إِنَّ الحسدَ أَهلَكَ الجسد

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام

إِنَّ الحسدَ أَهلَكَ الجسد

2016/08/28 939

قولُ حُذيفة (رضي الله عنه): إِنَّ الحسدَ أَهلَكَ الجسد

تقرير مُقدمة درس الشيخ الجزيري حفظه الله ليلة السبت غرة شهر ذي القعدة 1437هـ  

في حسينية الجلواح بقرية القارة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

رَوى الحافظُ الهيثميُّ -وهو من أئمة الحديث عند أَهل السنةِ وقد توفي في سنة 807 للهجرة- بسندهِ ([1]) عن  سيّار أبي الحكم أنّ بني عبسٍ قالوا لحذيفة بن اليمان: "إنّ عثمان قد قُتل فما تأمرنا؟"

صيغةُ السؤالِ في الحديث فيها إيجازٌ شديدٌ، والمقصود أَنّهُ بعدما قُتِلَ عُثمان وقع خلافٌ بين الصحابة، ونريدُ أَن نَعرفَ بأَيِّهم نَقتدي، فماذا تأَمُرنا يعني في هذا الخلاف؟!([2])على أي حال، حُذيفة رحمه الله صحابيٌ جليلٌ وفَطِنٌ قال لهم: "آمركم أن تلزموا عماراً"، إلزموا عمّارَ بن ياسر، وعمّار بن ياسر هو أَحدُ الذين إشتركوا في قتل عثمان مع الصحابة والتابعين([3]).

السابقون الأولون مثل عمّار كان ممن قتل عثمان، وكذلك عمرو بن الحِمِق الخزاعي الصحابي المعروف([4])،  ومالك الأشتر ([5]) ومحمد بن أبي بكر ([6])هؤلاء من الذين قتلوا عثمان!

حُذيفه رحمه الله يقول لهم آمركم أن تلزموا عمّاراً! يعني القضية ليست وليدة اليوم، يُوجدُخطأٌ في الطريق الذي أُنتُهِجَ قبل اليوم، "آمركم أن تلزموا عمّارا"

"قالوا" – يعني بنو عبس لحذيفه رضي الله عنه : "إنّ عماراً لا يُفَارِقُ علياً" ( عليه السلام )

عمّارٌ تابعٌ لعليٍّ في كُلِّ مَوقفٍ!

"فقال : إنّ الحسدَ هو أَهلكَ الجسد، وإنّما يُنَفِّركُم من عمَّار قُربهُ من علي" ( عليه السلام )

يَعني هذا الذي تَعيبون على عمّار؟!

هذا عمّار أنا قلت لكم اتبعوه طريقاً، والهدف شيءٌ آخر!

"فوالله لعلي أفضل من عمّار أبعدَ ما بين التُراب والسحاب"، هذا يَقولُه حذيفة رحمة الله مراعاةً لعقولهم وإلّا فإنَّ الأمرَ فوقَ ذلك.

ثمّ قال:

"وإن عمارا لمن الأحباب" يعني لا يَظُنُّ أَحدكم أَنَّني أَتنقَصُ عمّاراً وإنّما أمرُ عليٍ فَوق هذه المراتب!

"وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي" هذه العبارةُ لمن؟ هَل هي من كَلام حُذَيفة، فإذن من هو الذي يَعلمُ أنّهم إن لَزموا عمّاراً كانوا مع علي عليه السلام؟ لا بُدَّ أنّه يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله؛ وإلّا فَمَن الذي يَعنيهِ حُذيفه بقول وهو يعلم؟!

هذا إذا كانت الجُملةُ الأخيرةُ لحذيفة، وإن كانت من الراوي إبن سيّار، فالمقصود وإنَّ حُذيفة عندما أمرهم آمركم أن تلزموا عمّاراً، يعلمُ أَنّهم إِن لزموا عَمّاراً كانوا مع علي عليه السلام.

نعودُ إلى الجملة الأولى في كلام حذيفة (إنّ الحسد هو أهلك الجسد)،

ما مُناسبتها؟ لماذا يقول حذيفة لهؤلاء إنّ الحسد هو أهلك الجسد؟!

هذه مسألةٌ ملفتةٌ!

عمّار رحمه الله لم يكن يدعو إلى نفسه وإنّما كان يدعو طِيلةَ حياته إلى علي عليه السلام، هو تعرّض للأذى ونُكِّل به في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ([7]) وأمّا سَبَبهُ فمستنبطٌ؛ لأَنّه نشر فضل علياً عليه السلام. كان يحدث الناس بفضل علي عليه السلام ولَقِيَ ما لَقِيَ من الأذى!

فعمّارُ ما كان يدعو إلى نفسه، ومع ذلك فإنَّ الروايات التي بين المسلمين في بيانِ فضل عمّار وبيان أنه علامة الهُدى ([8])، أمرٌ لا يخفى على المسلمين.

السيّد صَدر الدين ابن السيّد عبدالحسين شرف الدين عندهُ كتابٌ جميلٌ إسمهُ عمّار بن ياسر حليف مخزوم، فراجعوه.

على أي حال، عمّار إذن علامَةُ الهدى، فلماذا جعل رسول الله صلى الله عليه وآله عمّار بن ياسر علامةَ الهدى ورسول الله صلى الله عليه وآله يعلمُ - لأنّه يوحى إليه بتعليم الله -أنّ عمّاراً لن يدعو إلى نفسه، فلماذا لم يكتفي رسول الله صلى الله عليه وآله ببيان أنّ الحقَّ مع علي عليه السلام؟

علي مع الحق والحق مع علي([9])،

علي مع القرآن والقرآن مع علي([10])؟!

لماذا لم يكتفي بهذا ولماذا يأمرُ بالإهتداء بهدي عمّار ويجعل عمّاراً علامة الهُدى؟

نكتةُ ذلك يُمكن أن تُستفاد من جواب حُذيفة بن اليمان: إنّ علي بن أبي طالب له حساد فبيانات رسول الله صلى الله عليه وآله في فضل عليٍ عليه السلام قَد يُحرم منها فريقٌ من المسلمين بسبب حسد بعض الناس لعليٍ عليه السلام، وبهذا يُحرموا من معرفة هدي علي عليه السلام! فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وآله طريقاً ثانياً يبين به هدي علي عليه السلام ويرشدهم إلى هدي علي وليس في ذلك ذكر اسم علي، حتى لا تُحجب وتحذف بمقصِّ الرقيب!

تبقى هذه الروايات تصل إلى الأمة.

فإذن، من هنا يعرف جواب حذيفة "إن الحسد هو أهلك الجسد "فوالله؛ لعلي أفضل من عمّار أبعد ما بين التراب والسحاب".

 

 

([1] ) أوردهُ الحافظ الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج 7 ص 243، تحقيق حسام الدين القدسي، طبعة 1414 هـ مكتبة القدسي: القاهرة:
رقم الحديث 12058 عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ قَالَ: قَالَتْ بَنُو عَبْسٍ لِحُذَيْفَةَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: آمُرُكُمْ أَنْ تَلْزَمُوا عَمَّارًا. قَالُوا: إِنَّ عَمَّارًا لَا يُفَارِقُ عَلِيًّا. قَالَ: إِنَّ الْحَسَدَ هُوَ أَهْلَكَ الْجَسَدَ، وَإِنَّمَا يُنَفِّرُكُمْ مِنْ عَمَّارٍ قُرْبُهُ مِنْ عَلِيٍّ، فَوَاللَّهِ لَعَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنْ عَمَّارٍ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ التُّرَابِ وَالسَّحَابِ، وَإِنَّ عَمَّارًا لَمِنَ الْأَخْيَارِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ إِنْ لَزِمُوا عَمَّارًا كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ

([2]) إنّ عثمان قد قتل فماذا تأمرنا: "صلوا فرضكم وصوموا شهركم وحجوا بيت ربكم"؟!، فإذن السؤال فيه إيجازٌ والمقصودُ شيءٌ آخر. (الشيخ الجزيري حفظه الله).

([3]) أورد نصر بن مزاحم في كتابه وقعة صفين ج1 ص 338-339، محاورة بين عمّار بن ياسر وعمرو بن العاص،قال الاخير فيها:
" ما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كل سوء.
قال عمرو: فعليٌ قتله ؟ قال عمّار: بل الله علي قتله وعليٌ معه.

قال عمرو:أكنت فيمن قتله ؟  قال: كنت مع من قتله وأنا اليوم أقاتل معهم.

قال عمرو: فلم قتلتموه ؟ قال عمّار: أراد أن يغير ديننا فقتلناه.

فقال عمرو: ألا تسمعون ؟ قد اعترف بقتل عثمان. قال عمّار: وقد قالها فرعون قبلك لقومه: (ألا تستمعون)

فقام أهل الشام ولهم زجل فركبوا خيولهم فرجعوا، [ وقام عمّار وأصحابه فركبوا خيولهم ورجعوا ]، فبلغ معاوية ما كان بينهم فقال: هلكت العرب أن أخذتهم خفة العبد الأسود يعنى عمّار بن ياسر." وفي ص 319 من كتاب وقعة صفين:
نصر، عن عمر قال: حدثنى عبد الرحمن بن جندب، عن جندب بن عبد الله قال: قام عمّار بن ياسر بصفين فقال: " امضوا  [ معى ] عباد الله إلى قوم يطلبون - فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان.

فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم [ و ] لو درس هذا الدين: لم قتلتموه ؟ فقلنا: لإحداثه.

فقالوا: إنه ما أحدث شيئا، وذلك لأنّه مكَّنهم من الدنيا فيهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدت عليهم الجبال. والله ما أظنهم يطلبون دمه إنهم ليعلمون أنه لظالم، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمروها، وعلموا لو أن [ صاحب ] الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما [ يأكلون و ] يرعون فيه منها.
ونقل الخطبة إبن أبي الحديد في شرح نج البلاغة ج 5 ص 252 تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية. ولمطالعة المزيد حول دور عمّار بن ياسر في مقتل عثمان راجع الجزء التاسع من موسوعة الغدير للعلّامة الأميني ص 111 – 114


(
[4])  أورد إبن سعد في الطبقات الكبرى ج3 ص 74 تحقيق إحسان عبّاس، طبعة 1986 دار صادر – بيروت:
"قال عبد الرحمن بن عبد العزيز: فسمعت بن أبي عون يقول ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد فخر لجنبه، وضربه سودان بن حمران المرادي بعدما خر لجنبه فقتله، وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات، وقال أما ثلاث منهن فإني طعنتهن لله، وأما ست فإني طعنت إياهن لما كان في صدري عليه". وجاء مثله في تاريخ الطبري ج 2 ص 677


(
[5]) جاء في الطبقات الكبرى لإبن سعد ج3 ص 71 تحقيق إحسان عبّاس، طبعة 1986 دار صادر – بيروت:
أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبي جعفر القارىء مولى بن عباس المخزومي قال كان المصريون الذين حصروا عثمان ستمائة رأسهم عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر بن عتاب الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي والذين قدموا من الكوفة مائتين رأسهم مالك الأشتر النخعي والذين قدموا من البصرة مائة رجل رأسهم حكيم بن جبلة العبدي وكانوا يدا واحدة في الشر.
وأورد الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام للذهبي ج 3 ص 449 تحقيق الدكتور عمر تدمري، دار الكتاب العربي: عن أبي إدريس الخولاني قال: أرسل عثمان إلى سعد، فأتاه، فكلمه، فقال له سعد أرسل إلى علي، فإن أتاك ورضي صلح الأمر، قال: فأنت رسولي إليه، فأتاه، فقام معه علي، فمر بمالك الأشتر، فقال الأشتر لأصحابه: أين يريد هذا قالوا: يريد عثمان، فقال: والله لئن دخل عليه لتقتلن عن آخركم، فقام إليه في أصحابه حتى اختلجه عن سعد وأجلسه في أصحابه، وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتله فأسرعوا، فدخلوا عليه فقتلوه.


(
[6]) جاء في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ الهيثمي ج 9 ص 94، تحقيق حسام الدين القدسي، طبعة 1414 هـ مكتبة القدسي: القاهرة حديث(14551) - عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَيَّافُ عُثْمَانَ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: ارْجِعِ ابْنَ أَخِي فَلَسْتَ بِقَاتِلِي قَالَ: كَيْفَ عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أُتِيَ بِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - يَوْمَ سَابِعَكَ فَحَنَّكَكَ وَدَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: ارْجِعِ ابْنَ أَخِي فَلَسْتَ بِقَاتِلِي. قَالَ: وَمِمَّا تَدْرِي ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أُتِيَ بِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - يَوْمَ سَابِعِكَ فَحَنَّكَكَ وَدَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَنْتَ قَاتِلِي، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ يَا نَعْثَلُ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أُتِيَ بِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ[وآله]  وَسَلَّمَ - يَوْمَ سَابِعِكَ لِيُحَنِّكَكَ وَيَدْعُوَ لَكَ بِالْبَرَكَةِ فَخَرِيتَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ -. قَالَ: فَوَثَبَ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ: إِنْ تَفْعَلْ كَانَ يَعِزُّ عَلَى أَبِيكَ قَالَ أَنْ تَسُوءَهُ، فَوَجَأَهُ فِي نَحْرِهِ بِمَشَاقِصَ كَانَتْ فِي يَدِهِ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ سَيَّافُ عُثْمَانَ وَلَمْ يُسَمَّ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ وُثِّقُوا. ولمزيدٍ حول دور محمد بن أبي بكر في مقتل عثمان راجع ج 7 من كتاب البداية والنهاية لإبن كثير في صفة مقتل عثمان.

([7]) روى البلاذري في أنساب الأشراف ج6 ص 161 – 163 تحقيق الدكتور سهيل زكار والدكتور رياض زركلي، طبعة 1417هـ دار الفكر:
حدثنا عباس بن هشام بن محمد عن أبي مخنف في إسناده قال: كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي وجوهر فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه، فخطب فقال: لنأخذن حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أنوف أقوام، فقال له علي: إذاً تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه، وقال عمّار بن ياسر: أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك، فقال عثمان: أعلي يا بن المتكاء تجترئ؟ خذوه، فأخذ ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه ثم أخرج فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فلم يصل الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلىّ وقال: الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله؛ وقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان عمّار حليفاً لبني مخزوم فقال: يا عثمان أما عليّ فاتقيته وبني أبيه، وأما نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف، أما والله لئن مات لأقتلن به رجلاً من بني أمية عظيم السرة، فقال عثمان: وإنك لها هنا يا بن القسرية، قال فأنهما قسريتان، وكانت أمه وجدته قسريتين من بجيلة، فشتمه عثمان وأمر به فأخرج، فأتى أم سلمة وإذا هي غضبت لعمّار، وبلغ عائشة ما صنع بعمّار فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله ولم يبل بعد، فغضب عثمان غضباً شديداً حتى ما درى ما يقول، فالتج المسجد وقال الناس سبحان الله سبحان الله؛ وكان عمرو بن العاص واجداً على عثمان لعزله إياه عن مصر وتوليته إياها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فجعل يكثر التعجب والتسبيح، وبلغ عثمان مصير هشام بن الوليد ومن مشى معه من بني مخزوم إلى أم سلمة وغضبها لعمّار فأرسل إليها: ما هذا الجمع؟ فأرسلت إليه: دع ذا عنك يا عثمان ولا تحمل الناس في أمرك على ما يكرهون. واستقبح الناس فعله بعمّار، وشاع فيهم، فاشتد إنكارهم له.

ويقال إن المقداد بن عمرو وعمار بن ياسر وطلحة والزبير في عدة من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم كتبوا كتاباً عددوا فيه أحداث عثمان وخوفوه ربه وأعلموه انهم مواثبوه إن لم يقلع، فأخذ عمّار الكتاب وأتاه به، فقرأ صدراً منه فقال له عثمان: أعلي تقدم من بينهم؟ فقال عمّار: لأني أنصحهم لك، فقال: كذبت يابن سمية، فقال: وأنا والله ابن سمية وابن ياسر، فأمر غلماناً له فمدوا بيديه ورجليه ثم ضربه عثمان برجليه وهي في الخفين على مذاكيره فأصابه الفتق، وكان ضعيفاً فغشي عليه.
وللتوسع راجع الجزء السابع من كتاب دلائل الصدق للعلامة المظفر رحمه الله

([8] )  حدثنا إبراهيم بن إسمعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل حدثني أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه [وآله]  وسلم: "اهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود" قال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقال الألباني صحيح.
ج8 ص 305 صحيح وضعيف سنن الترمذي لمحمد ناصر الدين الألباني حديث رقم (3805)
وقد روى البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة في باب أبواب استقبال القبلة: باب التعاون في بناء المسجد حديث(436) قال:
حدثنا مسدد قال حدثنا عبد العزيز بن مختار قال حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال لي ابن عباس ولابنه علي انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى ذكر بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه [وآله]  وسلم فينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال يقول عمار أعوذ بالله من الفتن. وقال إبن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري ج 1 ص 542-543، طبعة 1379 هـ، دار المعرفة: بيروت:
"( فائدة ) : روى حديث " تقتل عمارا الفئة الباغية " جماعة من الصحابة: منهم قتادة بن النعمان كما تقدم ، وأم سلمة عند مسلم ، وأبو هريرة عند الترمذي ، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي ، وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه ، وكلها عند الطبراني وغيره ، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم ، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمّار ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه".
وفي فيض القدير للمناوي القاهري ج 7 ص 20 طبعة 1365، المكتبة التجارية الكبرى: مصر: عن عن خالد بن الوليد قال: " كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله]  وسلم فقال: من عادى عمّارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله فخرجت فما شيء أحب إلي من رضى عمار فلقيته فرضي " أخرجه أحمد والنسائي [صححه الألباني]

([9]) تتبع السيد علي الميلاني حفظه الله طرق هذا الحديث وقال: "وهذا الحديث من الأحاديث القطعيّة الثابتة عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد رواه أكثر من عشرين صحابياً، منهم: أمير المؤمنين، أبو بكر، أبو ذر، عمّار، عبد اللّه بن عبّاس، أبو سعيد الخدري، سلمان، أبو أيّوب الأنصاري، جابر بن عبد اللّه، سعد بن أبي وقّاص، عائشة، أُمّ سلمة... .ورواه أكثر من مئة حافظ ومحدّث وعالم من أهل السنّة".
http://www.al-milani.com/eref/lib-pg.php?booid=4&mid=20&pgid=60

 

([10]) روى الحاكم النيسابوري في مستدركه كتاب معرفة الصحابة رضي الله تعالى عنهم باب علي مع القرآن والقرآن مع علي: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد ، ثنا أحمد بن محمد بن نصر ، ثنا عمرو بن طلحة القناد ، الثقة المأمون ، ثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه قال : حدثني أبو سعيد التيمي ، عن أبي ثابت ، مولى أبي ذر قال : كنت مع علي - رضي الله عنه - يوم الجمل ، فلما رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل الناس ، فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر ، فقاتلت مع أمير المؤمنين ، فلما فرغ ذهبت إلى المدينة فأتيت أم سلمة فقلت : إني والله ما جئت أسأل طعاما ولا شرابا ولكني مولى لأبي ذر ، فقالت : مرحبا فقصصت عليها قصتي ، فقالت : أين كنت حين طارت القلوب مطائرها ؟ قلت : إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس ، قال : أحسنت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : "علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض " .

هذا حديث صحيح الإسناد وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء ثقة مأمون ، ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في تعليقته.


التالي السابق