني في الكافي (باب مولد النبي صلى الله عليه وآله ووفاته) بسنده عن أبي عبدالله عليه السلام وذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "ما برأ الله نسمة خيراً من محمد صلّى الله عليه وآله.

[13] ورد الحديث في سنن الترمذي حديث (3872) وحكم الألباني على الحديث بأنّه صحيح، كما ورد أيضاً في سنن أبي داود -أبواب النوم- باب ما جاء في القيام حديث (5217)، ونقل العظيم آبادي في كتابه عون المعبود نقلاً عن المنذري قال: وأخرجه الترمذي والنسائي . وقال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه.


التالي السابق