تفسير سورة الفاتحة

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام

تفسير سورة الفاتحة

2020/02/02 797


تحميل

دروس في تفسير القرآن الكريم على ضوء تفسير السيد عبدالله شبّر رحمه الله  1434هـ

التفريغ بصيغة PDF بقلم السيد أحمد الموسوي حفظه الله

التفريغ في ملف PDF مع الهوامش

بسم الله الرحمن الرحيم 
والحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على أشرف الخلق أجمعين، محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم الى قيام يوم الدين.

تَكَلَّمنا في مناسبةٍ سابقة عن لزوم مراعاة فهم القران الكريم عند قراءته وأنه ينبغي للمؤمن أن يعرف معنى الآية التي يقرأها، وقلنا أنّ من أيسر التفاسير التي كُتبت في بيان معنى الآيات القرآنية وأنفسها: تفسير السيّد عبدالله شبّر رحمه الله، فهو تفسيرٌ -على إيجازه- مشتملٌ على فوائد كثيرة، ونحنُ نقرأُ ماجاء في تفسير السيّد شبّر في تفسير فاتحة الكتاب، وإن كان رحمه الله في تفسير فاتحة الكتاب أطال وتوسّع في البحث أكثر مما توسّع في تفسير غير تلك السورة.

البسملة:

أما البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال: "آية  من الفاتحة، ومن كل سورة بإجماعنا ونصوصنا"، وقد وقع الخلاف في أنّ البسملةَ هل أنّها آيةٌ من الفاتحة أم لا. المعروف عندنا وعند غيرنا أنها آيةٌ من الفاتحة، وقيل إنّها ليست آية من الفاتحة، وإنمّا يَجب على من يقرأ أن يبدأ بها. وهل هي آيةٌ من كل سورة سوى سورة التوبة؟ أيضاً فيه خلافٌ، والمعروفُ والمشهورُ أنَّها آيةٌ من كل سورةٍ أيضاً سوى التوبة، والسيّدُ رحمه الله لم يَقُل المشهور أنّها آيةٌ من الفاتحة ومن كل سورة، بل قال الإجماع عندنا على ذلك، وأضاف أن الروايات أيضاً تدلُّ عليه.

وقد استخدم كلمة "نصوصنا"، والنصوصُ قد يُراد به الآيات، وقد يُراد بها الآيات والروايات، ولعلّه رحمهُ الله يقصد الآيات والروايات. أما الروايات فكثيرةٌ وأمّا الآيات فلعلّه يقصد قولهُ الله: (سبعاً من المثاني)([1]) في وصف الفاتحة، فإنَّ الفاتحة إنما تصيرُ سبعاً بالبسملة. قال (آيةٌ من الفاتحة ومن كل سورةٍ باجماعنا) – اشارة الى أن المسألة عند غيرنا مختلفٌ فيها([2]) (ونصوصنا)، ثم تكلم في معنى الباء في (بسم الله الرحمن الرحيم) فالباءُ حرفٌ، والحرفُ لا يُبدأُ به، فكيف بُدِءَ بالحرف في البسملة؟ إذن لا بُدّ أن يكونَ في البسملة فِعلٌ مُقَدرٌ ليصحَّ الإبتداءُ به! فهل الفعل المقدّر هو أستعين باسم الله الرحمن الرحيم؟ أو الفعل المقدر أبتدأ باسم الله الرحمن الرحيم؟ أو أصطحب باسم الله الرحمن الرحيم؟ السيّد عبدالله شبر  رحمهُ الله جوَّز الجميع، فقال هذا جائزٌ وهذا جائزٌ وليس عندنا دليلٌ على الترجيح فالجميعُ محتمل.

وأمّا السيّد الخوئيُ رحمهُ الله فقد قال إنّ الظاهر أن الفعل المقدر هو "أبتدأ"؛ لأنّ الإستعانة إنّما تكونُ بالله لا باسم الله([3])، وهذا منه غريبٌ؛ لأنّ الله  سبحانه أمر بالاستعانة بغيره، فقال: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) ([4]) فما العجيب في أن يأمُرَنا الله سبحانه أن نستعين باسمه؟!

ما معنى الاسم في (بسم الله) ؟

عرفنا أنّ الباء يجوزُ أن تكونَ للابتداءِ، وأن تكون للإستعانة، فما معنى الاسم؟ قال: الاسم ذكر في أصلهِ أمران: الأول: أن يكون أصله من (السمو) أي الرفعة، المقام السامي يعني المقام الرفيع، وذكر أيضاً أنه من (السمة)  أي العلامة.

وأمّا الأصل اللغوي للفظ الجلالة فقال: " واللهُ أصله إله، حُذفت الهمزةُ وعوضت عنها أداة التعريف"، بمعنى أنّ أصله اللغوي الإله، ثم حُذفت الهمزةُ فصارت لاه، ثم أضيف لها ألف ولام التعريف فصارت الله.

وكيف كان فسواءٌ عرفنا أصله اللغوي أم لم نعرف، فما هو المعنى لهذه اللفظة؟ قال معنى هذه اللفظة أنها علمٌ شخصيٌ لله سبحانهُ وتعالى ([5]) كما تُسمّي ولدك مثلاً محمد وأحمد، فإنّ الله سبحانه سمَّى نفسهُ الله، وكما سمّى اللهُ بعض الملائكة جبريل وميكال، فإنّه سبحانهُ سَمَّى نفسه الله، والعلم الشخصي في جميع اللغات لا يُبحث عن معناه، بل تبقى الأعلام الشخصية على حالها ولو نظرتم في كتب الترجمة  لوجدتم أنّ العلم الشخصي يبقى كما هو لا يُترجم.

(الرحمن الرحيم):

في (الرحمن) قولان، والسيد رحمهُ الله ذكر قولاً واحداً.

هل الرحمن بمعنى الرحيم أو بمعنى آخر؟ قيل هما بمعنى واحد -لم يتعرض له السيد رحمهُ الله، وقيل لهما معنيان، وهذا هو الأرجح، فأَن يكونا بمعنى واحد بعيدٌ، بل يوجدُ بحثٌ لغوي أنَّهُ هل يوجد ترادف أساساً في اللغة؟ وهل توجدُ كلمتان في اللغة أو أكثر لهما معنى واحد أو لا يوجد ترادف؟ هذا بحثٌ لغوي تكلم فيه علماءُ اللغة([6]).

على أي حال (الرحمن والرحيم) قيل هما بمعنى واحد وقيل بمعنيين، ومَنْ قال إن الرحمن والرحيم لهما معنيان قال أن الرحمن أبلغ من الرحيم، هكذا يظهرُ من كلام السيّد رحمه الله، وعندي تأملٌ في هذا النقل. على أيّ حال السيّد رحمه الله قال من جعلهما بمعنيين قال الرحمن أبلغ لأنَّ (زيادة المباني) تدلُّ على (زيادة المعاني)، وهذا الدليل منقوضٌ ([7])؛ لأنّ الرحيم أيضا أيضاً فيه زيادة مباني، والأصلُ في (فاعل) في كلمة رحم مثلاً أن يكون راحم، فإذا بدّلت راحم برحيم، فيوجد زيادة في المباني، إذن يوجد زيادةٌ في المعاني، وكما أن رحمن بها زيادةٌ في المباني، ففيها زيادةٌ في المعاني، فإنّ (رحيم) أيضاً لها زيادةٌ في المباني؛ ففيها زيادةٌ في المعاني، لكنّ هذه الزيادةٌ في المعاني هنا وهناك هل هي بمعنى واحد أو بمعنيين؟! وإذا كانت بمعنيين، فأيهما أبلغ؟

السيّد رحمه الله عدَّ الرحمن أبلغ، وحيث جعل كلمة الرحمن أبلغ في الوصف، فيأتي هنا سؤالٌ وهو: أنّك إذا أردتَ أن تصف أحداً أو تمدحهُ، فلا بُدَّ أن تبدأ بالوصف الأدني ثم تذكر الوصف الأعلى، أمّا اذا ذكرت الوصف الأعلى، فلا يببقى موضعٌ للوصف الأدنى. هَب مثلاً أنك تصفُ أحداً ما بأن يملكُ مالاً كثيراً فتقول هذا رجلٌ يملك سيارةً بعشرة الآف درهم ويَملكُ أرضاً بمئةِ ألف درهم، فتنتقل من الأدنى إلى الأعلى، وأما إذا عكست الأمر فقلت: هذا رجلٌ يملكُ أرضاً بمئة ألف درهم، فلا معنى لأن تقول ويَملكُ سيارةً بعشرة الاف درهم؛ لأنّك ذكرت الأعلى!

كيفَ بَدأَ بالرحمن والرحيمُ أَبلغ؟

السيّد رحمهُ الله ذكر جواباً حاصلهُ أنَّ الرحمن لا يُوصفُ به إلا الله، فلا يصحُّ أن تصف أحداً من العباد بأنه رحمن، وأما الرحيم فيجوز أن يُوصف به غيرُ الله، قال اللهُ سبحانهُ وتعالى في وصف رسول الله صلى الله عليه وآله (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) ([8]) فالرحيم يُوصفُ به غير الله، وعلى هذا إذا كان الرحمن لا يُوصف به إلا الله، والرحيمُ يوصف به غير الله، فصار وصف الرحمن كالعلم الشخصي، وإذا صار كالعلم الشخصي، فيُقدَّم على الصفة الخالصة التي ليس فيها شائبة على الشخص، فأنت إذا أردت أن تصف رجلاً تذكرُ اسمهُ أولاً فتقول: "زيدٌ عالم"، حيثُ تبدأُ بعلمه الشخصي ثم تذكرُ صفته، واسم الرحمن لـمّا كان في حكم العَلَمِ الشخصي فتوسّط بين العلم (بسم الله الرحمن الرحيم)؛ حيث ذَكرتَ العلم الشخصي الخالص، ثم ما في حكم العلم وهو (الرحمن) ثم ما هو صفةٌ خالصةٌ وهو (الرحيم).

ما معنى الرحمن وما معنى الرحيم؟

ذَكر السيّد رحمهُ الله مَعنيين أو فارقين بين الرحمن والرحيم، فبعد أن ذكر أنّ الرحمن أبلغُ من الرحيم –بحكم أنّ (الرحمن) هو الذي تصدر عنه الرحمة بدرجةٍ هي الأعلى و(الرحيم) هو الذي تصدرُ عنه الرحمة بدرجةٍ عليا دون تلك الدرجة الأعلى- فما هو التفاوت في الرحمة حيث صارت هذه عليا التي يوصف به الرحيم وتلك التي يوصف بها الرحمن هي الأعلى؟

قال يُحتمل فيها معنيان:

المعنى الاول من حيث الكم: حيثُ قال السيِّدُ رحمه الله: "..والرحمن أبلغ لاقتضاء زيادة المباني زيادة المعاني إما باعتبار الكم لكثرة أفراد المرحومين وقلتها وعليه حمل يا رحمن الدنيا لشمول المؤمن والكافر، ورحيم الآخرة للاختصاص بالمؤمن".([9]).

فإنّ (الرحمن) يَرحمُ في الدنيا فرحمتهُ تشملُ المؤمنَ والكافر؛ لأنّ الله سبحانه في الدنيا يُعطي من سأله ويعطي مَنْ لم يسأله، ويعطي مَنْ يستحق ومَنْ لا يستحق، ويعطي مَنْ يُؤمنُ به ويعطي مَنْ هو كافرٌ به، فالرحمةُ في الدنيا أكثر، فرحمة الله في الدنيا هي رحمةٌ رحمانية تشمل المؤمن والكافر، ومن حيث أن عدد المشمولين بالرحمة الرحمانية أكثر صارت صفة (الرحمن) أبلغ من صفة (الرحيم)، أمّا (الرحيم) فهي خاصّة بالمؤمنين، وهذا هو المعنى الاول.

المعنى الثاني أن الزيادة في الرحمة الرحمانية باعتبار الكيف: لكنّ ما ذكره لا يُبيِّن هذا ونحنُ نذكرُ ما ذكرهُ ثم نبيّن الملاحظة عليه.  

زيادة الرحمة الرحمانية في الكيف باعتبار أن الرحمة الرحمانية في الدنيا والاخرة، والرحمة الرحيمية أيضاً في الدنيا والاخرة، ولكنّ الرحمة الرحمانية أعلى من الرحمة الرحيمية، فكيف تكون الرحمة الرحمانية أَعلى من الرحمةِ الرحيمية مع أنهما للدنيا والآخرة؟

قال السيَّد رحمهُ الله: ".. أو باعتبار الكيف وعليه حمل يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما؛ لجسامة نعم الآخرة كلها، بخلاف نعم الدنيا"([10])

ولم يُبيّن رحمهُ الله وجه كونها أعلى، ولم يظهر لي وجهٌ لزيادة الكيف إلا أن يكون في الطبعة –الموجودة في نسخة مكتبة أهل البيت عليهم السلام- خطأ. ولعلّ النسخة الصحيحة يُحتمل أن تكون هكذا (يا رحيم الدنيا ورحمن الآخرة)، فإن قلت إنّ الرحمة في الآخرة أقل؛ لأنّها خاصة بالمؤمن فكيف تكون الرحمة الرحمانية أبلغُ من الرحمة الرحيمية مع أنّ الرحمةَ الرحيمية في الدنيا وهي تشمل المؤمنُ والكافر والرحمة الرحمانية في الآخرة وهي خاصة بالمؤمن فكيف صارت الرحمة الرحمانية أبلغ؟!

يُقال أنّها صارت أبلغ من حيث أن النعم في الدنيا مهما كثرت فإنها كما وصفها القرآن الكريم قليلٌ؛ متاع الدنيا قليل في جنب متاع الآخرة([11])، ومن هنا صارت الرحمة الرحمانية أبلغ باعتبار الكيف أي باعتبار نوعية الرحمة الرحمانية. فلعلّ الاصل إذن والصحيح -ولعل الطبعة فيها خطأ- (أو باعتبار الكيف وعليه حمل يا رحيم الدنيا ورحمن الآخرة) هكذا، أو يؤول هذا بنحو تُصحح هذه النسخة، فيقال: إنّ الله وإن كان رحمنً ورحيماً في الدنيا ورحمنً و رحيماً في الآخرة، وعدد المرحومين في الآخرة أقلُّ من عدد المرحومين في الدنيا؛ لأنّ المرحومين في الدنيا هم الكفار والمؤمنون والمرحومون في الآخرة هم المؤمنون خاصّة، مع ذلك فإنّ الرحمة الرحمانية في الآخرة أبلغ باعتبار أن نوع الرحمة الرحمانية التي في الدنيا أقل من نوع الرحمة الرحمانية التي تكونُ في الآخرة.

هذا توجيهٌ ولا نراهُ صحيحاً والصحيح أن العبارة فيها خطأٌ وأن الأصل "عليه حمل يا رحمن الآخرة ورحيم الدنيا".

(الحمدُ لله رب العالمين):

لم يتكلّم السيّد رحمهُ الله عن معنى الحمد، والحمدُ فيه معنىً طويل.

ما هو الفرق بين الحمدُ والشكر؟  وما هو الفرق بين الحمد والثناء؟ والمدح؟

لم يُبيِّن السيّد رحمهُ الله شيئاً من ذلك، وكان ينبغي أن يُشير إليه.

على كلِّ حال، وَرد في الرواية الصحيحة أَنّ من تذكَّر نعمةً أنعهما الله عليه فقال الحمدُ لله رب العالمين فَقَد أدّى حقها، وقال تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7]، وقد سُئل عليه السلام هل من قال الحمد لله رب العالمين شَكَر؟ فقال نعم([12]).

وأمّا معنى (ربّ العالمين)، فقد قال رحمهُ الله: "مالك الجماعات من كل مخلوق، وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم ومدبر أمورهم وحافظهم والعالم بالطبائع ما يعلم به الصانع من الجواهر والأعراض" ([13]).  ثم سأل لماذا قال "الحمد لله رب العالمين" ولم يقل "الحمد لله رب العالم"؟ قال: وإنّما جمع لإفادة "الشمول" ([14]) قال: "وإنما جمع والتعريف الاستغراقي يُفيدُ الشمول للدلالة على أن العالم أجناسٌ مختلفة الحقائق، كعالم الأرواح وعالم الأفلاك وعالم العناصر ونحوها وربوبيتهُ تعالى شاملةٌ لها" ([15]).

(إيّاك نعبدُ وإيّاك نستعين):

أصل الجملة بحسب البناء العربي للجملة أن يقول: "نعبدك إياك" أو "نعبدك" من غير إياك، "نعبدك ونستعينك!" فلماذا قدَّم المعمول فصارت: "إياك نعبد" وقلبت الجملة؟ قال رحمهُ الله: "قدم المعمول للحصر"؛ أي أننا لا نعبد إلا إياك.

هذا وجهٌ ويوجدُ وجهٌ آخر، قال رحمهُ الله: "ولتقدمهِ سبحانهُ في الوجود"؛ أي أنّهُ أسبق منّا، وهنالك وجهٌ ثالث، قال رحمهُ الله "وللإشعار بأنّ العابد والمستعين ينبغي أن نظرهما بالذات الى الحق". ([16])

بيانُ ذلك أنّ العبدَ لا ينبغي أن يَنظرَ إلى نَفسهِ بأنني شخصٌ في قبال وجودِ الله سبحانهُ وتعالى، فأنا باطلٌ محضٌ ولا قدر ولا قيمة لي، فقال "إياك نعبدُ" فذكر ثلاثة وجوهٍ لتقديم "إيّاك" على "نعبد"، فصارت "إياك نعبدُ وإياك نستعين".

ولكن لماذا كرّر (وإياك نستعين)؟ فليقل "إياك نعبد ونستعين!" قال: "وكرّر الضمير للتنصيص على تخصيص كل منهما به تعالى ولبسط الكلام مع المحبوب"، فالتكرار
تأكيدٌ على التخصيص وأنّا لا نستعين إلا بك، ولا نعبدُ إلا إيّاك، فإيّاكَ نعبد على وجه الحصر، وإياك نستعينُ اي لا نستعين بغيرك.

وها هنا سؤالٌ آخر: لماذا قدَّم العبادة على الاستعانة مع إن عبادتنا تصرفٌ في بدننا والتصرف في البدن يحتاج الى القدرة وإلى ولايةٍ تكوينيةٍ، ولا قُدرة لنا على شيء: "لاحول ولا قوة الا بالله"؟!! فالأصل أن تُقَدَّمَ الإستعانةُ حتى نتمكّن من تحقيق العبادة؛ لأننا إنما نتمكنُ من العبادة بعون الله، فلماذا لَم يقل "إيّاك نستعينُ وإياك نعبد" وقال "إيّاك نعبد وإياك نستعين"؟!

 

ذكر السيد رحمه الله لذلك وجوهاً:

الوجهُ الأول: قال رحمهُ الله: "ولعل تقديم العبادة لتوافق الفواضل"، حيث أنّ ختام كُلِّ آيةٍ إما "ميم" أو "نون"، فإن جُعلت "إياك نستعينُ وإياك نعبد"، صار ختامُ الآية "دال" و"الدال" لا يُوافق "الميم والنون" وهما من الحروف التي تخرجُ من الجيوبِ الأنفية ويُسمّونها "حروفُ الغنة" أمّا الدال فلست كذلك! وهذا وجهٌ شكلي!

الوجهُ الثاني: قال رحمهُ الله: "..ولأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة"، فمعنى إيّاك نستعين ليس الإخبار عن أننا ليس لنا قوة الا بك، بل معناها الطلب: أي أعنّا فإنه لا مُعَينَ لنا إلا أنت، ولا نستعين إلا بك، فهو إخبارٌ في معنى الطلب، وعلى هذا فَمَنْ يريدُ أن يطلب فليتذلل! حتى الصبي إذا أراد شيئاً يقول "يا أبتي أعطني هذا الشيء".

الوجه الثالث: قال رحمهُ الله: " .. ولمناسبة تقديم مطلوبة تعالى من العباد على مطلوبهم"، بمعنى إنّ العبادة مطلوبُ الله، والاستعانة أو المعونة مطلوبُ العبد، فإذا أردنا أن نُظهر مطلوبنا ومطلوب الله سبحانه، فمقتضى الأدب أن نُقدّم مطلوب الله على مطلوبنا.

الوجه الرابع: قال رحمهُ الله: ".. ولأن المتكلم لما نسب العبادة إلى نفسه كان كالمعتد بما يصدر منه، فعقبّه بأنها أيضا لا تتم إلا بمعونة الله تعالى".

بيان ذلك إنَّ الآية ناظرة إلى العبادة (الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم*مالك يوم الدين*إياك نعبد)، وأما الاستعانةُ فذكرت استطراداً، فهي ليست المقصود بالأصل؛ ذلك أنّ مقصودَ العبد في مقام التذلل لله سبحانهُ و تعالى أن يُظهر عبادته لله سبحانه وتعالى، فذكر الاستعانة؛ لأنه لـمَّا ذكر عبادته لله، فكأنه ذكر نفسه، وعدَّ نفسهُ شيئاً، فلا بُدَّ أن يستغفر عن هذا؛ لأنهُ بين يدي الله سبحانهُ وتعالى فلا بدّ أن يقولَ: إني لا قيمة لي، فلذك ذُكرت "وإياك نستعين" ككسرٍ للنفس، حتى لا يعدّ الانسانُ نفسهُ شيئاً في قبال الصانع القادر الذي لا يُردُ بأسه.

ويُلحظُ هنا ضمير الجمع في "نعبدُ" و "نستعين"، أي نحنُ ، عوضاً عن "أعبد" و "أستعين"، مع أنّ الآيات في مقام تعليم العبد أن يخضع أمام ربه جلا وعلا، فلماذا يذكر نفسه بضميرِ الجمع وضمير الجمع يتكلم به المتكلم عادة لتعظيم نفسه؟([17])

فإذا كان ضمير الجمع يقال للتعظيم، فلماذا جاءت الآية (إياك نعبد) أي نحن، وكان مقتضى البلاغة ومناسبة المقام أن يقول إيّاك (أعبد) تذللاً.

ذكر السيد رحمه الله لذلك أَوجهاً:

الوجه الاول: أن الضمير إنما جاء بصيغة الجمع تحقيراً للنفس،  أي: إلهي إذا كان الأمرُ عليّ، فعبادتي ليست بالعبادة التي تَليقُ بك، فأَنا لا أتجرأُ أن أقولَ إني أعبدك؛ لأن عبادتي لا قَـدر لها، فكيف أقول (إيّاك أَعبد) وإنما يَصحُّ هذا إذا كان لعبادتي قدر! فصارت (نعبد) مناسبةً لمقتضى الأدب؛ لأنّ العبد يذكر عبادتهُ وعِبادةَ غيرهِ منن العباد! فإذا ذكرتُ عبادتي وحدها لا قدر لها ولا أتـجرأ أن اقول إلهي أنا أعبدك، ولكن إذا ذكرتُ عبادتي مع عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله، و مع عبادة أمير المؤمنين عليه السلام، و مع عبادة الأنبياء والائمة والصلحاء، أقول: (إيّاك نعبدُ)؛ لأنّ عملي دخل ضمن هذه المجموعة فصار يُذكر و صار له قيمة يستحقُّ أن أقول (نعبد)، أمّا لو كنتُ وحدي فــــلا يستحق أن أقول (أَعبد).

الوجه الثاني: أن يقول أن يكون سببُ ذِكرِ ضمير الجمع هو أنّ العبدَ حين يعبدُ الله تصحبُ عبادته عبادات متعددة، منها أو أقلها عبادة الكرام الكاتبين الذين يكتبون عمله، إذا صلّيت يوجد كرامٌ كاتبين يكتبون: زيدٌ يصلي، زيدٌ راكعٌ، زيدٌ قال في ركوعه كيت وكيت..، قال تعالى: (وَكُلُّ صَغيرٍ وكَبيرٍ مُسْتَطَر) [القمر:53]. فلا يوجد شيءٌ لا يذكر، بما في ذلك عدد أنفاسك، فيذكر كلُّ هذا وكتابةُ هؤلاء عبادة، فإذن كُلُّ عملٍ أعمله هو في الحقيقة عبادة متعددة، بعضها صادرٌ منّي وبعضها صادرٌ من الحفظة الكرام الكاتبين.

الوجه الثالث: أن عبادتي في الحقيقة ليست عبادةً لي وحدي، لأنّ (أنا) عبارة عن الروح والبدن، والبدنُ خاضعٌ وعابدٌ لله سبحانه، فإذا حرّكت يدي فيدي تتحرك عبادةً لله؛ لأنّ الله أمرها أن تكون خاضعةً لي، فخضوعها لي عبادةٌ لله سبحانه وتعالى. وحتى يَدُ الكافر اذا تحركت، فإنّ حركة يد الكافر من حيث إسنادها إلى الكافر هي معصية من الكافر إذا ضرب الكافر مثلا مؤمناً، ولكنّ يده بحكم انقيادها لله عابدة لله؛ لأنها انقادت لذلك الكافر بأمرِ الله، فالله أمرها أن تخضع لإرادة ذلك الكافر، فلمّا خضعت له صارت عابدةً لله، فعبادتي إذن عبادات متعددة. فإذا كانت عبادات متعددة، فصحَّ القولُ (إيّاك نعبد)، وليس (إيّاك أعبد) لأنه يوجد عابدون غيري مع عبادتي.

هذا في العبادة، فماذا عن الإستعانة (واياك نستعين)؟

الإستعانة  يجري فيها أيضاً بعض هذه الوجوه ويجري فيها وجوهٌ أُخر، وهو أنّ الله سُبحانهُ يُعطي من يستحق، ويُعطي من لا يستحق، ولكنّ من يستحق أرجى في تحصيل وفي إجابة دعائه ممن لا يستحق، ولذلك يتفاوت البشر في إجابة الدعاء. الله سبحانه وتعالى يجيبُ المضطر سواءٌ كان المضطر من الصالحين أو من غيرهم، ولو دعاهُ مضطرٌ بإخلاصٍ، فإن الله يجيبهُ، مسلماً كان أو غير مسلم، قال تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [سورة النمل :الآية 62]،. فالله سبحانه وتعالى يُجيب كل مضطر وإذا كان الأمرُ كذلك، فما لم يبلغ الإنسان مرحلة الإضطرار، فإنَّ الدعاء تختلف إجابته بإختلاف المصلحة وبإختلاف الداعي، ودعائي ليس كدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله! ولا كدعاء عمار! ولا كدعاء صعصة بن صوحان!

فإذا كان الأمرُ يختلف، وكانَ دُعاء بعض العباد أرجى للإجابة من دعاء بعضٍ، فالأنسبُ إذن والأليقُ بالعبد أن يُدخل دُعاءَهُ في دُعاءِ العباد الذين دعاؤهم مستجاب، كهؤلاء الأولياء أو الأئمة أو الأنبياء أو رسول الله صلى الله عليه وآله.

فوجهُ الجمع في (إياك نعبد) لهُ وجوهٌ، وكذلك بالنسبة لقوله تعالى: (إياك نستعين)، فمن أجل ضم دعائي في ضمن هذه الأدعية التي تُجاب، جاء ضمير الجمع، وقد جاء في الأخبار أن الله سبحانهُ اذا ارتفعت له أدعيةٌ متعددة في وقتٍ واحدٍ أو أرتفعت معاً، فإنّ الله سُبحانه من كرمه أن لا يَردَّ دعاءً ويقبل دعاءً، بل يقبلُ الجميع([18]).

إهدنا الصراط المستقيم:

الذي يقرأُ سورةُ الفاتحة مسلم، والمسلم مهتدٍ على الصراط المستقيم، خُصوصاً إذا كان الذي يتلوها واحداً من المعصومين كرسول الله صلى الله عليه وآله، فإنهُ مهتدٍ، فهل يقولُ هذة الكلمة لقلقة لسانٍ ([19]) أو يقولها قاصداً معناها؟!  لا شَكَّ أنّ التلفظ بهذا لا يُقال لقلقة لسان، فهو يقولها قاصداً معناها، فما هو معناها الذي يُناسبُ حتى رسول الله صلى الله عليه وآله؟!

السيّد رحمه الله ذكر معنىً واحداً ألا وهو التثبيت على الهداية، قال رحمهُ الله: ".. أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به قبل حتى نطيعك بعد والهداية والرشاد والتثبت والصراط، الجادة والمستقيم المستوي أي طريق الحق وهو ملة الإسلام" فقوله تعالى: (إهدنا الصراط المستقيم) أي ثبتنا على الصراط المستقيم، وقد ضربوا لذلك مثالاً: مثلَ أَن يأتيكَ رجلٌ فيطرق الباب، ويطلب منك مثلاً عوناً، فتقول له قف حتى آتيك بالماء. هو واقفٌ، إن أردت (قف) في قبالة لا تمشي هو واقف لا يمشي، وان أردت (قف) في قبالة الجلوس ايضاً هو واقف ليس بجالس، فقولك (قف حتى آتيك) تعني ابق واقفاً، فهنا (اهدنا الصراط المستقيم) يعني أبقنا على الصراط المستقيم و ثبتنا على الصراط المستقيم.

هذا معنىً ويُمكن أن يُذكر معنىً آخر، وهو أنّ الهداية في كلِّ آنٍ هي هدايةٌ متجدّدة، فالذي يسيرُ على الطريق في كل لحظة يحدث له سيرٌ جديد. لو أنه مثلاً انعطف يميناً في أي لحظة، فإنّ ما سبق كان سيراً على الطريق المستقيم، وأنَّ  الإنحراف حدث في هذه النقطة. فهو في كل لحظةٍ في سيرٍ جديدٍ على الطريق، والسيرُ الجديدُ على الطريق محتاجٌ إلى تَسديدٍ من الله سبحانه، ولذا فلنا في كل لحظةٍ هِداية جديدة.

ليس حال المسلم الذي وُلد من أبوين مسلمين يقال أنّ هذا مهتدٍ! لا .. ليس الأمر كذلك! هو على الهداية وفي كل آنٍ لهُ هدايةٌ جديدةٌ، فعندما نطلب من الله سبحانه الهداية (اهدنا الصراط المستقيم)، يعني في كل لحظة جَدِّد لنا هدايةً جديدةً على هذا الصراطِ المستقيم، وهذا حتّى في حقِّ رسول الله صلى الله عليه وآله لأنّ عامل الزمن يجري عليه كما يجري علينا. إذن في كل لحظةٍ هناك هدايةٌ جديدة وهو يطلبُ هذه الهداية في اللحظة القادمة. هذا معنى آخر لــ(اهدنا الصراط المستقيم).

 

صراط الذين أنعمت عليهم:

الذين أنعم الله عليهم ذكرهم في كتابه الكريم من النبيين والصدّيقين ([20])، هؤلاء الذين أنعم الله عليهم، ولكنَّه في سورة (الفاتحة) ميَّز الذين أنعم عليهم بالوصف: (غير المغضوب عليهم)، والمغضوبُ عليهم حسب ما جاء في القرآن الكريم هُم اليهود ([21])؛ لأنّهم الذين قال فيهم إنَّهُ لعنهم الله وغضب عليهم، و(الضالين) هم النصارى، الذين قال الله فيهم: (قد ضلوا من قبل وأضلوا كثير) ([22])، فإذن (غير المغضوب عليهم): غير اليهود وغير النصارى.

 ثم يقول لماذا كرر (غير)([23]) فبدلاً من أن يقول (غير المغضوب عليهم والضالين) ، قال (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)؟ قال: للتوكيد، وإن كان العطفُ من غير (لا) يفيدُ ذلك؛ لأنّه عطفٌ على مدخول "غير"، وغير بمعنى (لا)، لكنّه كرّر أداة النفي، فمعنى (لا) عُلم من كلمة غير، قال كررت أداة النفي للتوكيد!

وقد ختم السيد عبدالله شبر رحمه الله تفسير سورة الفاتحة بالقول: "وإنما صرّح بإسناد النعمة إليه تعالى على طريق الخطاب دون الغضب والضلال، تأدبا وإشارة إلى تأسيس مباني الرحمة وأن الغضب كأنه صادرٌ عن غيره تعالى، ولحسن التصريح بالوعد والتعريض بالوعيد كما في قوله: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) دون لأعذبنكم إشارة إلى أن العذاب والانتقام ونحوها عبارة عن أعمالهم تكون وبالا عليهم"([24])

بيان ذلك: أنّ الأصل في بناء الجملة – التركيب الطبيعي- أن يقول: (صراط الذين أنعمت عليهم) ثم يقول: (لا الذين غضبت عليهم ولا الذين أضللتهم)، لكنّ الآية غيَّرت التركيب الطبيعي،  فــــأسندت النعمة لله سبحانهُ وتعالى: (أنعمت عليهم)، ولكنّ الغضب لم تسندهُ لله بل جاءت: (غير المغضوب عليهم)، و لم يقل غير الذين غضبت عليهم!  وقال  (ولا الضالين) ولم يقل  ولا الذين أضللتهم!

وقد علّل السيّد ذلك بأن الوجه الذي نعرفه لنكتة هذا التفريق هو أنّ النعمة تستوجب الشكر، وأوّلُ مراتب الشكر الإقرار بالنعمة، أن تقول إلهي أنعمت عليّ، فلكي تشكر النعمة، لا بدّ أن تقر بأن المنعم قد أنعم عليك، فإذن أُسندت النعمة لله إقراراً بها وشكراً لها، ويحسن التصريح بذلك، وأما الغضب فلمّا كانَ العبدُ في مقام الإستعاذة بالله من الغضب، والفرار من غضب الله سبحانه، فلا يَحْسن أن يُسند الغضب إلى الله ثم يفرُّ، كأنك تفرُّ من غضب الله، وكأنّه يُمكنك أن تخرج عن سلطان الله، لا! فإذن تسندُ الغضب للمجهول (غير المغضوب عليهم)، فليس غضبك يا رب؛ لأنّ الغضب إذا كان غضبك، فإنّه لا يمكن الفرارُ منه، وهذا إقرارٌ بسلطان الله سبحانهُ، فمقتضى الأدب أن يُسنِدَ النعمةَ إلى الله وأن يُسند الغضب إلى المجهول.

هذا وجهٌ، ووجهٌ آخر -ولعلّه يرجع إلى هذا الوجه ولكنّه إختلافٌ في التعبير- قال: إن الجملة الأولى (صراط الذين أنعمت عليهم) في حكم الوعد، والجملة الثانية (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) في حكم الوعيد، والوعدُ يحسنُ التصريحُ به، كأن تقولُ إنَّكَ وعدتني بكذا وكذا – تذكر الوعد، وأَمَّا الوعيد فلا يحسنُ التصريح به، كأَنك لا تريد تَذكير من أَصدر الوعيدَ بأنه أصدرَ وعيداً؛ لأَنكَ إِن ذَكَّرتهُ سيأتيك العقابُ، فأنت لا تُذَكِّرُ بالوعيد، فيحسنُ التصريح بالوعد، والكناية عن الوعيد، هذا وجهٌ آخر لعله يرجع إلى الوجه الأول، ومن ذلك قوله تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) تصريحٌ بالوعد، (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) لم يقل سأعذنبكم ! قال: (إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد) [سورة إبراهيم : الآية 7].

هذا ما أفادهُ السيّد عبدالله شبّر رحمه الله في تفسيره لسورة الفاتحة، والحمد لله رب العالمين.   

-------------------------------------

([1]) (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) سورة الحجر: الآية 87

([2]) البسملة: البيان للسيد الخوئي ص 438-439

([3]) قال السيد الخوئي قدس سره: "والاستعانةُ من الخلق إنما تكونُ بالله لا بأسمائه وقد نصَّ تعالى على ذلك بقوله (إياكَ نستعينُ) فتعين أن يكونَ متعلق الجار والمجرور هو أبتدئ" تفسير البيان للسيّد الخوئي قدس سره ص 432.

([4])  سورة البقرة: الآية 45

([5]) قال السيّد عبدالله شبر : "وهو علمٌ شخصيٌ للذات المقدس الجامع لكل كمال" تفسير القرآن الكريم للسيد عبدالله شبّر رحمهُ الله، ص 66

([6])  كثيرٌ من علماء اللغة يقولون توجدُ ألفاظٌ مترادفة في اللغة –المعنى الواحد يكون له أكثر من لفظٍ يدلُّ عليه مثل ناقة. الناقة قيل لها في اللغة العربية أكثر من 200 أو 300 أسم، والجمل له عددٌ كبير من الاسماء، قيل يوجدُ ترادفٌ وقيل الجملُ مثلاً يسمى بعير، وقيل لا يوجد ترادف بل لكل كلمة  معنىً له خصوصية لا توجد هذه الخصوصية في معنى الكلمة الأخرى. ما هي هذه الخصوصية؟ هذه تحتاج الى ضليعٍ في اللغة حتى يعرف الفروق (العلّامة الجزيري حفظه الله).

([7])  قال السيّد الخوئي قدس الله نفسه في تفسير البيان ص 438:
"وقد خفي الأمرُ على جملةٍ من المفسرين، فتخيّلوا أنّ كلمة "الرحمن" أوسع معنى من كلمة "الرحيم" بتوهم أنّ زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني. وهذا التعليل ينبغي أن يعدّ من المضحكات، فإنّ دلالة الألفاظ تتبع كيفية وضعها، ولا صلى لها بكثرة الحروف ولا قلتها. ورب لفظٍ قليل الحروف كثير المعنى، وبخلافه لفظٌ آخر، فكلمة حذِر تدلُّ على المبالغة دون كلمةحاذر، وإن كثيراً ما يكونُ الفعل المجرّد والمزيد فيه بمعنى واحد، كضرّ و أضرَّ".  

([8]) سورة التوبة: الآية 128

([9]) تفسير القرآن الكريم للسيد عبدالله شبّر رحمهُ الله، ص 66

([10]) تفسير القرآن الكريم للسيد عبدالله شبّر رحمهُ الله، ص 66

([11]) إشارةً إلى قوله تعالى: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) سورة التوية: الآية 38

([12]) أورد الشيخ الكليني رحمهُ الله في الكافي جملةً من الروايات في فضل الحمد منها:
أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، عن رجلين من أصحابنا، سمعاه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد».
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن هشام، عن ميسر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «شكر النعمة اجتناب المحارم و تمام الشكر قول الرجل: الحمد الله رب العالمين».
وفي الصحيح عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن عيينة، عن عمر ابن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «شكر كل نعمة وإن عظمت أن تحمد الله عز وجل عليها».

وفي الصحيح عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا؟ قال: «نعم» قلت: ما هو؟ قال: «يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه ومنه قوله عز وجل:" سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " ومنه قوله تعالى: " رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين " وقوله: " رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا"».

وفي الصحيح عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا الحسن (صلوات الله عليه) يقول: «من حمد الله على النعمة فقد شكره وكان الحمد أفضل [من] تلك النعمة».

وفي الصحيح عن محمد بن يحيى، عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: «ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت، فقال: الحمد لله، إلا أدى شكرها».

وفي الصحيح عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني سألت الله عز وجل أن يرزقني مالا فرزقني وإني سألت الله أن يرزقني ولدا فرزقني ولدا وسألته أن يرزقني دارا فرزقني وقد خفت أن يكون ذلك استدراجا، فقال: «أما - والله - مع الحمد فلا».

الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان قال خرج أبو عبد الله (عليه السلام) من المسجد، وقد ضاعت دابته، فقال: «لئن ردها الله علي لأشكرن الله حق شكره»، قال: فما لبث أن اتي بها، فقال: «الحمد لله»، فقال له قائل: جعلت فداك أليس قلت: لأشكرن الله حق شكره؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «ألم تسمعني قلت: الحمد الله؟»

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن المثنى الحناط، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا ورد عليه أمر يسره قال: الحمد لله على هذه النعمة، وإذا ورد عليه أمر يغتم به قال: الحمد لله على كل حال».

وفي الصحيح عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «تقول ثلاث مرات إذا نظرت إلى المبتلى من غير أن تسمعه: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به، ولو شاء فعل، قال: من قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبدا».

الكافي للكليني رحمه الله، صححه وقابله وعلق عليه علي أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة 1388 هـ، الناشر: دار الكتب الاسلامية، كتاب الإيمان والكفر، باب الشكر، ج 2 ص 94- 99.

= وروى الكليني رحمه الله أيضاً جملةً أخرى في باب التحميد و التمجيد منها:

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبي سعيد القماط، عن المفضل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك علمني دعاء جامعا، فقال لي: «احمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك، يقول: سمع الله لمن حمده».
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن منصور بن العباس، عن سعيد بن جناح قال: حدثني أبو مسعود، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قال أربع مرات إذا أصبح: الحمد الله رب العالمين، فقد أدى شكر يومه ومن قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته».
الكافي للكليني رحمه الله، مصدر سابق، كتاب الدعاء، باب التحميد و التمجيد، ج 2 ص 503.

([13])  تفسير القرآن الكريم للسيّد عبدالله شبّر رحمهُ الله، ص 66-67

([14])  هنا نريدُ أن نقول أن كلمة إنما فعل كذا لكذا هي خطأٌ، ونحن بينا هذا مراراً، وإذا صدرت من عالمٍ متبحرٍ كالسيّد عبدالله شبّر فلا بُدّ أن نقول إنّ علمي في وجه ذلك ينحصرُ في هذا الوجه، يعني هذا مبلغُ ما أعرف لا أنّه يَحصر فِعل الله والغاية من فعل الله سبحانه في هذا الوجه، بل يَحصرُ علمه فيقول هذا الذي أعلم في وجه ذلك، فكأَنه قال وإني لست أعلمُ وجهاً لتعريف العالم وجمعه إلا إفادة الشمول، وأمّا وجه ذلك على وجه الحقيقة فالله سبحانه يعلم به وليس عندنا دليلٌ على الحصر من عقلٍ ولا نقل، وإنّما هذا مبلغُ علمي (العلّامة الجزيري حفظه الله).

([15]) تفسير القرآن الكريم للسيد عبدالله شبّر رحمهُ الله، ص 67

([16]) تفسير القرآن الكريم للسيد عبدالله شبّر رحمهُ الله، ص 67

([17]) لاحظ مثلاً قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر).

([18])  يُؤَيِّـــدُ ما ذكرهُ الشيخ الجزيري (حفظه الله) جملةٌ من النصوص الشريفة التي وردت في كتابُ الكافي لثقة الإسلام الكليني رضوان الله تعالى عليه، فعن أبي خالد قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: "ما من رهط أربعين رجلا اجتمعوا فدعوا الله عزو جل في أمر إلا استجاب الله لهم، فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون الله عزوجل عشر مرات إلا استجاب الله لهم، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعوالله أربعين مرة فيستجيب الله العزيز الجبار له"

وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: "ما اجتمع أربعة رهط قط على أمر واحد فدعوا [الله] إلا تفرقوا عن إجابة".

وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: "كان أبي عليه السلام إذا حزنه أمر جمع النساء والصبيان ثم دعا وأمنوا".

وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: "الداعي والمؤمن في الاجر شريكان".

الكافي للشيخ الكليني رحمه الله، مصدرٌ سابق،  ج 2 كتاب الدعاء، باب الإجتماع في الدعاء

([19]) لقلقة لسان مثل أن يقولَ مثلاً كلمةً لا معنى لها كــ(ديز/ديس) كمثالٍ لكلمةٍ مهملة في العربية!  ديس/ ديز في ذي القطر ربما يكون مثالاً للكلمات في العربية (العلّامة الجزيري حفظه الله).

([20])  (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ  وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69].

([21])  قال تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ) [المائدة : الآية 60]  وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) [الممتحنة:الآية 13]

([22]) قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ) [المائدة : الآية 77]

([23]) قال السيّد عبدالله شبر رحمهُ الله: "وصح وقوع غير صفة للمعرفة إجراء للموصول مجرى النكرة إذ لم يقصد به معين معهود أو يجعل غير معرفة لأنه أضيف إلى ما له ضد وحد وإنما دخلت لا في (ولا الضالين) لما في غيره من معنى النفي".

([24]) تفسير القرآن الكريم للسيد عبدالله شبّر، ص 67

 

التالي