الشيخ علي الجزيري | وقفة مع حديث (كنا إذا احمَرّ البأس ولقِيَ القومُ القومَ اتَّقَيْنا برسول الله)
الشيخ علي الجزيري | وقفة مع حديث (كنا إذا احمَرّ البأس ولقِيَ القومُ القومَ اتَّقَيْنا برسول الله)
اليوتيوب: • الشيخ علي الجزيري | وقفة مع حديث (كنا...
مقتبسٌ من الدرس (12) من دروس شرح كتاب مقدمة في أصول الدين
[السيرة: سيرة النبي (ص)] ---------- روي عن أمير المؤمنين (ع) قوله: (كنا إذا احمَرّ البأس ولقِيَ القومُ القومَ، اتَّقَيْنا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه).
هذه الرواية مروية في مسند أحمد ابن حنبل، وفي النفس منها شيءٌ، بل أشياءٌ، فإنّا لا نُنكر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكملُ البشر، بل أكمل الخلق، وهو أشجع الخلق بلا استثناء، أشجع من أمير المؤمنين (ع)، فضلا عن غيره، ولكنّ في النفس من هذه الرواية شيءٌ؛ لأنّ هذه الرواية وردت عن لسان أمير المؤمنين (ع)، وخصوصية اللائذِ والملوذِ به تمنع من قبول الرواية.
أما خصوصية اللائذ - أمير المؤمنين (ع)- حيث جاء على لسانه في الحديث: كنّا إذا احمَرّ البأس ولقِيَ القومُ القومَ، اتَّقَيْنا برسول الله (صلى الله عليه وآله) !! فمن هو هذا الشجاع المقاتل البطل الذي يأتي إلى أمير المؤمنين (ع) فيلوذ أمير المؤمنين (ع) منه، ويهرب من قتاله؟ من هو؟ هذا قتّال العرب! لو اجتمعت عليه العرب لما ولاها الدبر! وليس هذا مبالغة! ولده صلوات اله وسلامه عليه وقعت له الواقعة عيانا، الإمام الحسين (ع) في كربلاء أمامه جيشٌ جرارٌ، فهل ولّاهم الدبر؟ هل انهزم؟ هل لاذ بصخرة؟ هل لاذ بحصان؟ لم يلذ بأحد!
وأمير المؤمنين (ع) أشجع من الإمام الحسين (ع)، فاللائذُ الموصوفُ بأنّه يلوذ، لا يَقبلُ العقلُ أن يلوذ من أحد أو أن يفرّ من أحدٍ! ليس هو فقط، بل أبوه وأبناء أبيه، فقد ورد في أبي طالب (ع) (رحم الله عمي أبا طالب، لو ولد الناس جميعا لكانوا شجعانا). أولاد أبي طالب معروفون في الحرب، درعهم من الأمام فقط. الناس في الحروب تلبس درع حديد يقي المقاتل من أمامه ومن خلفه، وأمّأ أولادُ أبي طالب فيمتازون عن بقية الناس بأنّ خلفهم مكشوف بلا حديد، وكأنهم يقولون لمن يقاتلهم: إن أعطيناكم ظهرنا فنحنُ لا نستحق الحياة، بل نحنُ جديرين بأن نموت! فهذا الرجل ابن أبي طالب، لا يعطي أحداً ظهرهُ ولا يفرُّ من أحدٍ، فمن هو الذي في المعركة ويفر منه أمير المؤمنين (ع)؟ هل يوجد عند العرب أشجع من عمرو بن ود؟ أمير المؤمنين (ع) قاتِله! هل يوجد عندهم أشجع من مرحب؟ أمير المؤمنين (ع) قاتِله! فعدمُ قبولنا بهذه الرواية ليس اعتباطاً، بل لأنا لا نتصوّر أنّ أمير المؤمنين (ع) يتقي أحداً من أعداء الله، وإن كان جيشا جراراً! وأما خصوصية الملوذ به (صلى الله عليه وآله)، فلأجل أن أمير المؤمنين (ع) خرج ليحمي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لو أن الرواية قالت [كنا إذا اشتد البأس احتمينا بالجبل]، لو كان أمير المؤمنين كرارا ولو في لحظة من اللحظات، نتقبل أنه يلوذ بالجبل- على حد تعبيركم فيها وجهة نظر- و أمّا أن يلوذ برسول الله (صلى الله عليه وآله) رغم أنّهُ (ع) خرج ليحميه ويقيه، فهل يُعقلُ أن يتقي به ويحتمي به ؟ أمير المؤمنين (ع) - كما في ليلة الهرير- صَفّ قدميه في تلك الليلة المشهودة التي ذهب فيها عددٌ كبيرٌ من القتلى، صفّ قدميه وقف يصلي بين الصفين غير آبهٍ، الآن – عند اشتداد البأس- يتقي برسول الله (صلى الله عليه وآله)! هل هذا هو الوفاء ؟ هل هذا هو واجبه الديني ؟ الذي يخرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجب عليه شرعاً من غير شكٍ ولا ريبةٍ أن يحمي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإن لزم من ذلك أن يموت! وهذه الروايةُ تنسبُ إلى أمير المؤمنين (ع) أنه يحتمي برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلذلك لا نقبل هذه الرواية، إلا أن يُحملَ ذلك على أن أمير المؤمنين (ع) يُريد أن يُبَيّنُ حال الجيش بصورة عامة، حيثُ أنّ المسلمين عندما يشتد البأس يلوذون بالرسول (صلى الله عليه وآله)، فهذا يُمكن قبوله ولكنّ تتمة الرواية تأباه؛ فإن تتمة الرواية تقول: (فما يكونُ أحدٌ أقرب إلى العدو منه) فهذا لا نقبله! فكيف (لا يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه)، و ولازم ذلك أنهم خذلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) واحتموا به، والمفروض أنهم يجب عليه أن يحموه!! (سائلٌ يسأل الشيخ .. ) ليس بمثل هذا تبيّن الشجاعة .. يعني لم تقصر الألفاظ في بيان شجاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تصفه بأمرٍ لا واقع له، وبأمرٍ يستوجب اتهام الخلّص من أصحابه بأنهم خذلوه و صاروا يحتمون به! ( أحد الحاضرين يستفسر: هل الرواية مأخوذةٌ من مصادر العامة؟ ) المصنف [الشيخ الوحيد الخراساني دام ظله] حفظه الله نقلها من كتاب مكارم الأخلاق، ولكني منذ ما يقرب من 4 أو 5 سنوات تفحّصت عن هذه الرواية، فلم أجدها في مصدرٍ غير مسند أحمد بن حنبل، ومؤلفُ كتاب مكارم الأخلاق –رضي الدين الطبرسي رحمهُ الله - متأخرٌ؛ لأنه من علماء القرن السادس، فمصدره الأصل على الأرجح هو مسند أحمد بن حنبل. والذي يظهر لي أن القوم يريدون أن يجرحوا أمير المؤمنين (ع) بلسان مدح الرسول (ص) فيغلقوا أفواه المسلمين؛ لأنك إذا أنكرت هذه القدحة في عليٍّ (ع)، فإنك بإنكارك لهذا القدح في عليّ (ع) تكون قد أنكرت هذا المدح للرسول (صلى الله عليه وآله)؛ لأنه قدحٌ في علي بلسان مدح الرسول (صلى الله عليه وآله)، فماذا تصنع؟ لا يسعك أن تقول لا أصدق هذا؛ لأن من يسمعك تقول (لا أصدق هذا) سيقول: (أنت تنكر فضيلة الرسول (صلى الله عليه وآله))، وليس بهذا يمدح الرسول(صلى الله عليه وآله)!!