تاريخ المقطع: 10 صفر 1438 هـ - 11 نوفمبر 2016م

أما سيرة المتشرعة فالمقصود بها السلوكُ العام للمتدينين، على مر العصور والدهور، باختلاف الأزمنة والأمكنة، فَلَو أننا نظرنا الى حال المتشرعة بالنسبة لإبقاء لحاهم، فإنّك تجد على مر العصور المتشرعة لا يحلقون لحاهم، وهذا ليس أمراً جديداً في تاريخهم على مر العصور! ولو أنك نظرت إلى إستنشاق الدخان في نهار الصيام، تجد أن المتشرعة يتجنبون استنشاق الدخان على مر العصور!  ولو أنك نظرت إلى سيرة المتشرعة مع الغناء تجد أن المتشرعة عَلى مر العصور يتجنبون الغناء واستماعه.
هذه أمثلةٌ لموارد جرت عليها طريقة المتشرعة، سلوكٌ عام للمتشرعة.

نعم قد تصدرُ من المتشرعة -يعني أتباع الشريعة- مخالفةً لهذا السلوك العام، لكنّ هذه المخالفة تمردٌ منهم، يفعلونها تمرداً على ما ورثوه بحسب ارتكازهم بصفتهم متشرعة، ولقلة مبالاتهم بالدِّين في بعض الأحيان، فتجد أن المتدين مثلا ربما خرج عن هذا السلوك العام في هذا المورد أو ذاك، ولكن خرج تمرداً،مثل أن يترك واجباً لأمر ما، كأن يكون مثلا بينه وبين شخصٍ خصومة، فيسلم عليه هذا الشخص ولا يرد عليه السلام! هو يعلم أن ردّ السلام واجب ولكنه لا يردُّ السلام بداعي الخصومة، يعني: يغلبه هواه".

ما هو وجه دلالة سيرة المتشرعة على الحكم الشرعي؟

لعلّ اول من نبّه إلى دلالة سيرة المتشرعة على الحكم الشرعي هو الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله (توفي 1228 هـ)،  فهو رحمه الله المؤسس لهذا الدليل، الذي وافقه عليه كل من جاء بعده، وبيانه رحمه الله في وجه دلالة سيرة المتشرعة على الحكم هو  أنك لا تجد ملّة من الملل إلا وتجدها ممتازة بشيء ما وإذا دققت فيما تمتاز به هذه الملة من السلوك العام، تجدُ هذا السلوك موروثا عن رأس هذه الملّة، افرضوا التبت مثلا يلتزمون بالثوب البرتقالي، فلو أنك درست هذه الظاهرة تجد أن هذا السلوك العام يرجع الى رأسهم الدالاي لاما الكبير المؤسس لهذه الفرقة وهذا الحال في كل أهل ملة افرضوا في الملل غير الدينية مثلا في النازية مثلا تجدهم اذا وجدتهم يمتازون بشيء فتجد أن رأس هذا هو زعيم مثلا هذا الحزب، الماركسية مثلا، اذا رأيت سلوكاً عاما عندهم ابحث عنه، تجد أن أصله هو رأس هذه الفرقة والمسلمون ليسوا بدعاً من الناس، فاذا وجدتهم يمتازون بسلوك عام لاحظوا القيود (امتياز - عموم في السلوك) إذا توفر هذان الشرطان وأن يكون بوصف أنهم اتباع لهذه الملة، يعني ربّما يفعل النازيون مثلا فعلاً باعتبار أنهم ينتمون إلى ألمانيا، وهذا ليس فيه دلالة على أن هذا مأخوذ من رأسهم (إذا كانوا يفعلون الفعل بوصفهم أتباعاً لهذا الرئيس)، فهذا شرط ثالث، فالأركان الثلاثة لدلالة سيرة المتشرعة:
 

1- أن يكون السلوك عاماً: مثلا إبقاءُ اللحية، هذا سلوك عام

2- يفعله المتدينون بوصف أنهم متدينون

3- والأمر الثالث: أنّ هذا يمتازون به عمن سواهم.

فإذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة، فهذا يدلّ دلالةً قاطعةً على أنّ هذا السلوك مأخوذٌ من رأس هذه الفرقة هذا في المسلمين وكذلك في الشيعة، فالشيعة أيضا ليسوا بدعاً من الناس، يوجد عندهم سلوكٌ خاصٌ. افرضوا إقامة العزاء على الحسين عليه السلام، هذا سلوكٌ خاص بالشيعة، زيارةُ الأئمة عليهم السلام، ربّما سلوك زيارة النبي صلى الله عليه وآله عام بالنسبة لجميع المسلمين ، زيارة الأئمة عليهم السلام خاص بالشيعة، هذا السلوك سلوك خاصٌ بهم دون غيرهم، وهو سلوكٌ عامٌ فيهم، وهم يفعلونه بصفتهم شيعة. إذاً هذا يدلُّ على أن هذا السلوك مأخوذٌ عن إمامهم ومتبوعهم، وهذا معنى سيرة المتشرعة، وهذا تاريخ نشأة هذا الدليل ووجه دلالته.

https://youtu.be/UGLqgZ9U6QU