بيع العبيد والإماء

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام
عنوان السؤال: بيع العبيد والإماء
ابو كرار 2016/09/02 698

لماذا أَمضى الإسلامُ بَيعَ العبيدِ والإِماءِ مع ما فيه من الذُلّ والاستعباد؟

تاريخ السؤال: 

16 /11/ 1437ه الموافق 20 / 8 / 2016م

هل يَحكمُ العقلُ بأَنّ ملكية البشرِ للبشرِ أمرٌ قبيح؟ وهل يحكم العقل بأنّها أمرٌ حسن؟

العقل لا يحكم لا بهذا ولا بذاك!

العقل عنده أُمُّ القضايا!

العقل يُقَسِّمه العلماء إلى عقلٍ نظري وعقلٍ عملي.

العقل النظري الذي من شأنه أن يُدرك ما ينبغي أن يُعلم، عنده؛ أُمُّ القضايا وهي استحالة إجتماعِ النقيضين واإستحالةِ إرتفاعِ النقيضين، هذا هو العقل النظري.

وأمّا العقلُ العَمليُّ فأَيضاً عنده أُمّ القضايا وهي حُسن العدل وقبح الظلم.

العقلُ لا يحكم على ضَرْبِ طِفلٍ بأنه حَسنٌ، ولا يحكم على ضربه بأَنّه قبيحٌ وإنمّا يقولُ (الحسن هو العدل ومتى ما كان ضرب الطفل عدلاً فهو حسنٌ، ومتى ما كان ضرب الطفل ظلماً فهو قبيحٌ).

بعد أن عرفنا ما يحكم به العقل نأتي لتطبيق ذلك على المثال في السؤال.

إذا كان هذا ما يحكم به العقل (حسن العدل وقبح الظلم)، فلنأتي إلى تملّك الإنسان لإنسانٍ: متى ما كان تملك إنسان لانسان عدلاً فهو حسنٌ وفق القانون الذي بيّناه، ومتى كان تملّك إنسانٍ لإنسانٍ ظلماً فهو قبيح.

إذا عرفنا هاتين المرحلتين نأتي إلى تشخيص أَن مِلْكيَّةِ الإنسانِ للإنسانِ متى تكون عدلاً ليحكمَ العقل بأنّها حسنة ومتى تكون ظُلما ليحكمَ العقلُ بأنّها قبيحةٌ؟!

يقولُ العلماء: الأفعال الاختيارية على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أفعالٌ هي عِلَّةٌ تامةٌ للحُسْن وأفعالٌ هي هي عِلَّةٌ تامةٌ للقُبْح، وهي العدل والظلم.

والقسم الثاني: أفعالٌ فيها إقتضاءٌ للحُسْن، يعني لو تركت وطَبعها الأَوّلي لكانت حَسنةً، وأفعالٌ فيها إقتضاءٌ للقُبْح، يعني لو تركت مع طبعها الأَوّلي تكون قبيحة.

والقسم الثالث من الأفعال: أَفعالٌ ليس فيها إقتضاءٌ للحُسْن ولا للقُبْح.

أمّا القسم الأول فهو العدل والظلم خاصةٌ، فإذن تملّك الإنسان للإنسان ليس من القسم الأول.

القسم الثاني ما فيه إقتضاءٌ للحُسْن ومثالهُ الصدق، فالصدق لو خُلّيَ وطبعهُ لكان حسناً ولكن لو أنّ جائراً ظالماً جاء ليبحث عن أبيك ليُؤذيهُ فسألك "أين أبوك؟" هل تُخبره صادقاً؟! إن أخبرته بذلك فتسببت في إيذاء أبيك، كان العقلاءُ جميعاً مطبقين على ذَمّك.  ولو أنّ الصدق تسبب في قتل مؤمنٍ هل يجوز؟! لا يجوز!

إذن الصدقُ فيه إقتضاءٌ للحسن ولكن بشرط أن لا يَنتج عنه مَفسدةٌ أعظم من مصلحة الصدق. ويُعرفُ المثالُ بقَلْبِه. الكذبُ فيه إقتضاءٌ للقُبْح ولكن بشرط أن لا تُوجد في الكذب مصلحةٌ تُزاحمُ مفسدة الكذب فتغلبها، فإنّ الكذب حينئذ يصير حسناً بل واجباً!

وأمّا الأفعالُ التي ليس فيها إقتضاء للحُسن ولا للقبح فمثل القيام والقعود وشرب الماء وأكل الطعام، إن ترتبت عليه مصلحة صارت حسنةً وإن ترتبت عليه مفسدة صار قبيحةً.

فإذن عرفنا بهذا أنّ تملّك الانسان للانسان ليس من القسم الأول لأن القسم الأول محصورٌ ومحكترٌ، والعِلّة التامّة للحُسْن هو العدل فقط والعِلّةُ التامة للقُبْح في الأفعال هو الظلم فقط، وتَملُّك الإنسان للإنسان ليس من العدل وليس من الظلم.

إذن تملُّك الإنسان للإنسان إمّا فيه:

إقتضاءٌ للحسن إذا نظر اليه من وجهٍ،

أو فيه إقتضاء للقبح إذا نظر اليه من وجه آخر،

أو ليس فيه إقتضاء للحُسْن ولا للقُبْح ، ولا يخلو عن أحد هذه الاحتمالات الثلاثة.

إذا عرفنا موقع تملّك الإنسان للإنسان تحليلياً، ينبغي أن ننظر لنعرف أنّ تملّك الإنسان للإنسان هل تترتب عليه مصلحةٌ أم تترتب عليه مفسدة أم لا تترتب عليه مصلحةٌ ولا مفسدة لكي نتمكن من الحكم عليه لأننا قُلنا أنَّ العقل بالنسبة له منطقة فراغ لا بُدَّ أن يُعَيّن ما هو حالُ تملِّك الإنسان للإنسان من حيث ترتّب المصالح والمفاسد ليحكم.

العقل يقول يجب أن أحيط بمصالح ومفاسد هذا الحكم في كُلِّ موردٍ، فلا يُمكن أَن أُعطي حُكماً عاماً في جميع الموارد بالقُبْح ولا  أن أعطي حكماً عاماً في جميع الموارد بالحُسْن، بل لا بُدّ أن أدرس جهات التحسين في كل موردٍ، وجهات التقبيح، ثم أوازن بين هذه الجهات في ذلك المورد وأقضي على وفق ما تقتضيه الموزانة بين المصالح والمفاسد في ذلك المورد!

هل العبد يُحيط بمصالح الأفعال ومفاسدها في كل موردٍ؟ لا يُمكنُ أن يُحيط بها! إذن على العقل أن يستسلم هنا.

العقل عنده حقُّ الحُكم إذا جَزم أنّ هذا المورد عدلٌ، فهنا له أن يحكم بأن هذا حسن، وكذلك إذا جزم بأن هذا الفعل ظلمٌ فله أن يحكم بأن هذا قبيح، وأمّا إذا لم يعلم الجهات الـمُـحسّنة والـمُقَبِّحة في فعلٍ ما في مورد ما، فإنّه إذا أنصف يقول ليس لي حكمٌ هنا إلا أن أطلّع على حقيقة الحال ولا يَعلمُ جهات التحسين والتقبيح إلا الله سبحانه لأنّ كثيراً من جهات التحسين والتقبيح تخفى على العباد كما مثّلنا لذلك في المورد الأول مثل الصلاة: بالنسبة لبعض العباد  ذات مصلحة مُلزمة ونفس الصلاة الى بعض آخر من العباد ذات مفسدة مُلزمة [المرأةُ في بعض حالاتها]!    


التالي