كلمة لسماحة الشيخ علي الجزيري حفظه الله بمناسبة المبعث الشريف 1431 هـ

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام

كلمة لسماحة الشيخ علي الجزيري حفظه الله بمناسبة المبعث الشريف 1431 هـ

2020/03/22 8141

كلمة لسماحة الشيخ علي الجزيري حفظه الله بمناسبة المبعث الشريف في المدينة المنوّرة 
تاريخ المحاضرة: ليلة 27 رجب 1431هـ ، الموافق (تقريباً) 8 يوليو 2010م

تقرير ملف البعثة بصيغة PDF


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على أشرف الخلق أجمعين، محمد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

تساؤلات على مائدة البحث:

نعيش هذه الليلة ذكرى المبعث النبوي الشريف، فلا بأسَ أن نتحدّث عن معنى بعثة النبي صلّى الله عليه وآله.

فما هي الصفة الجديدة التي اتصف بها ببعثته؟

وما الذي لم يكن له ثم صار بالبعثة؟

أكان النبي صلّى الله عليه وآله لا يُوحى إليه قبل البعثة ثم صار يوحى إليه، وبهذا تحققت البعثة؟!

أم أنّ النبي صلّى الله عليه وآله لم يكن نبيّا قبلَ البعثة ثمّ صار نبياً بالبعثة؟

أم ما الذي قد حدث؟

وهذا مرادها بقولنا: ما معنى بعثة النبي صلّى الله عليه وآله؟

البعثة عند المخالفين:

أمّا غيرنا، فالأمر عندهم سهلٌ، فإنهم يقولون: إنّه لم يكن نبياً، ثم صار نبياً. بل الأمر عندهم أكثر من هذا، فهم يقولون: إن النبي صلّى الله عليه وآله صار نبياً ونزلَ عليه الوحي في تلك الرواية التي لعل أكثركم يحفظها، وفيها:

"فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ،  فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ﴾ [العلق:1-3] " فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله]وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي».

فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟  فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله]وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى". ([1])

وقفة مع رواية البخاري:

ويلحظُ على القصّة أنّها تقول: إن النبي صلى الله عليه وآله صار نبياً قبل أن يخبره ورقة بن نوفل بيومٍ كاملٍ، وأوحي إليه القرآن، ولكنه بقي لا يدري أنه صار نبياً. بل تقول رواية البخاري ومسلم: إن النبي صلى الله عليه وآله قال لخديجة : «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي». نعم، إنها كلمة يقِفُّ منها الشعر ، وتقشعرُّ منها الأبدان، قال تعالى: ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾  [مريم:89-90].

ولما كانت هذه العبارة مروعة، قال فيها ابن حجر (ت 852هـ):

"وَالْخَشْيَةُ الْمَذْكُورَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا: أَوَّلُهَا : الْجُنُونُ ، وَأَنْ يَكُونَ مَا رَآهُ مِنْ جِنْسِ الْكَهَانَةِ ، جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي عِدَّةِ طُرُقٍ"([2]).

أقول: إن رواية البخاري ومسلم قريبة من التصريح بذلك؛ لاشتمالها على عدة قرائن عليه:

القرينة الأولى: تسلية خديجة إياه (صلى الله عليه وآله) بأن الله لا يخريه أبدا؛ فإن الخزي والفضيحة إنما هي بطرّوِ الجنون، وأما لو كان يخشى الموت أو المرض فليس فيهما خزي، فإن الأنبياء ماتوا ومرض منهم من مرض، ولم يكن ذلك خزياً لهم عليهم السلام.

القرينة الثانية: تعليل خديجة في تطمينها وتأمينها له (صلى الله عليه وآله) بأنه يقري الضيف ويعين على نوائب الدهر، فإن الذي يقري الضيف لا يأمن من الموت ولا من المرض.

القرينة الثالثة: أن خديجة انطلقت به إلى ورقة ابن نوفل، وورقة لا يستطيع أن يدفع الموت ولا المرض عن نفسه، فضلا عن أن يدفعهما عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، وإنما أتت به ورقة؛ لأنّ ورقة يستطيع أن يعرف أن الذي رآه كان حقيقة، أم غير ذلك والعياذ بالله، وهذا ظاهر.

القرينة الرابعة: أن ورقة ابن نوفل سأله: «ماذا ترى؟»، وظاهرٌ من هذا السؤال أنه سأله ليتحقق طبيعة ما رآه، وليميزه له، وليشخص حالته، وأن الذي رآه حقيقة، أم أوهام.

القرينة الخامسة: قول ورقة: «هذا الناموس الذي نزل على موسى»، فإنه أيضا ظاهر في أن الغرض من الذهاب إلى ورقة هو التحقق من طبيعة ما رآه، وأخبره ورقة أن الذي رآه هو جبريل عليه السلام، وأنه قد صار نبيا.

وعلى هذا فإن رواية البخاري ومسلم تقول: إنّ ورقة بن نوفل النصراني هو الذي علّم رسول الله (ص) أنّه صار نبياً!

وفي روايتهما هذه دلالة على أنّهُ (صلى الله عليه وآله) بقي على الكفر – ونستغفر الله من روايتهم - حتّى أخبره ورقة بن نوفل؛ لأنّه (صلى الله عليه وآله) حسب رواية البخاري ومسلم لم يعرف أن الذي جاءه جبريل (ع)، ولم يعلم أنه صار نبيا حتى أخبره ورقة بذلك. وظاهرٌ أن من لا يعلم أنه نبي فلا يؤمنُ أنّهُ نبيٌ من الله، والذي لا يؤمنُ بأنّ محمداً (صّلى الله عليه وآله) رسول الله فهو كافرٌ، فهذا حاله عند غيرنا.

وليست هذه الرواية في كتاب السيرة الحلبية، أو سيرة ابن هشام، أو كنز العمال، ليعتذر عنها بأنه لا تصح، بل هي في صحيح البخاري وصحيح مسلم، ففي هذه الرواية ردٌ قاصمٌ على من يزعم منهم أنهم يعتقدون عصمة الأنبياء([3]).

ولا تعجب من وجود هذه الرواية عندهم، ولا تغترّ بما تراه في كتب العقيدة عندهم من قولهم بعصمة الأنبياء عن الكفر حتى قبل النبوة، فإنهم إنما قالوا ذلك فراراً عن إلزام الشيعة لهم، وإلا فإنهم ينسبون الكفر إلى الأنبياء.وأي عصمة للأنبياء يؤمنون بها، وهم ينسبون أعظم الذنوب، وهو الكفر بالله العظيم إلى أعظم الأنبياء، وهو خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله)، وأن ذلك وقع منه (صلى الله عليه وآله) بعد النبوة.

وإذا شئت أن تزداد معرفة برأيهم في عصمة الأنبياء فانظر ما قالوه في تفسير الآيات التالية :

الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ﴾ ([4]).

قال البغوي في تفسيره الذي يراه ابن باز من أفضل التفاسير مع تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير([5]):

"﴿ووجدك ضالا فهدى﴾، يعني ضالا عما أنت عليه فهداك للتوحيد والنبوة. قال الحسن والضحاك وابن كيسان: ووجدك ضالا عن معالم النبوة وأحكام الشريعة غافلا عنها، فهداك إليها، كما قال: ﴿وإن كنت من قبله لمن الغافلين﴾ [يوسف: 3] وقال: ﴿ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾ [الشورى: 52]"([6])

 

الآية الثانية: قوله تعالى:﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾([7]).

قال ابن جرير الطبري في تفسيره:

"وقوله: ﴿ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾ يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه [وآله]وسلم: ما كنت تدري يا محمد أي شيء الكتاب ولا الإيمان اللذين أعطيناكهما"([8]).

وقال القرطبي في تفسيره:

"قوله تعالى: ﴿ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾ أي لم تكن تعرف الطريق إلى الإيمان. وظاهر هذا يدل على أنه ما كان قبل الإيحاء متصفا بالإيمان. قال القشيري: وهو من مجوزات العقول"([9]).

 

الآية الثالثة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾([10])

قال الطبري في تفسيره موردًا الروايات في تفسير هذه الآية عندهم:

"حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت داود، عن أبي العالية، قال: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: إنما جلساؤك عبد بني فلان ومولى بني فلان، فلو ذكرت آلهتنا بشيء جالسناك، فإنه يأتيك أشراف العرب فإذا رأوا جلساءك أشراف قومك كان أرغب لهم فيك، قال: فألقى الشيطان في أمنيته، فنزلت هذه الآية: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) قال: فأجرى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وشفاعتهن ترجى، مثلهن لا ينسى؛ قال: فسجد النبي حين قرأها، وسجد معه المسلمون والمشركون؛ فلما علم الذي أجرى على لسانه، كبر ذلك عليه، فأنزل الله (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) ... إلى قوله: (والله عليم حكيم).

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية قال: قالت قريش: يا محمد إنما يجالسك الفقراء والمساكين وضعفاء الناس، فلو ذكرت آلهتنا بخير لجالسناك فإن الناس يأتونك من الآفاق، فقرأ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم سورة النجم؛ فلما انتهى على هذه الآية: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) فألقى الشيطان على لسانه: وهي الغرانقة العلى، وشفاعتهن ترتجى؛ فلما فرغ منها سجد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم والمسلمون والمشركون، إلا أبا أحيحة سعيد بن العاص، أخذ كفا من تراب وسجد عليه، وقال: قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير حتى بلغ الذين بالحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم من المسلمين أن قريشا قد أسلمت، فاشتد على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ما ألقى الشيطان على لسانه، فأنزل الله (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) ... إلى آخر الآية.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: لما نزلت هذه الآية: (أفرأيتم اللات والعزى) قرأها رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فقال: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى. فسجد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. فقال المشركون: أنه لم يذكر آلهتكم قبل اليوم بخير، فسجد المشركون معه، فأنزل الله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) ... إلى قوله: (عذاب يوم عقيم) .

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنى عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: (أفرأيتم اللات والعزى) ثم ذكر نحوه.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) إلى قوله: (والله عليم حكيم) وذلك أن نبي الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بينما هو يصلي، إذ نزلت عليه قصة آلهة العرب، فجعل يتلوها؛ فسمعه المشركون فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير، فدنوا منه، فبينما هو يتلوها وهو يقول: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) ألقى الشيطان: إن تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى. فجعل يتلوها، فنزل جبرائيل عليه السلام فنسخها، ثم قال له: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) إلى قوله: (والله عليم حكيم) .

حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي) ... الآية؛ أن نبي الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وهو بمكة، أنزل الله عليه في آلهة العرب، فجعل يتلو اللات والعزى ويكثر ترديدها. فسمع أهل مكة نبي الله يذكر آلهتهم، ففرحوا بذلك، ودنوا يستمعون، فألقى الشيطان في تلاوة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى، فقرأها النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم كذلك، فأنزل الله عليه: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلى والله عليم حكيم) .

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أنه سئل عن قوله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي) ... الآية، قال ابن شهاب: ثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وهو بمكة قرأ عليهم: (والنجم إذا هوى) ، فلما بلغ (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) قال: إن شفاعتهن ترتجى. وسها رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فلقيه المشركون الذين في قلوبهم مرض، فسلموا عليه، وفرحوا بذلك، فقال لهم: إنما ذلك من الشيطان. فأنزل الله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي) ... حتى بلغ: (فينسخ الله ما يلقي الشيطان)" ([11]).

الآية الرابعة: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُون﴾([12]).

قال الطبري في تفسيره ناسبًا للخليل عليه السلام الشرك بالله وعبادة الكوكب والقمر والشمس:

"13462 - حدثني به المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين"، يعني به الشمس والقمر والنجوم "فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي"، فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لا أحب الآفلين، "فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي"، فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين "فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر" فعبدها حتى غابت، فلما غابت قال: يا قوم إني بريء مما تشركون...." ([13]).

 وقال الطبري بعد أن استعرض أراء من تأول قول إبراهيم عليه السلام الطبري في تفسيره مختارًا أنه لم يكن في مقام المناظرة بل البحث والنظر:

"قال أبو جعفر: وفي خبر الله تعالى عن قيل إبراهيم حين أفل القمر: "لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين"، الدليل على خطأ هذه الأقوال التي قالها هؤلاء القوم، وأن الصواب من القول في ذلك، الإقرار بخبر الله تعالى الذي أخبر به عنه، والإعراض عما عداه"([14]).

وقال ابن كثير شارحًا ما اختاره الطبري في تفسيره من مقام نظر:

"وقد اختلف المفسرون في هذا المقام: هل هو مقام نظر أو مناظرة؟ فروى ابن جرير: من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ما يقتضي أنه مقام نظر، واختاره ابن جرير مستدلا بقوله لئن لم يهدني ربي الآية"([15]).

  

الآية الخامسة: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾([16]).

قال البخاري في صحيحه حاملًا كلمة إبراهيم عليه السلام على (الشك):

"حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، قال: "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: ﴿رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي﴾ [البقرة: 260] ويرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف، لأجبت الداعي"([17]).


الآية السادسة: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾
([18]).

قال البغوي في تفسيره حاملًا مغاضبة يونس عليه السلام على ربه:

"وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة: ذهب عن قومه مغاضبا لربه إذ كشف عن قومه العذاب بعد ما أوعدهم وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما أوعدهم واستحيا منهم ولم يعلم السبب الذي به رفع العذاب عنهم وكان غضبه أَنَفَةً من ظهور خلف وعده"([19]).

وقد قال غير واحد منهم : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان على دين قومه ([20]).

وقال ابن تيمية عن شعيب عليه السلام أنّه كان على دين قومه، واحتج بأن قومه طلبوا منه أن يعود إلى ملتهم، فدلّ ذلك على أنه كان على ملتهم. وإذا كان ابن تيمية يرى صحة هذا الاحتجاج فيلزمه أن يكون جميع الأنبياء على دين قومهم لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ﴾ [سورة إبراهيم:13]. وليس ببعيد على ابن تيمية أن يقول: إن جميع الرسل كانوا على دين قومهم؛ فإن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.

قال في الفتاوى الكبرى:

"وَالتَّائِبُ مِنْ الْكُفْرِ وَالذُّنُوبِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَمْ يَقَعْ فِي الْكُفْرِ وَالذُّنُوبِ؛ وَإِذَا كَانَ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ. فَالْأَفْضَلُ أَحَقُّ بِالنُّبُوَّةِ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الْفَضِيلَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ أُخُوَّةِ يُوسُفَ بِمَا أَخْبَرَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَهُمْ الْأَسْبَاطُ الَّذِينَ نَبَّأَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: 26] فَآمَنَ لُوطٌ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّة شُعَيْبٍ: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾ [الأعراف: 88] ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: 89] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ [إبراهيم: 13] ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [إبراهيم: 14]"([21]).

وقال في مجموع الفتاوى :

"قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ* قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا﴾ ظَاهِرُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شُعَيْبًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ قَوْمِهِمْ؛ لِقَوْلِهِمْ: ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ وَلِقَوْلِ شُعَيْبٍ: (أنَعُودُ فِيهَا ﴿أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾ وَلِقَوْلِهِ: ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِيهَا. وَلِقَوْلِهِ: ﴿بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا﴾ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَنْجَاهُمْ مِنْهَا بَعْدَ التَّلَوُّثِ بِهَا؛ وَلِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا﴾ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى قَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ﴾ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُحَاوِرُ لَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾ إلَى آخِرِهَا وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُ وَمِثْلُ هَذَا فِي سُورَةِ إبْرَاهِيمَ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ الْآيَةُ"([22]).

فانظر كيف رمى لوطا، وشعيبا بالكفر، ثم ما اكتفى بذلك، حتى رمى بالكفر جميع الرسل، ثم رمى من يفسر هذه الآيات بغير ما حملها عليه من إسناد الكفر إلى الأنبياء بتحريف الكلم عن مواضعه، قال:

"لَكِنْ الْمُنَازِعُونَ يَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ النُّصُوصَ مِنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ صَنَّفَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَتَأْوِيلَاتُهُمْ تُبَيِّنُ لِمَنْ تَدَبَّرَهَا أَنَّهَا فَاسِدَةٌ مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ"([23]).

وقال الفخر الرازي (المتوفى: 606 هـ) في مفاتيح الغيب :

"أما قوله تعالى: ﴿ووجدك ضالاًّ فهدى﴾ فاعلم أن بعض الناس ذهب إلى أنه كان كافراً في أول الأمر، ثم هداه الله وجعله نبياً، قال الكلبي: ﴿وجدك ضالاً﴾ يعني كافراً في قوم ضلال فهداك للتوحيد، وقال السدي: كان على دين قومه أربعين سنة، وقال مجاهد: ﴿وجدك ضالاًّ﴾ عن الهدى لدينه.

واحتجوا على ذلك بآيات أخر منها: قوله: ﴿ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾[ الشورى : 52] وقوله: ﴿وإن كنت من قبله لمن الغافلين﴾ [يوسف:3] وقوله: ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ [الزمر: 65] فهذا يقتضي صحة ذلك منه، وإذا دلت هذه الآية على الصحة وجب حمل قوله: ﴿ ووجدك ضالاًّ﴾ عليه"([24]).

وقال ابن أبي الحديد (المتوفى:  656 هـ) في شرح نهج البلاغة :

"و قال قوم من الحشوية قد كان محمد صلى الله عليه وآله كافرًا قبل البعثة، واحتجوا بقوله تعالى:‌ ﴿وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى‌َ﴾  و قال برغوث المتكلم و هو أحد النجارية: لم يكن النبي صلى الله عليه وآله مؤمنا بالله قبل أن يبعثه؛ لأنه تعالى قال له:‌ ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا اَلْكِتَابُ وَ لاَ اَلْإِيمَانُ﴾ .

وروي عن السدي في قوله تعالى:‌ ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ اَلَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ قال: وزره الشرك؛ فإنه كان على دين قومه أربعين سنة"([25])

وقال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل :

"ولقائل أن يقول: أما قوله: (إن المعرفة يجوز حصولها بالشرع) فهذا مسلم، لكن حصولها بالشرع على وجوه:

أحدهما: أن الشرع ينبه على الطريق العقلية التي بها يعرف الصانع، فتكون عقلية شرعية.

الثاني: أن المعرفة المنفصلة بأسماء الله وصفاته، التي بها يحصل الإيمان، تحصل بالشرع، كقوله تعالى: ﴿ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا﴾. وقوله: ﴿قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي﴾. وقوله: ﴿كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم﴾، وأمثال ذلك من النصوص التي تبين أن الله هدى العباد بكتابه المنزل على نبيه".

أقول :فانظر كيف فسر قول الله تعالى : ﴿ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾ بأنه لم يعرف أسماء الله وصفاته التي يحصل بها الإيمان بالكتاب المنزل عليه.

فإذا سألته : متى أنزل عليه الكتاب؟ ومتى أوحي إليه؟

فجوابه : بعدما بلغ الأربعين سنة.

والنتيجة : إن ابن تيمية يعتقد أن النبي (ص) قبل الأربعين لم يعرف أسماء الله وصفاته التي يحصل بها الإيمان.

وقال ابن عثيمين :

"الفائدة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قبل هذا الوحي لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، وعليه يدل قوله تعالى : ﴿ووجدك ضالا فهدى﴾ ضالا يعني: جاهلا ﴿فهدى﴾"([26]).

هذا كله عند غير الشيعة، وهي كما ترى ، أقوال يقشعر منها جلد المؤمن، ويقف لها الشعر، فلم يكتفوا بأن جوزوا الذنوب على الأنبياء، بل جوزوا عليهم الكفر، ولم يكتفوا بأن جوزوا الكفر عليهم، وأنه ممكن في حقهم، بل نسبوا إليهم التلبس بالكفر بالفعل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، قال تعالى: ﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾.

البعثة عند الشيعة:

وأما عندنا، فإنّ الأخبار التي جاءت عن أهل البيت عليهم السلام جاء فيها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان نبياً وآدم بين الماء والطين([27])، وهذا قطرةٌ من محيط فضل رسول الله صلى الله عليه وآله!

وهذا الخبرُ وإن لم يكن خبراً متواترا، إلّا أنّ الأخبار المتواترة الدالّة على كماله صلى الله عليه وآله وعلو منزلته توافقه، وهي أخبارٌ كثيرةٌ متواترة، وتوافق هذا الخبر في المعنى وتقوي مضمونه.

ونحنُ نشير إلى بعضها، ولا يسعنا أن نشير إلى جميع تلك الأخبار التي توافق هذا الخبر.

فمن تلك الأخبار:

الطائفة الأولى: ما دَلّ على بدء خلقه (صّلى الله عليه وآله)، وكيف خُلق، وأنّه خُلِقَ من نورٍ، وأنّ نوره حافٌ بالعرش، وأنّه (صّلى الله عليه وآله) هو الذي علّم الملائكة التسبيح والتهليل.

هذا شأَنُهُ (صّلى الله عليه وآله) في بدء خلقه، فمن كان هذا بدء خلقه، ومن كان مُعلماً للملائكة التسبيح والتهليل، أَيخشى من جبريل إذا جاءه بالوحي؟!

أويستطيع جبرائيل أو غيره أن يغطّه حتى يبلغ به الجهد؟! معاذ الله!

معاذ الله أن يتجرأ جبريل على رسول الله ص وآله في هذا، وجبريل عليه السلام لا يدخل على النبي (صّلى الله عليه وآله) حتى يستأذنه، فإذا أَذِن دَخَلَ.

فإذا كان هذا بدء خلقه فلا يعقل أن يكون كافراً والعياذ بالله كما يرون([28]) قبل أن يبلغ الأربعين.

الطائفة الثانية: ومما جاء في الأخبار التي لها مدلول غير مدلول روايتنا ولكنه يقوّي دلالتها، ما جاء في شؤون حياته (صّلى الله عليه وآله) قبل البعثة، فإنّه قد جاء في ذلك أخبارٌ كثيرة :

منها ما في نهج البلاغة:

"وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ صلى الله عليه وآله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ"([29])    

وهذا الملَكُ يثبّت النبي (صّلى الله عليه وآله)  ويؤيّده، وهذا الملَك هو الذي عبّرت عنه الروايات بروح القدس، وروح القدس مَلَكٌ ملازمٌ لحجّة الله على الخلق، فالحجّة سواءً أكان نبيّا أم إماماً فإنّ روح القدس يُلازمه.

ورسول الله صلّى الله عليه وآله قد لازمه روح القدس أكثر من سائر الأنبياء والأئمة، لأنه لازمه (مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً) ، أمّا سائر الأئمة عليهم السلام فلا يلازمهم روح القدس من حين مولدهم، فأمير المؤمنين عليه السلام مثلاً لازمه روح القدس من حين رحلة النبي (صّلى الله عليه وآله)، ولازم الإمام الحسن عليه السلام من حين استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، ولازم الإمام الحسين من حين استشهاد الإمام الحسن عليه السلام وهكذا، أمّا رسول الله (صّلى الله عليه وآله) فلازمه روح القدس من حين خُلِق، فالّذي يُلازِمُهُ روح القدس -وهو أعظم من جبرائيل وميكائيل- (مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً) ، كيف يكون كافراً قبل بعثته والعياذ بالله؟!!

الطائفة الثالثة: ما جاء في بيان فضل الأنبياء قبله (صّلى الله عليه وآله)، مع الأخبار المتواترة الدالّة على أن الله سبحانه ما آتى أحداً من الأنبياء فضلاً إلّا وآتى ذلك الفضل محمداً وآل محمد([30]).

فمثلاً النبيّ عيسى عليه السلام صار نبيا في المهد: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وهذا فضلٌ قد آتاهُ الله عيسى عليه السلام، فهل يُحرم النبي (صّلى الله عليه وآله) من هذا الفضل التي أوتي عيسى عليه السلام ؟ كلاً!([31])

فالروايات التي تقول (ما أوتي أحدٌ من الأنبياء فضلاً إلا وأوتيناه) تدلّ على أن النبي (صلّى الله عليه وآله) قد أوتي هذا الفضل ايضاً!

والرسول (صلّى الله عليه وآله) نبيٌ من حين المهد، وكذا ما جاء في حق غير عيسى عليه السلام، كيحيى ﴿وأتيناه الحكم صبياً!

الطائفة الرابعة: الروايات التي بيّنت فضائل الأئمة الأطهار (ع).

وهي كثيرةٌ ، كالروايات التي بيّنت أن أمير المؤمنين عليه السلام كانت عنده الكتب السماوية وهو صبي، والروايات التي دلّت على أنّ الأئمة من ولده عليه وعليهم السلام أيضاً كانت عندهم علوم الأنبياء السابقين، وما شاكل ذلك من الأخبار، فإنّها أيضاً تَدلُّ بالأولويّة القطعيّة على أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كانت عنده هذه العلوم، بل وبمقتضى الأخبار الأخرى كان عنده أكثر من هذه العلوم.

فهل يُعقلُ فيمن هذا حاله وهذه منزلته أن لا يكون نبياً وهو صبي؟!

إذاً: الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان نبيا وآدم بين الماء والطين بمقتضى تلك الرواية التي تعضدها الأخبار المتواترة المتضمنة لمقامات النببي (صلّى الله عليه وآله)، وهذه المقامات وإن كانت ألسنتُها مختلفةٌ، ولكنّها تشهد بالمعنى الذي بينته تلك الرواية.

فإذا كان (صلى الله عليه وآله) نبياً، وإذا كان معه روح القدس (مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً)، وإذا كانت من مراتب روحه (صلّى الله عليه وآله) الروح، وهذه مرتبة من مراتب روح آل محمد (صلّى الله عليه وآله)، وهي أعلى من مرتبة روح القدس، ولكن الحديث في هذا له مجال آخر([32]).

على أي حال، إذا كان هذا حالُه وهذا مقامُه وهذه منزلته، فما الذي حدث بالبعثة إذن؟!

عندما نقول أنّ بعثة النبي (صلّى الله عليه وآله) كانت في السابع العشرين من رجب، فما الذي حدث في هذه البعثة؟!

جوابان للسؤال عن معنى البعثة :

الجواب الأول : بدأ يرى جبريل

يُمكن أن يُستفاد الجواب عن هذا السؤال من الأخبار التي بيّنت الفرق بين النبي والرسول، وهي أَخبارٌ ذكرها ثقة الاسلام الكليني طيب الله رمسه، ومفاد تلك الاخبار أنّ النبيّ هو الذي يسمع صوت الملك، ويراه في المنام، ولكنه لا يراه في اليقظة، والرسول هو الذي يسمع الصوت ويرى الملك في اليقظة([33]).

فيمكن أن يُقال أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) ما كان يرى جبريل قبل البعثة ثم صار يَراهُ بعدها.

ونحن لا نجزمُ بهذا الجواب، وإنّما نقول: إنّ هذا جوابٌ يُمكن أن يُستفاد من تلك الاخبار.

الجواب الثاني: بدأ يدعو الناس إلى الإيمان بنبوته

ويُمكن أن يُستفاد الجواب من بيان الفرق بين النبي والرسول في غير هذه الأخبار، كأن يُقال: إنَّ النبي ما يوحى إليه فيما يرتبط بتكاليفِ شَخْصِه، والرسول هو الّذي يُبعثُ إلى الناس، والرسول (صلّى الله عليه وآله) وإن كان عنده هذه المنزلة وكانت له هذه المكانة التي حباهُ الله بها، إلّا أنّهُ لم يكن قد أُرسل للناس قبل البعثة، وإنما صارت البعثة هي الموجبة لإرساله للناس.

فان كان هذا هو الفارق، فإن البعثة تضمّنت إرساله الى الناس، فلم يَكن قبل البعثةِ قد أرسل إلى الناس، مع أنّه واجد لكل تلك الكمالات إلا أنّه بالبعثة قد أرسل للناس.

فالذي حدث بالبعثة، والذي كان صلى الله عليه وآله يفقده ثم وجده هو : التكليف، وليس التشريف.

وهذا التغيير نظير التغيير الذي يطرأ عليه صلى الله عليه وآله وعلى عامة المؤمنين بزوال الشمس، فإنه يتوجه إليهم التكليف بإقامة صلاتي الظهرين، ويؤمرون بها بعد أن لم تكن واجبة عليهم قبل زوال الشمس.

فالذي استجد هو توجه التكليف إليه بأن يدعو الناس إلى الإيمان بنبوته.

المسألة معرفية، ليست شرطا في الإيمان، ولا واجبة فقهيا:

وكيف كان، فان معرفة الأمر الذي تغير بالنسبة للرسول (صلّى الله عليه وآله) بالبعثة أمرٌ معرفيٌ، فلو أن أحداً من الناس لا يعرف هذا القول وكان يَؤمُّ الناس في الصلاة، وهو يجهلُ ما الذي حدث بالدقّة للنبي (صلّى الله عليه وآله) في البعثة، فإنّهُ لا مانع من أَن تُصلّي خلفه إذا كان عادلاً من سائر الجهات، فإنّ الجهل بهذا الامر لا يُوجبُ خروجه عن العدالة.

ولو أنّ الانسان مات ووُضعَ في القبر، فإنّ منكراً ونكيراً لا يسألانه ما هي البعثة؟ وما الذي تغير في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عندما تحقّقت؟ بل إذا كان يعتقد بأنه لا إله إلا الله وَحده لا شريك له، وأن محمد (ص) وآله عبده ورسوله، فانه لا يُسأل بعد ذلك: ما هي حقيقة البعثة؟، وما الذي تغير بموجبها؟

وهكذا في القيامة، فإنّهُ لا يُسألُ عن هذا الأمر، ولا يُقال له: إذا لم تعرف البعثة فإنّك لا تجوز الصراط.

فإذاً : ما حدث بالبعثة، وحقيقتها، وما الذي أوجدته، أو أوجبته، وما الذي تغيّر في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بموجبها؟ كلّ هذه من الأمور المعرفيّة، التي لا يَجبُ عليك الإعتقاد بها، ولا يَجب عليك البحث عنها.

المهيمن على ذلك كلّة:

جاء في الأخبار وصف النبي (صلّى الله عليه وآله) بأنّه (المهيمن على ذلك كلّه)([34]).

وقد جاء هذا الوصف في وصف أمير المؤمنين عليه السلام، وفي وصف الإمام الحسن (ع)، وفي وصف الإمام الحسين (ع)([35])، بل جاء في الذكر الحكيم وصفُ القران الكريم بذلك، كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ[المائدة : 48].

فما معنى المهيمن على ذلك كله؟

والجواب :

إن الهيمنة في اللغة ليست ظاهرة المعنى، ولم يتّفق عُلماءُ اللغة على معنى المهيمن، وذكروا للمهيمن معانٍ:

1 - : منها: الحافظُ على أمرِ المهيمن عليه، يُقال للطائر إذا رفرفر على عياله هيمن عليهم، والمقصود أنّه حافظَ عليهم، وسعى في سلامتهم وتأمينهم.

2 - : ومنها: ما جاء عن ابن عباس أنّ المهيمن بمعنى الشاهد.

3 - : كما ذكروا أيضاً من معاني المهيمن : المؤتمن.

ويمكن إيجاد جامعٍ من حيث المعنى بين هذه المعاني، وإن كان الجامع لا يخلو من لطافة ودقة.

وكيف كان، فإنّنا نتطرّقُ لمعنى المهيمن على ضوء هذه المعاني التي ذكرها علماء اللغة:

فإن كان المهيمن بمعنى (الحافظ): فالرسول (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين عليه السلام، والإمامُ الحسن عليه السلام، والامام الحسين عليه السلام مهيمنون على ما جاء به الأنبياءُ، بمعنى: إنهم حافظون لما جاء به الأنبياء، فالأنبياءُ جاؤوا بالتعاليم، وجاء بعضهم بالكتب، وهذه هي التي تُسمّى مواريث الانبياء، ومواريثُ الانبياء قد اجتمعت عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، و نقلها إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ونقلها أمير المؤمنين إلى الحسن وهكذا، فهؤلاء مهيمنون على ذلك كلّه، بمعنى أنهم راعون ومحافظون على ذلك كله، فما ضيّعوا من مواريث النبوة شيئاً، وما فرّطوا في حفظها.

وإذا كان المهيمن بمعنى (الشاهد): فالنبي (صلّى الله عليه وآله) مهيمنٌ على ما جاء به الأنبياءُ ومهيمنٌ على الأنبياء أيضاً، لأنّ كل واحدٍ من الأنبياء شاهدٌ على أمّته، والرسول (صلّى الله عليه وآله) شاهدٌ على أمّته وعلى جميع الأنبياء، فهو مهيمنٌ عليهم، قال تعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا [ النساء: 41].

وإذا كان المهيمن بمعنى (المؤتمن) : فالرسول (صلّى الله عليه وآله) هو المؤتمن على مواريث الانبياء.

فالمعاني اللغويّة تستقيمُ مع ما جاء في وصفهم عليهم السلام بأنهم مهيمنون على ذلك كلّه، وإن كان متعلق الهيمنة، وما تكون عليه الهيمنة يختلف باختلاف المعنى اللغوي الذي نبني عليه.فإذا قلنا: إن المهيمن بمعنى (الحافظ)، أو (المؤتمن): فالمقصود أنهم عليهم السلام مهيمنون على (مواريث النبوة)، وعلى (الأحكام التي فيها)، فهم حافظون مؤتمنون على مواريث النبوة وما فيها من الأحكام.وإن اخترنا أن المهيمن بمعنى (الشاهد): فهم عليهم السلام مهيمنون على (الأنبياء أنفسهم)، ومهيمنون على ما جاء به الأنبياء، فهم شهود على الأنبياء وما جاؤوا به، والحمد لله أولاً وآخراً.

----------------

تجدون هوامش الكلمة على الرابط التالي: 
http://jaziri.net/view.php?id=744

[1] صحيح البخاري أو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وسننه وأيامه، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الطبعة: الأولى، 1422هـ الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، كتاب بدء الوحي، ج 1 ص 7 ، ح (3).

وجاء الحديثُ أيضًا في صحيح مسلم، أو المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261هـ) المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ج 1 ص 139 ح (252 – (160)).

[2] فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة – بيروت، ج 1 ص 24

 

[3] من أمثلة ما يذكرونه في عصمة الأنبياء عليهم السلام:

  • ما ذكره أبوحنيفه (المتوفى: 150هـ) في كتابه الفقه الأكبر، باب القول في عصمة الأنبياء:

“والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم منزهون عن الصغائر والكبائر والكفر والقبائح وقد كانت منهم زلات وخطايا”

الفقه الأكبر (مطبوع مع الشرح الميسر على الفقهين الأبسط والأكبر المنسوبين لأبي حنيفة تأليف محمد بن عبد الرحمن الخميس)، لأبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه (المتوفى: 150هـ)، الطبعة: الأولى، 1419هـ – 1999م، الناشر: مكتبة الفرقان – الإمارات العربية ص 37.

  • وقال القاضي عياض (المتوفى: 544 هـ) في كتابه الشفا:

” وأما عصمتهم من هذا الفن قبل النبوة فللناس فيه خلاف * والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكك في شئ من ذلك وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا ونشأتهم على التوحيد والإيمان بل على إشراق أنوار المعارف نفحات ألطاف السعادة  … ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحدًا نُبئ  واصطفي ممن عرف بكفر وإشراك قبل ذلك ومستند هذا الباب النقل وقد استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله وأنا أقول إن قريشا قد رمت نبينا بكل ما افترته، وعير كفار الأمم أنبياءها بكل ما أمكنها واختلقته مما نص الله تعالى عليه أو نقلته إلينا الرواة ولم نجد في شئ من ذلك تعييرا لواحد منهم برفضه آلهته وتقريعه بذمة بترك ما كان قد جامعهم عليه ولو كان هذا لكانوا بذلك مبادرين وبتلونه في معبوده محتجين ولكان توبيخهم له بنهيهم عما كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركهم آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم من قبل ففي إطباقهم على الإعراض عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه إذ لو كان لنقل وما سكتوا عنه”.

الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وآله، القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي (المتوفى: 544 هـ )، تحقيق أبوالفضل الدمياطي أحمد بن علي، الطبعة الأولى: 1438 هـ ، دار الغد الجديد، القاهرة،  الفصل الثاني:  عصمة الأنبياء قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكك في شيء من ذلك، ج 2 ص103.

وقال أيضًا:

” واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم من الشيطان وكفايته منه لا في جسمه بأنواع الأذى ولا على خاطره بالوساوس” الشفا، مصدر سابق، الفصل الرابع: في إجماع الأمة على عصمة النبي صلى الله عليه وآله من الشيطان، ج 2 ص 111

وقال أيضًا: ” وأما أقواله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقد قامت الدلائل الواضحة بصحة المعجزة على صدقه وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الأخبار عن شئ منها بخلاف ما هو به لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا”.

الشفا، مصدر سابق، الفصل الخامس: في عصمة النبي عليه السلام في أقواله وأفعاله، ج 2 ص 115

وقال أيضًا: ” وأما ما يتعلق بالجوارح من الأعمال ولا يخرج من جملتها القول باللسان، فيما عدا الخبر الذي وقع فيه الكلام ولا الاعتقاد بالقلب فيما عدا التوحيد وما قدمناه من معارفه المختصة به فأجمع المسلمون على عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر الموبقات”.

الشفا، مصدر سابق، الفصل التاسع: في عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر، ج 2 ص 131

  • وقال الفخر الرازي (المتوفى: 606 هـ) في كتابه عصمة الأنبياء (ع) :

( أعلم ) أن الاختلاف في هذه المسألة –أي عصمة الأنبياء عليهم السلام- واقع في أربعة مواضع :

( الأول ) ما يتعلق بالاعتقادية. واجتمعت الأمة على أن الأنبياء معصومون عن الكفر والبدعة إلا الفضيلية من الخروج فإنهم يجوزون الكفر على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وذلك لأن عندهم يجوز صدور الذنوب عنهم ، وكل ذنب فهو كفر عندهم ، فبهذا الطريق جوزوا صدور الكفر عنهم ، والروافض فإنهم يجوزون عليهم إظهار كلمة الكفر على سبيل التقية.

( الثاني ) ما يتعلق بجميع الشرائع والأحكام من اللّه تعالى ، وأجمعوا على أنه لا يجوز عليهم التحريف والخيانة في هذا الباب لا بالعمد ولا بالسهو، وإلا لم يبق الاعتماد على شيء من الشرائع.

( الثالث ) ما يتعلق بالفتوى. وأجمعوا على أنه لا يجوز تعمد الخطأ فأما على سبيل السهو فقد اختلفوا فيه.

( الرابع ) ما يتعلق بأفعالهم وأحوالهم. وقد اختلفوا فيه على خمسة مذاهب :

( الأول ) الحشوية : وهو أنه يجوز عليهم الإقدام على الكبائر والصغائر.

( الثاني ) أنه لا يجوز منهم تعمد الكبيرة البتة وأما تعمد الصغيرة فهو جائز ، بشرط أن لا تكون منفرا. وأما إن كانت منفرا فذلك لا يجوز عليهم ، مثل التطفيف بما دون الحبة وهو قول أكثر المعتزلة.

( الثالث ) أنه لا يجوز عليهم تعمد الكبيرة والصغيرة ، ولكن يجوز صدور الذنب منهم على سبيل الخطأ في التأويل ، وهو قول أبى علي الجبائي.

( الرابع ) أنه لا يجوز عليهم الكبيرة ولا الصغيرة ، لا بالعمد ولا بالتأويل والخطأ. أما السهو والنسيان فجائز ثم إنهم يعاتبون على ذلك السهو والنسيان ، لما أن علومهم أكمل ، فكان الواجب عليهم المبالغة في التيقظ ، وهو قول أبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام.

( الخامس ) أنه لا يجوز عليهم الكبيرة ولا الصغيرة لا بالعمد ولا بالتأويل ولا بالسهو والنسيان. وهذا مذهب الشيعة.

… والذي نقول: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون في زمان النبوة عن الكبائر والصغائر بالعمد. أما على سبيل السهو فهو جائز”.

عصمة الأنبياء، تأليف الإمام فخر الدين الرازي (المتوفى: 606 هـ)، تقديم ومراجعة محمد حجازي، الطبعة الأولى: 1986م، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ص 39- 40.

  • وقال الإيجي (المتوفى: 756 هـ ) في كتابه المواقف في علم الكلام:

” في حقيقة العصمة، وهي عندنا: أن لا يخلق اللّه فيهم -يعني الانبياء- ذنباً، وعند الحكماء : ملكة تمنع عن الفجور، وتحصل بالعلم بمثالب المعاصي، ومناقب الطاعات، وتتأكد بتتابع الوحي بالأوامر والنواهي والاعتراض على ما يصدر عنهم من الصغائر وترك الأولى.”

المواقف في علم الكلام، القاضي عبدالرحمن بن أحمد الإيجي (المتوفى: 756 هـ)، طبعة 1977م،  عالم الكتب، بيروت، المقصد السادس، ص 366.

وقال أيضًا:

المقصد الخامس: في عصمة الأنبياء. أجمع أهل الملل والشرائع على عصمتهم عن تعمد الكذب فيما دل المعجز على صدقهم فيه كدعوى الرسالة وما يبلغونه عن الله، وفي جواز صدوره عنهم على سبيل السهو والنسيان خلاف: فمنعه الأستاذ وكثير من الأئمة، لدلالة المعجزة على صدقهم، وجوزه القاضي مصيرامنه إلى عدم دخوله في التصديق المقصود بالمعجزة. وأما سائر الذنوب فهي إما كفرٌ أو غيره، أما الكفر فأجمعت الأمة على عصمتهم منه، … وأما غير الكفر، فإما كبائر أو صغائر، كل منهما إما عمدًا أو سهوًا، أما الكبائر عمدًا فمنعه الجمهور، والأكثر على امتناعه سمعًا، وقالت المعتزلة -بناءً على أصولهم-:- يمتنع ذلك عقلًا، وأما سهوًا فجوزه الأكثرون. وأما الصغائر عمدًا فجوزه الجمهور إلا الجبائي، وأما سهوًا فهو جائزٌ اتفاقاً إلا الصغائر الخسيسة كسرقة حبة أو لقمة، وقال الجاحظ بشرط أن ينبهوا عليه فينتهوا عنه، وقد تبعه فيه كثير من المتأخرين وبه نقول”.

المواقف في علم الكلام، مصدر سابق،  المقصد الخامس ص 358-359.

  • وقال تقي الدين السبكي (المتوفى: 756هـ )في الإبهاج في شرح المنهاج تحت عنوان في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

“والذي نختاره نحن وندين الله تعالى عليه أنه لا يصدر عنهم ذنب لا صغير ولا كبير، لا عمدًا ولا سهوًا وأن الله تعالى نزّه ذواتهم الشريفة عن صدور النقائص، وهذا هو اعتقاد الشيخ الإمام الوالد أيده الله وعليه جماعة منهم القاضي عياض بن محمد اليحصبي ونص على القول به الأستاذ أبو اسحاق في كتابه في أصول الفقه وزاد انه يمتنع عليهم النسيان ايضا “.

الإبهاج في شرح المنهاج ، تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن حامد بن يحيي السبكي وولده تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب، عام النشر: 1416هـ – 1995 م ، دار الكتب العلمية –بيروت، ج 2 ص 263

  • وقال الإمام الشوكاني (المتوفى: 1250هـ ) ونسب كلامه للأكثر من أهل العلم حيث قال في البحث الثالث: في عصمة الأنبياء:
    “ذهب الأكثر من أهل العلم إلى عصمة الأنبياء بعد النبوة من الكبائر، وقد حكى القاضي أبو بكر إجماع المسلمين على ذلك. وكذا حكاه ابن الحاجب وغيره من متأخري الأصوليين، وكذا حكوا الإجماع على عصمتهم بعد النبوة مما يزري بمناصبهم، كرذائل الأخلاق والدناءات وسائر ما ينفر عنهم، وهي التي يقال لها صغائر الخسة، كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة، وإنما اختلفوا في الدليل على عصمتهم مما ذكر، هل هو الشرع أو العقل؟”

ارشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250هـ)، تحقيق: الشيخ أحمد عزو عناية، قدم له: الشيخ خليل الميس والدكتور ولي الدين صالح فرفور، الطبعة: الطبعة الأولى 1419هـ – 1999م، دار الكتاب العربي، ج 1 ص 98.

  • وقال ابن باز (المتوفى: 1420 هـ ) في جواب على موقعه الإلكتروني:

“قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولاسيما خاتمهم محمد ﷺ ، معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله  عزوجل من أحكام، كما قال عزوجل: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۝ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۝ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ۝ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:1-5] فنبينا محمد ﷺ معصوم في كل ما يبلغ عن الله من الشرائع قولا وعملا وتقريرا، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم. وقد ذهب جمهور أهل العلم أيضا إلى أنه معصوم من المعاصي الكبائر دون الصغائر، وقد تقع منه الصغيرة لكن لا يقر عليها، بل ينبه عليها فيتركها” الموقع الإلكتروني: https://bit.ly/2MxK5dH

[1] سورة الضحى:7

[1] موقع ابن باز، جواب السؤال: يسألون عن أفضل كتابٍ لتفسير القرآن الكريم؟ https://bit.ly/2XyebOG

[1] معالم التنزيل في تفسير القرآن أو تفسير البغوي، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى : 510هـ)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، الطبعة : الأولى ، 1420 هـ،  دار إحياء التراث العربي -بيروت ، سورة الضحى  [سورة الضحى (93) : الآيات 6 الى 8]، ج 5 ص 268

[1] سورة الشورى:52

[8] جامع البيان في تأويل القرآن أو تفسير الطبري،  محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ) ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الطبعة: الأولى، 1420 هـ – 2000 م، مؤسسة الرسالة، تفسير سورة الشورى، ج 21 ص 560

[9] الجامع لأحكام القرآن أو تفسير القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (ت: 671هـ)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الطبعة: الثانية: 1384هـ – 1964م،  الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة، [سورة الشورى (42): الآيات 52 إلى 53]، ج 16 ص 55

[10] سورة الحج:52

[11] تفسير الطبري، مصدر سابق، ج 18 ص 664 – 667

[12] سورة الأنعام: 76- 78

[13] تفسير الطبري، مصدر سابق، ج 11 ص 480

[14] تفسير الطبري، مصدر سابق، ج 11 ص 485

[15] تفسير ابن كثير، مصدر سابق، ج 3 ص 261

 

 

 

[16] سورة البقرة: 260

[17] صحيح البخاري، مصدر سابق، كتاب أحاديث الأنبياء  باب قوله عز وجل: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه} [الحجر: 52]، ج 4 ص147

[18] سورة الأنبياء:87

[19] تفسير البغوي، مصدر سابق، [سورة الأنبياء (21) : الآيات 85 الى 87]، ج 3 ص 313

[20] المخالفون على ثلاثة أقسامٍ حيال العبارة السابقة: القسم الأول: مؤيدٌ له، والقسمُ الثاني: متأولٌ لها، والقسمُ الثالث: منكرٌ لها.

أما القسم الأول:  فسيأتي ذكرُ بعض من قال بمعنى العبارة في كلام الرازي وابن أبي الحديد المعتزلي، وعلاوة عليهم فقد حُكيت نفسُ المقولة بلفظها عن آخرين، ومن ذلك ما رواه الخلال في كتابه السنة قال:  “أخبرني عصمة بن عصام العكبري، قال: ثنا حنبل بن إسحاق، قال: قلت لأبي عبد الله: من زعم أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم كان على دين قومه قبل أن يبعث؟ فقال: ” هذا قول سوء، ينبغي لصاحب هذه المقالة تخذر كلامه، ولا يجالس، قلت له: إن جارنا الناقد أبو العباس يقول هذه المقالة؟ فقال: قاتله الله، أي شيء أبقى إذا زعم أن رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم كان على دين قومه وهم يعبدون الأصنام ..”

السنة، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخَلَّال البغدادي الحنبلي (المتوفى: 311هـ) المحقق: د. عطية الزهراني، الطبعة: الأولى، 1410هـ – 1989م، الناشر: دار الراية – الرياض ج 1 ص 195 ح (213)

ومن ذلك ما أورده ابن النجار الحنبلي في شرح الكوكب المنير:  “وقيل: بل على دين قومه، حكاه ابن حامد عن بعضهم، وهو غريب بعيد” .

شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير، الشيخ محمد بن أحمد بن عبدالعزيز الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار (المتوفي سنة 972 هـ)، تحقيق الدكتور محمد الزحلي والدكتور نزيه حماد، الطبعة الثانية : 1430 هـ- 2009م ، مكتبة العبيكان: الرياض، ج 4 ص 409.

وأما القسم الثاني: وقد حاول البعض تأويل العبارة على معنى لا يذهبُ به إلى كفر النبي صلى الله عليه وآله قبل الوحي بحمل المراد بدين قومه على البقاء على دين أبيهم إبراهيم عليه السلام، ومن ذلك:  ما قاله ابن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276 هـ) في تأويل مختلف الحديث:

“قالوا : حديثان متناقضان،  قالوا : رويتم أن رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم قال: ما كفر بالله نبي قط، وأنه بعث إليه ملكان فاستخرجا من قلبه وهو صغير علقة ثم غسلا قلبه ثم رداه إلى مكانه، ثم رويتم : أنه كان على دين قومه أربعين سنة، وأنه زوج ابنتيه عتبة بن أبي لهب وأبا العاص بن الربيع، وهما كافران. قالوا : وفي هذا تناقض، واختلاف وتنقص لرسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم.

قال أبو محمد، ونحن نقول: إنه ليس لأحد فيه، بنعمة الله، متعلق ولا مقال، إذا عرف معناه؛ لأن العرب جميعا، من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، خلا اليمن. ولم يزالوا على بقايا من دين أبيهم إبراهيم صلى الله عليه [وآله]وسلم. ومن ذلك حج البيت وزيارته، والختان، والنكاح، وإيقاع الطلاق، إذا كان ثلاثا، وللزوج الرجعة في الواحدة والاثنتين، ودية النفس مائة من الإبل، والغسل من الجنابة، واتباع الحكم في المبال في الخنثى، وتحريم ذوات المحارم بالقرابة والصهر والنسب -وهذه أمور مشهورة عنهم”.

تأويل مختلف الحديث، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ)، الطبعة: الطبعة الثانية- مزيده ومنقحة 1419هـ – 1999م ، المكتب الاسلامي – مؤسسة الإشراق، باب ذكر الأحاديث التي ادعوا عليها التناقض ، ص 176

أقول: إن كان مقصودهم بتأويلهم: أنّه كمعاصريه من العرب كان على ملة إبراهيم الخليل عليه السلام في بعض المواطن دون غيرها، كأنّ يقصدوا خصوص الأمثلة التي ذكروها من حج وختان ونكاح وطلاق ودية وغيرها، فإنهم لم يدفعوا عنه التهمة بالكفر قبل الوحي، بل أثبتوها، وإن كان مرادهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان على ملة إبراهيم الخليل عليه السلام في جميع المواطن، فيلزمهم حمل آباء النبي صلى الله عليه وآله وأمه والبيئة الحاظنة له من بني هاشم على أنهم على ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، فهم المحيط الذي نشأ فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ولزم منهم نفي الكفر عن أبيه عبدالله وأمّه آمنة وجدّه عبدالمطلب وعمّه أبي طالب [المقرر]. 

وأمّا القسم الثالث: فقد أنكرها، ومن ذلك ما عنونه ابن حبان (المتوفى: 354 هـ ) في صحيحة باب (ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُدْحِضِ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ)، وأورد حديثًا عن النبي صلى الله عليه وآله:: «ما هممت بقبيح مما يهم به أهل الجاهلية إلا مرتين من الدهر كلتاهما عصمني الله منهما”.

صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354هـ) تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الطبعة: الثانية، 1414 هـ – 1993م، مؤسسة الرسالة – بيروت ، ج 14 ص 169

ومقتضى قوله في التبويب: (ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُدْحِضِ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ) أنّه ينكر كون النبي صلى الله عليه وآله على دين قومه.

[21] الفتاوى الكبرى لابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ)، الطبعة: الأولى، 1408هـ – 1987م، دار الكتب العلمية، ج 5 ص 269-270

[22] مجموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هــ)، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، عام النشر: 1416هـ /1995م، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، ج 15 ص 29.

[23] الفتاوى الكبرى، مصدر سابق، ج 5 ص 272

[24] مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، الطبعة: الثالثة – 1420 هـ، دار إحياء التراث العربي – بيروت، [سورة الضحى (93) : آية 7]، ج 31 ص 197

[25] شرح نهج البلاغة،  لابن أبي الحديد (586 – 656)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى [1378ه‍ – 1959 م]، دار إحياء الكتب العربية، ج 7 ص 9

 

[26] تفسير القرآن العظيم (سورة الشورى)، الشيخ محمد بن صالح العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)، الطبعة الأولى: 1437 هـ، مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية، القصيم، المملكة العربية السعودية،   ص 360.

[27]  أوردهُ ابن شاذان رحمه الله في الفضائل عن الإمام الجواد عن النبي صلى الله عليه وآله بلفظة: «يا أبا حفص نبئت وآدم بين الروح والجسد».
الفضائل لابن شاذان رحمه الله، أبو الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن إسماعيل ابن أبي طالب القمي رحمهُ الله، سنة الطبع: 1962م- 1381 هـ، منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها: النجف الأشرف، ص 34.

وأورد الشيخ المجلسي رحمهُ الله النصّ في البحار في سياق قول الإمام الجواد عليه السلام ليحيى بن أكثم في مناظرةٍ معه: “كتاب الله أصدق من هذا الحديث: يقول الله في كتابه «وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح» فقد أخذ الله ميثاق النبيين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه، وكان الأنبياء: لم يشركوا طرفة عين فكيف يبعث بالنبوة من أشرك وكان أكثر أيامه مع الشرك بالله، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نبئت وآدم بين الروح والجسد».

بحار الأنوار للعلّامة المجلسي رحمهُ الله،  تحقيق: عبد الرحيم الرباني الشيرازي، الطبعة: الثالثة (المصححة): 1403 هـ، مؤسسة الوفاء بيروت – لبنان، ج 50 ص 82.

وأوردهُ ابن أبي جمهور الأحسائي رحمهُ الله في عوالي اللئالي بلفظة: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين»

عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي، الطبعة المحققة الأولى: 1405 ه‍ – 1985 م، مطبعة سيد الشهداء (عليه السلام) قم – إيران، ج 4 ص 121.

وقريبٌ منه ما أورده الشيخ الصدوق رحمه الله في علل الشرائع عن سؤال يهودي للنبي صلى الله عليه وآله: “يا محمد أكنت في أم الكتاب نبيًّا قبل أن تخلق؟ قال: نعم” علل الشرائع للشيخ الصدوق رحمه الله، مصدر سابق، (باب 70 – العلة التي من أجلها لم يتكلم النبي صلى الله عليه وآله بالحكمة)، ج 1  ص 79.

وقريبٌ منه ما رواهُ أبو خالد الكابلي، عن ابن نباتة قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «ألا إني عبدالله وأخو رسوله، وصديقه الأول، قد صدقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صديقه الاول في أمتكم حقًّا، فنحن الأولون و نحن الآخرون».

بحار الأنوار للعلّامة المجلسي رحمهُ الله، مصدر سابق، ج 15 ص 15، بتقريب تصديق أمير المؤمنين عليه السلام بنبوّة النبي صلى الله عليه وآله.

وورد الحديث عند المخالفين في أكثر من مورد منها ما ورد في سنن الترمذي (عن أبي هريرة، قال: قالوا: يا رسول الله ! متى وجبت لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد) سنن الترمذي أو الجامع الكبير للترمذي، تحقيق بشّار عواد معروف، سنة النشر: 1998م، دار الغرب الإسلامي: بيروت، أبواب المناقب، بَابٌ فِي فَضْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ، ج 6 ص 9 ح (3609). وعلّق الهروي القاري (ت 1014 هـ ) في كتابهِ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: ح (5758) – (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ)؟ أَيْ: ثَبَتَتْ (قَالَ: وَآدَمُ) أَيْ: وَجَبَتْ لِيَ النُّبُوَّةُ وَالْحَالُ أَنَّ آدَمَ (بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ) يَعْنِي وَأَنَّهُ مَطْرُوحٌ عَلَى الْأَرْضِ صُورَةً بِلَا رُوحٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ قَبْلَ تَعَلُّقِ رُوحِهِ بِجَسَدِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا هُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ: مَتَى وَجَبَتْ أَيْ: وَجَبَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَعَامِلُ الْحَالِ وَصَاحِبُهَا مَحْذُوفَانِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ! وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ مَيْسَرَةَ الْفَخْرِ، وَابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْجَدْعَاءَ، وَالطَّبَرَانِيُّ الْكَبِيرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( «كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ فِي الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» ) كَذَا فِي الْجَامِعِ، وَقَالَ ابْنُ رَبِيعٍ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمٌ، وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ( «كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ» ) وَأَمَّا مَا يَدُورُ فِي الْأَلْسِنَةِ بِلَفْظِ: ( «كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ» ) فَقَالَ السَّخَاوِيُّ: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَضْلًا عَنْ زِيَادَةِ ” «وَكُنْتُ نَبِيًّا وَلَا مَاءَ وَلَا طِينَ»، وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ: إِنَّ الزِّيَادَةَ ضَعِيفَةٌ وَمَا قَبْلَهَا قَوِيٌّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا أَصْلَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ فِي التِّرْمِذِيِّ: «مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ: (وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ»).قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَزَادَ الْعَوَّامُّ وَلَا آدَمَ وَلَا مَاءَ وَلَا طِينَ، وَلَا أَصْلَ لَهُ أَيْضًا.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للقاري، أبو الحسن نور الدين الملا علي الهروي القاري، الطبعة الأولى 1422هــ دار الفكر، بيروت – لبنان، كتاب الفضائل- باب فضائل سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وآله ج 9 ص  3684.

وقريبٌ منه ما رواهُ الهيثمي في مجمع الزاوئد ومنبع الفوائد عن أبي هريرة في الحديث القدسي: «وجعلتك أول النبيين خلقًا وآخرهم بعثًا، وأعطيتك سبعًا من المثاني ولم أعطها نبيًّا قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبيًّا قبلك، وجعلتك فاتحًا وخاتمًا».

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي، أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، تحقيق حسام الدين القدسي، سنة الطبع 1414 هـ 1994م، مكتبة القدسي، القاهرة، كتاب الإيمان، باب منه في الإسراء، ج 1 ص 67 – 71

وجاء الحديثُ بلفظٍ آخر وهو (إنِّي لَعَبْدُ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ)

مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ) المحقق: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد، وآخرون إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى، 1421 هـ – 2001 م، ج 28 ص 379 وقال المحقق في الهامش: “صحيحٌ لغيره”.

قال ابن حجر ” قوله : ( باب خاتم النبيين ) أي أن المراد بالخاتم في أسمائه أنه خاتم النبيين ، ولمح بما وقع في القرآن ، وأشار إلى ما أخرجه في التاريخ من حديث العرباض بن سارية رفعه إ”ني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته” الحديث ، وأخرجه أيضا أحمد وصححه ابن حبان والحاكم فأورد فيه حديثي أبي هريرة وجابر ومعناهما واحد وسياق أبي هريرة أتم”  [فتح الباري،ابن حجر، ج 6 ص 407]، وجاء بلفظ آخر عند الفريقين وهو (ن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوة قال وآدم بين الروح والجسد) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي الباب عن ميسرة الفجر.”  [سنن الترمذي-  كتاب المناقب- باب في فضل النبي صلى الله عليه وآله وسلم] وقال المباركفوري في كتاب تحفة الاحوذي في تعليقته على الحديث: “ورواه ابن سعد وأبو نعيم في الحلية عن ميسرة الفخر وابن سعد عن ابن أبي الجدعاء والطبراني في الكبير عن ابن عباس بلفظ : كنت نبيا وآدم بين الروح ، والجسد . كذا في الجامع الصغير ،.

أقول: وفي ألفاظ الحديث ما يشير إلى تقدّم نبوته صلّى الله عليه وآله على هذه النشأة، ومن كان هذا حالُه أفيعقلُ أن يأتيهِ الوحي بالنبوّة فلا يعرفه ويذهب إلى رجل نصراني -ورقة بن نوفل- ليعلمهُ أنّه نبي؟! [ المقرّر]

[28] جاء في تفسير الطبري [تفسير سورة الضحى]: وقال السدي في ذلك ما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن السدي ﴿ووجدك ضالا قال : كان على أمر قومه أربعين عاما. وقيل : عني بذلك : ووجدك في قوم ضلال فهداك .

وجاء في الشريط السادس من شرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ [الدقيقة 55:11]:

“القسم الثاني، من جهة الذنوب: الذنوب أقسام: فمنها الكفر وجائزٌ في حق الأنبياء والرسل أنْ يكونوا على غير التوحيد قبل الرسالة والنبوة

وفي [1:05:50] أشكل عليَّ قولك: النبي قد يكون على غير التوحيد قبل الرسالة؟

ج/ نعم النبي قد يكون على غير ذلك، فيصطفيه الله – عز وجل – وينبهه؛ يعني ما فيه مشكل في ذلك، قد يكون غافلاً.”

[29] نهج البلاغة، الخطبة القاصعة.

[30] منها ما جاء في الصحيح عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال لي: “يا أبا محمد إن الله عزوجل لم يعط الانبياء شيئا إلا وقد أعطاه محمدا صلى الله عليه وآله، قال: وقد أعطى محمدا جميع ما أعطى الانبياء، وعندنا الصحف التي قال الله عزوجل: ” صحف إبراهيم وموسى” قلت: جعلت فداك هي الالواح؟ قال: نعم.
أصول الكافي، لأبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي رحمه الله ( ت328 / 329 ه)‍، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة (1388ه) دار الكتب الاسلامية، طهران  ج 1 ص 225 ح (5)، وفي نفس الباب عدة روايات بنفس المضمون.

 

[31] قال الشيخ المجلسي رحمه الله الجزء الثامن عشر من بحار الأنوار ص 279:

وقد ورد في أخبار كثيرة أن الله لم يعط نبيا فضيلة ولا كرامة ولا معجزة إلا وقد أعطاه نبينا صلى الله عليه وآله ، فكيف جاز أن يكون عيسى عليه السلام في المهد نبيا ، ولم يكن نبينا صلى الله عليه وآله إلى أربعين سنة نبيا ؟ ويؤيده ما مر في أخبار ولادته صلى الله عليه وآله وما ظهر منه في تلك الحال من إظهار النبوة ، وما مر وسيأتي من أحوالهم وكمالهم في عالم الاظلة وعند الميثاق، وأنهم كانوا يعبدون الله تعالى ويسبحونه في حجب النور قبل خلق آدم عليه السلام وأن الملائكة منهم تعلموا التسبيح والتهليل والتقديس إلى غير ذلك من الاخبار الواردة في بدء أنوارهم ، ويؤيده ما ورد في أخبار ولادة أمير المؤمنين عليه السلام أنه عليه السلام قرأ الكتب السماوية على النبي صلى الله عليه وآله بعد ولادته، وما سيأتي من أن القائم عليه السلام في حجر أبيه عليه السلام أجاب عن المسائل الغامضة ، وأخبر عن الامور الغائبة ، وكذا سائر الائمة عليهم السلام كما سيأتي في أخبار ولادتهم عليهم السلام ومعجزاتهم ، فكيف يجوز عاقل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله في ذلك أدون منهم جميعا ؟

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الشيخ محمد باقر المجلسي رحمه الله، الطبعة الثالثة المصححة 1403 ه‍ – 1983م، دار إحياء التراث العربي بيروت – لبنان ج 18 ص 279

[32]  بحث الشيخ علي الجزيري حفظه الله مراتب الروح وحدودها مرّة، وملخّص ما ذكره: أنّ ما تقتضيه الأخبار أن جميع البشر يشتركون في وجود روحٍ نباتيّة وروح حيوانيّة، وروح ناطقه، وتوجدُ روحٌ رابعةٌ في المؤمنين وهي روحُ الإيمان، وتوجدُ روحٌ خامسةٌ في الأنبياء والأوصياء وهي روح القدس، وتوجدُ روحٌ سادسة موجودةٌ في النبي صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، وهي الروح [المقرّر].

[33] منها ما جاء في الصحيح عن  زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل: “وكان رسولا نبيا ” ما الرسول وما النبي؟ قال: النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول الذى يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك، قلت: الامام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك، ثم تلا هذه الآية: وما أرسلنا من قبلك رسول ولا نبي ولا محدث”.

وما جاء في الصحيح عن عن الأحول قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرسول والنبي والمحدث قال: الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه ويكلمه فهذا الرسول وأما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل عليه‌السلام من عند الله بالرسالة وكان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل ويكلمه بها قبلا ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلمه ويحدثه من غير أن يكون يرى في اليقظة وأما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه”.

الكافي، مصدر سابق، ج 1  ص 176

[34] من ذلك ما جاء في زيارته صلى الله عليه وآله:  “السلام من الله على رسول الله محمد بن عبد الله خاتم النبيين وإمام المتقين ، السلام على أمين الله على رسالاته ، وعزائم رسله ومعدن الوحي والتنزيل ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ، والمهيمن على ذلك كله، والشاهد على الخلق ، والسراج المنير ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته”.

كامل الزيارات،  ابن قولويه القمي رحمه الله،  صححه وعلق عليه: بهراد الجعفري بإشراف الأستاذ علي أكبر غفاري،  طبعة مكتبة الصدوق، ص 221
تهذيب الأحكام ، شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله (المتوفى: 460 ه‍)، حققه وعلق عليه السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة: 1365 ش، دار الكتب الاسلامية، ج 6  ص 75، والمزار الكبير، الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي رحمه الله (المتوفى: 594 هـ)، تحقيق: جواد القيّومي الاصفهاني، الطبعة الأولى، مؤسسة النشر الإسلامي، ص228

وما اففتتحت به زيارة أمير المؤمنين عليه السلام من سلامٍ على رسول الله صلى الله عليه وآله كما في تهذيب الأحكام للطوسي رحمه الله:

“السلام من الله والتسليم على محمد امين الله على رسالته وعزائم امره ومعدن الوحي والتنزيل الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهيمن على ذلك كله والشاهد على الخلق السراج المنير والسلام عليه ورحمة الله وبركاته” تهذيب الأحكام ، مصدر سابق، ج 6  ص 25 ح ((53) 1)

[35] كامل الزيارات،  مصدر سابق، ص 221 وتهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج 6  ص 86  ح ((171) 1)

 


التالي السابق