الشيخ علي الجزيري حفظه الله: الشعائر الحسينية بمنظورٍ فقهيّ
الشيخ علي الجزيري حفظه الله: الشعائر الحسينية بمنظورٍ فقهيّ
حسينية الهلال بالفيصلية - الجمعة 30 سبتمبر 2016م
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
نَحنُ مُقبلون على أَيام شهر مُحرّم الحرام، ولأهلِ البيتِ صلوات الله وسلامه عليهم مع هذا الشهر حالاتٌ خاصةٌ، تبدأ من حين دخول هذا الشهر([1]).
تكليف المؤمنين فيه:
في منهاج الصالحين، تجدُ في المسألة الأولى عبارة "يجب على كُلِّ مُكلّفٍ لم يَبْلُغ رُتبةَ الإجتهاد أن يكون في جميع أعماله وتروكه مقلِّداً أو محتاطاً".
وهذه مسألةٌ يَستَقِلُّ العقلُ بإِدراكها ، فإنه بعدما نعلمُ أنّ الله شرع لنا شَرعاً ، وأنّ حال البشر ليس كحالِ البهائمِ، بَل هُم موظَّفون بوظائف شرعيّة من واجباتٍ ومحرّماتٍ، وأنَّ الله سُبحانه سائِلُهم عن هذه الواجبات وهذه المحرّمات ، وما هم فاعلون وما هم تاركون، (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)([2]) فالعقلُ يستقلُّ بأَنّه يَجب تحصيلُ الـمُؤَمِّن من تَبِعَةِ هذهِ الشريعة.
وتَحصِيلُ الـمُؤَمِّن:
1 - : إما بتحصيلِ العلمِ ومعرفةِ الشريعة باليقين إِنْ تَيَسَّرَ.
2 - : أو تحصيل فَراغِ الذمّة باليقين أيضاً إِنْ تَيَسَّر.
وهذان الطريقان ضيّقان، حيثُ لا يُمكنُ تحصيل العلمِ بكثيرٍ من الأَحكام الشرعيّة بالنسبة لعامة النّاس، كما لا يُمكنُ تحصيل اليقين بفراغ ذمَّتهم عن تلك الأَحكامِ الشرعيَّة المجهولة بالنسبة لأكثر النّاس.
3 - : والطريق الثالث ، وهو السبيلُ الميسور لعامّةِ الناس ممن لم يبلغ رُتبةَ الإجتهاد هو التقليد، أي تقليدُ الفقيه الجامعِ للشرائط.
الشعائر الحسينية بمنظارٍ فقهي:
وما يفعلُهُ المؤمنونَ في شهر محرَّم الحرام إمّا عملٌ أو تركٌ، ويجبُ بحكم العقل وبفتوى الفقهاء على من لم يبلغ رُتبة الإِجتهاد أن يكونَ في كُلِّ أعمالهِ وتُــروكِه مقلداً، فيجب الرجوعُ للفقهاءِ لمعرفة حُكمِ كل أفعالهم ، وكل تروكهم فيه.
إقامة العزاء على الحسين عليه السلام:
أوَّلُ فِعْلٍ وأبرزُ فعلٍ يفعله الشيعة في أيّام عاشوراء هو إقامةُ العزاءِ على أبي عبدالله الحسين عليه السلام، وإقامةُ العزاءِ على الإمام الحسين عليه السلام عملٌ، فما هو حكمه؟
الجوابُ: يجب الرجوعُ إلى الفقيه إن لم يكن المكلَّفُ مُتيقِّناً مِن حُكمه.
ولكني أجزمُ أنّ كل فرد بالغٍ سن التكليف منكم يعرفُ حكم هذا الفعل باليقين ، ويعلم أن إقامة العزاء على الحسين عليه السلام عمل محبوبٌ شرعاً، فإن هذا من يقينيات مذهبنا ، وليس الشَكُّ في حكمه من هذه الناحية .
نعم يشك في حكمه من ناحيةٍ أخرى، وهي أنَّ هذا العمل المحبوب هل هو عملٌ مستحبٌ ، أم عملٌ واجبٌ؟!
لأَنَّ العملَ المحبوب على قسمين: واجبٌ كالفرائض اليومية، ومستحبٌ كنافلة الليل وغيرها من النوافل اليومية، فهل إقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام – هذا العمل المحبوب- واجبٌ أم مستحبٌ؟!
رأي الشيخ الوحيد الخراساني في إقامة العزاء على الحسين عليه السلام:
الفقيه الربّانيُّ الجليل الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله لهُ تسجيلٌ على اليوتيوب ، يقولُ فيه : إنّ هذا عملٌ واجب بالوجوب الشرعي ، ويجبُ إقامةُ العزاءِ على الإمام الحسين عليه السلام وجوباً شرعياً ([3]) .
بل يقولُ : إنَّ إقامة العزاء على الحسين عليه السلام يجبُ أن يُحفظ بكمال قوّته وتمام شدّته عاماً بعد عام .
و يجب أن يكون في كل عامٍ أشدّ منه في العام الذي سبقه!
هذا رأيُهُ ، وهذا وجوبٌ شرعيٌ ، وليس كلاماً خطابياً، فهو يتحدثُ بصفته فقيهاً وهو فقيهٌ حقَّ الفقيه حفظه الله.
ويريد بالوجوب الشرعي : إنَّ هذه فتوى يصدرها بعد التدبر والتأمل ، ويتحمل مسؤوليتها أمام الله ، وليست عبارة صدرت عن عفو الخاطر ، أو جرى بها اللسان في سياق الإنشاء .
ما وجه ذلك؟ لماذا يَجِبْ؟
قد بيّن حفظه الله وجه هذا الوجوب ، بالقول : إنه يجب ذلك لأنّ حفظ الدين بحفظ العزاءِ على الإمام الحسين عليه السلام.
أقول : وأظنُّ أن المسألة واضحة في هذا الزمان ، الذي أكثر الناس فيه يتمتعون بثقافة جيدة، فإنهم يدركون هذا الأمر بوضوحٍ.
أهمية إحياء العزاء الحسيني:
الشيعة قصَّروا في بعضِ ظلامات أهلِ البيتِ عليهم السلام – فلم يحيوها- صارت تُكتبُ مقالات من قبيل (خرافة مقتل هذا الشهيد أو هذه الشهيدة من أهل البيت عليهم السلام). لو أَنَّ الشيعةَ قصروا في إقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام لَنْ يَمضِ وقتٌ طويلٌ إلّا وترون وسائلَ الإعلامِ تقول (خرافة مقتل الحسين بن علي، الحسين بن علي خرج يُريد الذهابَ إلى كربلاء لزيارة بعضِ أرحامه، فإعترضه قطَّاعُ طُرق وقتلوه طمعاً في المال الذي كان في قافلته! ، بل سيقال : إِنَّ الحسين مات حتف أَنفه ، في المدينة ، وقبره ليس في كربلاء ، وإن حديثَ مقتلِه ، ودفنه في كربلاء من مفتريات الرافضة).
إقامةُ الشيعة للعزاءِ على الحسين عليه السلام هي التي مَنعت مِنْ هذه المقالة.
فإِذا كان تفريطُ الشيعة في إقامة العزاء على بعض ظلامات أهل البيت عليهم السلام قد رأوا عاقبتها، فلا ينبغي لهم أن يقصِّروا في إقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام لكيلا تكون عاقبتها مثل عاقبة تلك الظلامات.
حفظُ الدين بحفظِ العزاء على الحسين عليه السلام، وهذا وجهٌ ودليلٌ واضحٌ لحكمٍ بَيّنٍ.
كيفية إقامة العزاء على الحسين عليه السلام:
ما الذي يَجبُ في إقامة العزاء ؟
وبأي نحوٍ نُقيم العزاء على الحسين عليه السلام؟!
تُوجد أمورٌ تعرفونها باليقين، ولا يلزمكم أن ترجعوا إلى فقيهٍ لمعرفة حكمها.
فالإجتماعُ من أجل ذكر مصابه عليه السلام ، والتحديث بفضائلهِ ، ومنزلتهِ من رسول الله صلى الله عليه وآله أمرٌ يعرفه الجميع باليقين ، وهذا لا تقليد فيه!
ذِكرُ الحسين عليه السلام أَمرٌ يُحبُّه الله ورسوله، فهل يحتاجُ هذا إلى أَنْ تقلد فقيهاً لتعرفه؟!
لو حكم فقيهٌ في شرق الأرضِ أو غَربها بأنَّ اللهَ لا يُحب هذا، لعلمنا بأنه ليس بفقيه!!
فإذن هذا ليس مما يرجع فيه إلى الفقيه!
الإجتماعُ والتحديثُ بفضائله ، وبما جرى عليه من المصائب مما يُعلمُ باليقين.
نعم توجد بعض الأعمال قد يلتبسُ الأمور فيها على مكلف فلا يعرف حكمها، هل هذا العمل جائزٌ أم لا؟!
ما هي القاعدة هنا ؟
القاعدةُ أن يرجع إلى الفقيه (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)([4]).
إختلاف الفقهاء في الأحكام الشرعيّة لا ينبغي أن يُوجب تنازعاً:
على المكلّف أن يرجع إلى الفقيه في معرفة حُكم هذه المسألة.
فإذا إختلفَ الفُقهاءُ وَجب الرجوعُ بحكم العقل إلى الأعلم.
وقد يختلف المؤمنون في تشخيص الأَعلم، فتشخيصُ الأعلمِ له ضوابطٌ شرعيةٌ ولكن قد تسلك أنت هذهِ الضوابط وتنتهي إلى أنّ زيداً هو الأعلم، ويسلكُ أخوك نفس هذه الضوابط الشرعيّة، وينتهي إلى أن عمرواً هو الأعلم، فهل توجد مشكلة؟
لا توجد مشكلة !
كُلٌّ يعمل بوظيفته!
أنت اتبعت الفقيه الذي أوصلتك إلى إتباعِه الضوابطُ الشرعيّة، وأنا إتبعتُ فقيهاً آخر إعتماداً على الضوابط الشرعية، والفقيهان يختلفان في حُكم مسألةٍ من المسائل المرتبطة بإقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام، فهذا لا يُوجب إختلافاً بيننا .
لأن كل واحد منكما يريد طاعة الله ، وامتثال أوامره ونواهيه ، وقد رجع الى الفقيه الأعلم عنده ، ليس عملا بالهوى ، بل اتباعا للضوابط الشرعية.
فكلاكما معذور ، مشكور.
كما هو الحالُ في كثيرٍ من المسائل الشرعيّة.
إفرضوا مثلاً – حكم التسبيحات الأربع في الركعة الثالثة في الصلاة الثلاثية والرباعية، وفي الركعة الرابعة من الصلاة الرباعية، هل تُقالُ مرةً واحدة ، أم تقال ثلاث مرات؟!
بعض الفقهاء يقول تجزي المرّةُ الواحدة، وبعض الفقهاء يقول لا تُجزي المرة، بل يَلزمُ أن تُكررّها ثلاث مرّات.
إذا كُنتُ أنا وأخي نعيش في بيتٍ واحد، وأحدنا يُقَلّد الفقيه الذي يقولُ بكفاية المرّة، والآخر يقلّد الفقيه الذي يشترط الثلاث مرات، فهل وقعت مشكلة في أسرة من الأسر بسبب الاختتلاف في هذا؟! أنت إن أردت أن تحتاط كرّرها ثلاث مرات، لا تريد أن تحتاط، فالفقيه الذي تقلده يقول إنه يجزيك أن تقول (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) مرّة واحدةً، اكتف بالمرة، ولكني أقلّد من يشترط الثلاث، فأنا أكررها ثلاث مرات، فكل يعمل على شاكلته.
فنحن نجد الإختلاف في التقليد في سائر المسائل لا يُوجب تنازعاً ولا مُصادمةً بين الإخوة، فلماذا يكون الاختلاف في مسائل إقامة العزاء مُوجباً للنزاع والنقاش؟!
هل رأيت أخوين -أعني من غير المجتهدين- يختلفان في التقليد في مثل مسألة التسبيحات الأربع، ويتناقشان في حكمها؟ فهذا يقول لأخيهِ سبّح ثلاث مرات، ولا تكتف بالمرّة الواحدة لأنَّ الفقيه الذي أقلِّده لهُ حجةٌ قوية على أنه يجب التسبيح ثلاث مرات ، وذاك يدعوه إلى أن يكتفي بالمرة؟ّ
هل تقع مثل هذه المشادات والمنازعات في الأسر؟!!
لا تقع مثل هذه المنازعات، فلماذا تقع المنازعات في المسائل المرتبطة بإقامة العزاء على الحسين عليه السلام؟!
لا ينبغي أن يكون الاختلاف في التقليد محلاً للنزاع ، ولا سببا للخصومات ، بل ولا موضوعا للجدالات!
حُكم الجزع على الحسين عليه السلام ومراتبه:
المقدار الوارد في الروايات الصحيحة «كل الجزع و البكاء مكروه، ما خلا الجزع و البكاء لقتل الحسين عليه السلام» ([5]).
وفي رواية معتمدةٍ أُخرى رواها ثقة الإسلام الكليني رحمه الله يُسأَلُ الإمامُ الباقر عليه السلام ما هو الجزع؟ فيجيب ببيان أَشدِّ مَراتبِ الجزع، فيقول عليه السلام: "أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل"([6])، والصراخ هو الصياح المرتفع، لا الصياحُ العادي، يعني رفع الصوت بالصياح، هذا شيءٌ من أشدّ الجزع، "ولطم الوجه والصدر"، هذا أشدُّ الجزع.
هاتان روايتان معتبرتان، الرواية الأولى حَضَّتْ على مُطلَقِ الجزعِ على أبي عبدالله الحسين عليه السلام، والحضُّ على مُطلقِ الجزعِ حَضٌ على خفيفه وشديده، وترغيب في أخفِّ درجاته وأشدَّ درجاته ، وما بينهما.
نعم يجب إستثناء ما قام الدليل على إخراجه، فإن قام دليلٌ شرعيُّ يُوجب الإستثناء فينبغي الاستثناء، وما سوى ذلك فهو باق تحت هذا الاطلاق.
فهذا دليلٌ شرعيٌّ عامٌ يدلُّ على استحباب كُلِّ ما صدق عليه جرعا، وجميع ما سمِّيَ بالجزع، وهاتان الروايتان الصحيحتان ينبغي للمؤمنِ أن يستحضرهما، فهذا كلام واردٌ بسندٍ مُعتمدٍ عن المعصومين عليهم السلام ويُفتي الفقهاءُ استناداً إليه، فالروايةُ الأولى تحضُّ على الجزع على الحسين عليه السلام مطلقاً، والرواية الثانية تُبيّنُ بعض مَصاديق الجزع الشديد.
وبهذا نَعرفُ بعض ما ينبغي أن يُفعل في أيام العزاء على الحسين عليه السلام.
ثمرة حضور المجالس الحسينية:
الحضورُ إلى مجالس العزاء في هذه الأيام عادةً يكون باباً لإستماع الأحاديث في بيان العقيدة، وفي بيان الأخلاق، وفي بيان السيرةِ والتاريخِ، وفي بيان الأحكام الفقهية من خطباء المنبر.
وكُلُّ هذا خيرٌ عظيمٌ.
وينبغي أن يكون المتحدث في أي فنٍ من هذه الفنون خبيرا بها ، فإنها علوم متعددة، وينبغي أن يكون المتحدث مُتَضَلِّعاً فيما يتحدث فيه، وأن يكون عارفاً مُلماً بما يتحدث فيه.
فَمَنْ يتحدَّثُ عن العقيدة ينبغي أن يكون مُلماً بالعقيدة، وأدلّتها، وبالشبهات، وما يدفَعُها دَفعاً صحيحاً.
ومن يتحدث عن السيرة أيضاً ينبغي أن يكون مُلمّاً بالتاريخ.
ومن يتحدث عن الأحكام الفقهية ينبغي أن يكون مُلِمَّاً بالأحكامِ الفقهيّة على الوجه الصحيح، وأن يُبَيِّنَها على الوجه الصحيح.
وإذا بُيَّنت العقيدة والأحكام الفقهية والسيرة -بشرطها وشروطها- فنعمَّا هو، وفيها خيرٌ عظيم.
ويجمعُ من يحضر في مجالس العزاء على الحسيين عليه السلام :
بين خير مواساة رسول الله صلى الله عليه وآله بإقامة العزاء على الحسين عليه السلام.
وبين خير حفظ الدين -كما يقول الفقيه الوحيد الخراساني حفظه الله- يعني أن يأتي يوم القيامة لرسول الله صلى الله عليه وآله يقولُ: "يا رسول الله .. أنا سعيتُ لإحياء الدين الذي جئت به، ليس فقط أنا إتبعت"، دقِّقوا في الكلمة، فإنه يُوجد فرقٌ كبير بين اتباع الدين وبين حفظه، فالحمزةُ صلوات الله عليه يأتي لرسول الله صلى الله عليه وآله -لأنّ الجميع تحت لواء الحمد .. والمتقدمون والمتأخرون، من يحظى بذلك الشرف فهنيئاً له- فمثلُ الحمزة يقول لرسول الله صلى الله عليه وآله "أنا اتبعتك، وأحييت الدين الذي جئت به"، فيقول له كلمتين، فاحرص أنت أيضا أن تقول هاتين الكلمتين ؛ لأنّكَ تُريد منه الشفاعة!
فإذن لا بُدَّ أن تأتي له بشيء يُسَوِّغ لك الشفاعة ، وأن تعمل عملا يكون لك مع هذا العمل ماء وجه لتطلب من رسول الله صلى الله عليه وآله أن يشفع لك، فتقول له: يا رسول الله أنا اتبعتك، وأنا أحييت الدين الذي جئت به!
بماذا أحييت هذا الدين؟
بإقامة العزاء على ولدك الحسين عليه السلام.
أنا ذهبت في المجلس الفلاني الذي أقيم للعزاء على الحسين، وذهبت في المجلس الفلاني، وتُعَدِّد.
ذلك اليوم أنت محتاجٌ إلى مثل هذه الأوراق البيضاء في مَلفِكَ لأنَّ هذه الأوراق هي أوراق نجاتك، خصوصاً مجالسُ الحسين عليه السلام!
إخلاص النيّة في الشعائر الحسينية:
الأعمال بالنيّات، هذه رواية عند غيرنا ([7]) وهي رواية عندنا أيضاً ([8])، والنيّةُ كُلّما خَلُصَت زكَى العملُ، ومِن الأَمر المحسوس الذي لا يحتاج إلى بيانٍ أَنَّ قلب المؤمن في مَجالس الحسين عليه السلام تَعرُضه من حالات الإخلاص والصفاء ما لا تعرضه في أكثر حالاته!
فهذه الأوراق هي أوراقك اعتمادك، وهي أَمَلُكَ، وبها رجاؤك، فإحرص عليها حِرصاً شَديداً! إقامة العزاء على الحسين عليه السلام إحياءٌ للدين!
وجاء في الروايات أنه إحياءٌ لأمرهم، (أحيوا أمرنا)، وأمرهم هو الدين، هذا بمقتضى الرواية وهذا بمقتضى فتوى الفقيه الجليل.
إحياء أمر الدين بحضور هذه المآتم.
فضل البكاء والتباكي على الحسين عليه السلام:
وأما البكاء على الحسين عليه السلام فالثواب فيه –نفس البكاء-، وفي التباكي، وفي الإبكاء فالثواب فيها يحيّر الناظر في الروايات التي وردت في ثواب البكاء عليه عليه السلام.
ومن أعظم أبواب الأمل للمؤمن أنّ البكاء على الحسين عليه السلام فيه تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وآله، فإحرص على أن تُعَدَّ يوم القيامة فيمن أدخل السرور على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّاهُ في أعظم مصائبه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
-----------------
الهوامش:
[1] روى الصدوق باسناده عن إبراهيم بن أبي محمود قال: «قال الرضا عليه السّلام: ان المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال فاستحلت فيه دماؤنا وهتك فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا واذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء وأورثنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام، ثم قال: كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يُرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبة وحزنه وبكائه ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين» أمالي الصدوق المجلس السابع والعشرون ص128 الحديث 2.
وروى بإسناده عن الريان بن شبيب، قال: «دخلت على الرضا عليه السّلام في أول يوم من المحرم، فقال لي: يا ابن شبيب أصائم أنت؟ فقلت: لا، فقال ان هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا ربه عزّوجل فقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء) فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب (أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى) فمن صام هذا اليوم، ثم دعا الله عزّوجل استجاب الله له كما استجاب لزكريا ثم قال: يا ابن شبيب إنّ المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها صلّى الله عليه وآله وسلّم، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله فلا غفر الله لهم ذلك أبداً، يا ابن شبيب ان كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام فانه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل الى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر الى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم: يا لثارات الحسين. يا ابن شبيب لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده عليه السّلام انه لما قتل الحسين جدي صلوات الله عليه مطرت السماء دماً وتراباً أحمر. يا ابن شبيب إن بكيت على الحسين عليه السّلام حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً، قليلا كان أو كثيراً. يا ابن شبيب ان سرك أن تلقى الله عزّوجل ولا ذنب عليك فزر الحسين عليه السّلام. يا ابن شبيب ان سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي وآله صلوات الله عليه فالعن قتلة الحسين. يا ابن شبيب ان سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السّلام فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً. يا ابن شبيب ان سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا فلو أن رجلا تولى حجراً لحشره الله معه يوم القيامة» الأمالي للصدوق ص129 الحديث 5.
[2] سورة الصافات: الآية 24
[3] يقول المرجعُ الشيخ الوحيد الخراساني دام ظله الوارف في المقطع الذي أشار له سماحة الشيخ الجزيري حفظه الله:
"والآن لا بُدَّ لي أن أقول هذا الكلام، لكي تسعوا أن تعظّموا كلَّ شيء يرتبطُ ببعزاء الإمام الحسين عليه السلام .. الشعائر الحسينية بكامل قوّتها وتمام شدّتها يجبُ أن تكونَ كلَّ سنةٍ أشدَّ من السنة الماضية ويجبُ حفظها وجوباً شرعياً. المسألة إلى هذه الدرجة من العظمة، لماذا؟ لأنّه إذا إرتخت قاعدة عاشوراء فسوف تنهدم قاعدةُ الدين كلّياً .. البقاء مرتبطٌ بعاشوراء، وتوحيدُ الله مرتبطٌ بيوم عاشوراء".
رابط المقطع: https://youtu.be/UVb6bc5qLnM
[4] سورة النحل: الآية 43
[5] وسائل الشيعة: 14ج ص 505: باب استحباب البكاء لقتل الحسين عليه السلام ؛ ( 3655 ) 9 - وعنه ((الحسن بن محمد الطوسي في ( أماليه ))) ، عن أبيه ، عن المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن أحمد ابن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي محمد الأنصاري ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه السلام ( في حديث ) قال : كل الجزع والبكاء مكروه ما سوى الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام .
بحار الأنوار ج 44ص 280/ ح 9 عن الصادق عليه السلام: «كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام».
[6] عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما الجزع؟ قال: أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر" الكافي الشريف ج 3 ص 222 (باب الصبر والجزع والاسترجاع).
[7] صحيح البخاري-كتاب بدء الوحي- باب بدء الوحي ح 1، وورد في صحيح مسلم- كتاب الإمارة- باب قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال ح 1907.
[8] عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أغزى عليا عليه السلام في سرية وأمر المسلمين أن ينتدبوا معه في سريته فقال رجل من الأنصار لأخ له: اغز بنا في سرية علي لعلنا نصيب خادما أو دابة أو شيئا نتبلغ به، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله قوله: فقال: إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله عز وجل فقد وقع أجره على الله عز وجل، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى" بحار الأنوار للعلامة المجلسي ط دارالاحیاء التراث ج 67 ص 212 نقلاً عن آمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٣١.