قولهِ تعالى : وَوَجَدَكَ ضَآلًّا فَهَدَىٰ
ووجدك ضالاً فهدى:
حمل السيد رحمه الله الضلال على غير الهدى، بمعنى ضالاً في نفسك (ضالاً لولا هداية الله)، والنبي (ص) مهديٌ منذ أن أوجدهُ الله، وقارب الآية بقوله تعالى: (قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذًا وَأَنَا۠ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ).
هل يريد السيد من هذا الخروج للتعريج على الفرق بين النبي (ص) وموسى (ع)، الذي لنفسه مراتب من الهدى، والتي كان بعضها منذ حين وجد [الإقرار بالوحدانية] أما الهداية في اجتناب قتل نفس يلزم من قتلها معاداة القوم وضرره [خلاف الأولى] فهذا هدى لم يكن عليه من الهدى إلا بعد الرسالة.
للهدى والضلالة درجات، وما حصل لموسى (ع) بعد النبوة هي درجة عالية من الهدى.
حمل الضلالة على معنى قريب من نفي العلم
كما في في قوله تعالى: (وكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ).
الآية ساكتةٌ عن زمن مجيئ هذه الروح. تكلم القرآن عن ثلاثة أرواح: (1) الروح الأمين (جبريل)، (2) روح القدس (خلق عظيم ملازم للحجة القائم لله تعالى)، و (3) الروح (جاءت الروح في بيانه أنه خلق أعظم من جبريل وميكال، وأنه ملازم لرسول الله (ص) وآله الأطهار).
الذي يُفهم من النصوص أن الروح مرتبة من مراتب الوجود. شاهد تأييدي ذكره السيد رحمه الله يرد عليه أن الخطاب في الآية موجه للنبي (ص) لا يوسف (ع). لمعرفة متى يوصف بأنه من الغافلين، ينبغي ملاحظة الفرق بين الإنزال والتنزيل.
تفسير السيّد رحمه الله الضلالة بمعنى (في نفسك) أوجه.
تعرض صاحب الميزان لتفسيرات أربعة للضلال حكم السيد رحمه الله بأن الوجوه الأربعة ظاهرة الضعف.
وقفة مع ما أورد السيد الطباطبائي رحمه الله (وجدك ضالا): قد يتوهم منها ما ينافي العصمة، ويجب أن نبي المنهج الذي نعتمد عليه في فهم القرآن.
دليل العصمة يقيني، وغاية ما يتوهّم من الآية الظهور وهو ظني، ويلزم رفع اليد عن هذا الظهور، وممن نبّه على هذا الأصل الشريف المرتضى وشيخ الطائفة في كتابه الاقتصاد.
كلمة قيمة للشيخ الطوسي (رحمه الله): " بل نقول: الظواهر تبنى على أدلة العقول، ولا تبنى أدلة العقول على الظواهر". تحديد دلالة النصوص استناداً إلى أدلة العقول، وشاهد تقريبي من القرآن الكريم (وهو بكل شيءٍ عليم) = (كل) تفيد العموم، في حين أن (كل) في قوله: (تدمّر كل شيء بأمر ربها) = لا تفيد العموم، ومع أن اللفظ واحد إلا أن الدلالة العقلية في مورد أثبتت العموم وفي مورد آخر نفت العموم. الطريق الصحيح لتفسير الآية: في الآية بحث عقدي وتفسيري، وينبغي تقديم الدليل القطعي على الدليل الظني. تذكير: ليس الطريق لغير المعصومين مفتوحاً لتفسير كل آية من آيات القرآن الكريم، وليس لأحد أن يدعي معرفة مراد الله.
قد تكون معرفة المراد ميسورة بالنسبة لنا وقد لا تكون، وما علينا إلا بذل الجهد. لم يبقَ لنا إلا الترجيح، ومنها تفسير السيد الطباطبائي رحمه الله وهو وجيه. يرد عليه أنّ (وجدك ضالاً ظاهرة في الوصف) : اثبات شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له، والصفة فرع الموصوف، ويجيب الفلاسفة بأن الصفة فرع الموصوف = فرعية رتبية لا زمانية، ومنها وصف الله بالغني. القَبلية هنا قبلية رتبية لا زمانية.
لا يسد تفسير السيد رحمه الله الباب أمام التفسيرات الأخرى، فتبقى محتملة، وخصوصاً التفسير الأول وهو تفسير مروي. مقاطعٌ مقتبسةٌ من || الدرس الخامس | تفسير سورة الضحى (2) | ليلة 6 رمضان 1444هــ