السؤال: هل دعاءُ غير الله شرك؟

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام
عنوان السؤال: السؤال: هل دعاءُ غير الله شرك؟
ابو كرار 2017/04/19 1633

هل دعاءُ غير الله شرك؟

 

 

السؤال: هل دعاءُ غير الله شرك؟

مقتبسٌ من درس الشيخ علي الجزيري حفظه الله في 3 جمادى الأول 1437 هـ، الموافق 12 فبراير 2016م

 

إنّ هذا السؤال لا يختصّ بدعاء غير الله، بل إنّ مثلُ هذا السؤال يجري في ذكرِ غير الله، وفي شكر غير الله، وفي مدح غير الله، فماذا تقول؟!

شكر الله عبادة أم لا ؟ عبادة!

ذكر الله عبادة أم لا؟ عبادة!

مدح الله عبادة أم لا؟ عبادة!

فهل ذكر غير الله عبادة ؟! !

 

إذا كان العمل الذي إذا أتيته لله سبحانه عبادةً، فإذا أتيت بذلك العمل لغيرِ الله لم يكن عبادةً، فلا بُدّ أن أعرف لماذا صار ذكرُ اللهِ عبادةً، وصار ذكرُ غيرِ الله غير عبادةٍ، لأعرف أنّ دعاء الله عبادةٌ أم لا، وأعرف أنّ دعاء غير الله عبادةٌ أم لا.

هذا الذي يعترض على الشيعة بأنكم تدعون غير الله، لا يعترضُ على الشيعة وحدهم ؛ لأنّ عامّة المسلمين إلا فرقة حدثت حديثا -قبل مئتي عام أو ما يقرب من ذلك وتبعت في ذلك رجلا جاء في القرن الثامن- يسألون الأولياء كثيراً من الأسئلة، مما يسميه هؤلاء بدعاء غير الله، ولكنَّ هؤلاء جاؤوا وأثاروا الشكوك حول هذا الطلب فسمّوه بدعاء غير الله،  ونحنُ نقولُ لهم إنّ الدعاء على قسمين:
١. دعاءٌ عبادة.

٢. ودعاءٌ ليس بعبادة.

 

ولو كان كل دعاءٍ عبادةً، فنسأل الرجل منهم: هل تدعو زوجتك أن تُحضرَ لك الطعام أم لا ؟! وإذا أردت أن تَخرجَ من البيت معها، تدعوها أم لا تدعوها؟! ماذا يصنع ؟ يرن الجرس؟! لو كان يرنُّ الجرس، فهذا أيضا دعاءٌ لأنّه -كما يقول السيد الخوئي رحمهُ الله في بحث حقيقة الوضع([1]) لأنّ هذا استعمالٌ لعلامةٍ من أجل إيصال معنىً، سواءٌ كانت العلامةُ لفظاً معيناً أم كانت العلامةُ عملاًً خارجيا ليس فيه لفظ مثل: رن الجرس، وتحريك اليد، وتحريك الحاجبين، وتحريك الرأس، فكل هذه العلامات وُضِعَتْ للدلالات على المقصود- فإذاً حُكمها حكمهُ، فهذا طلبٌ أيضا، غايته بأنّه طلبٌ بغير اللسان (طلبٌ غير لفظي)، لكنّه لا يخرج عن عنوان الطلب، ولو كان الطلب خاصاً باللفظ، فكيف يصدر الطلبُ مثلاً من الذي لا يتمكن من التكلم؟ وكيف يصدرُ الطلب من شخصٍ من وراء الزجاج؟ ومع ذلك لا شبهة في أن يصدر الطلب من هؤلاء وما ذاك إلا لأجل أن الطلب يمكن أن يصدر من غير لفظ.

 

ودونك الكتابة -لماذا نذهب إلى الإشارات- فأكثرُ الطلب هذه الأيام بالكتابة، فحتّى الرجل في بيته مع من هو في بيته- أي الذين هم في البيت معه- يرسلُ له الطلب بالكتابة. إذا الطلب ليس خاصا باللفظ، فماذا يصنع إذاً ؟ هل صار مُشركاً لأنّه دعى زوجته أو دعى ولَدَهُ، وهذا من دعاء غير الله؟؟!

 

إذاً هذا إطلاقٌ غير مقصود، ولو كان مقصوداً لكان دعاءُ الزوجة ودعاء الولد شركاً، فهذا إذاً إطلاقٌ غير مقصود، والدعاء الذي يُصرفُ لله والذي هو من عبادة الله يرادُ به دعاءٌ خاصٌ، لا مُطلق المناداة والدعاء اللغوي، فإذا كان المقصود هو المقيّد، فلا بُدَّ أن نبحث ما هو القيد الذي اعتبر في تحقق مفهوم الدعاء العبادي.

 

إذاً الآيةُ ناظرةٌ للدعاء العبادي، فلابُدّ أن نفهم ما هو الدعاء العبادي؛ لأنّ هؤلاء لـمّا لم يفهموا الدعاء العبادي ولم يميزوهُ عن الدعاء غير العبادي، توهّموا أنَّ الآية ناهيةٌ عن كُلِّ دعاءٍ، وليست الآية كذلك، ولو كان كُلّ دعاءٍ عبادةً، لكان الله سبحانه عابداً للبشر؛ لأنّ الله سبحانه يدعوهم إلى الحق، فهل الله يعبد البشر؟!

 

ولو كان كُلّ دعاءٍ عبادةً، لكان القرآنُ الكريمُ داعياً إلى الشرك، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125]، فإذا كان كُلّ دعاءٍ عبادةً، فمعنى الآية اعبد الناس إلى سبيل ربك؟! فهل يقبل عربي هذا الفهم؟! حتى المشركون لم يفهموا هذه الآيات بهذا الفهم!

 

إذا الآياتُ الناهيّة عن دعاء غير الله، والذامّة لدعاء غير الله، لا تمنعُ من كُلّ دعاءٍ لغير الله، بل تمنعُ من دعاء غير الله بالدعاء العبادي، وإذا كان الحال كذلك، فلابدّ أولا أن نفهم ماهو الدعاء العبادي، ثم ننظر في دعاء المسلمين عامّة للأولياء: هل هو داخلٌ في الدعاء العبادي، وهكذا يكون البحث.

 

ماهو الدعاء العبادي ؟

أولاً لابُدّ أن نفهم ما معنى العبادة؟ القومُ ذكروا في معنى العبادة تعريفات مشرّقة ومغرّبة، لعدم وجودِ معرفةٌ لديهم بهذه الأبحاث- وقد تطرّقنا لهذا البحث مفصلاً في بحث التوحيد- ولا نريدُ أن نتعرّض لتعريفاتهم للعبادة؛ لأنّها بعيدةٌ عن المعمورة -كما يقال في المصطلح الحوزوي " خيلي دور أز آبادي"، هكذا يقولون: أي كلامٌ بعيدٌ عن المعمورة، لا يصلح أن يذكر في المنتديات العلمية.

 

ما هو الصحيح في مفهوم العبادة؟

العبادة أصلها مأخوذٌ من العبوديّة، العبد مقابل السيّد، والعبادة هي كل عملٍ يُظهر أنّك عبدٌ لمن تعبدُه، وإظهار الرقيّة والمملوكيّة له، وأنّ الذي تعبده سيّدك وإلهك، فهل الذي يفعله من يذهب إلى قبور الأولياء يُظهر أن الوليّ إلههُ ومالكهُ؟!  وهل يذهبُ إلى قبر الوليّ فيقول (ياربَّ) ويقصد الولي بذلك ؟!

 

هو يذهب إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام سيّد الأولياء يقول " أشهد أنك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وجاهدت في الله حق جهاده وعبدت الله مخلصا"،
فكيف يكون ربي وأنا أشهد بأنّهُ عبد مثلي لله سبحانه؟! إذاً أنا لا أعتقد أنّه إلهٌ، ولا أعتقدُ أنّهُ مالكُ رقّي، ولا أعتقد أنّي عبدهُ بهذا المعنى من العبوديّة، لأن العبودية أيضا لها معانٍ، ﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾ [النور: 23]، عباد والإناث العبدة أي بالخطأ اللغوي أمة، في التعبير اللغوي الصحيح، إذا القرآن الكريم سماهم عبيد ولكن العبودية هنا غير العبودية هناك ؛  لأنّ العبودية هنا عبودية اعتبارية،، أمّا العبودية هناك فهي عبودية حقيقية، ويوجدُ فرقٌ بينهما.

 

وحتى العبودية الحقيقة أيضا على معنيين: عبوديةٌ حقيقيةٌ ذاتيّة لله سبحانه وتعالى، وعبوديّةٌ حقيقةٌ جعليّة، فالله سبحانه مثلاً وهب الناس لرسوله صلى الله عليه وآله "أنا سيد ولد آدم"([2]) فما معنى هذا؟ المعنى أنّ جميع ولد آدم عبيدٌ لي، ليس بمعنى أني أبيعهم وأشتريهم، تلك العبودية الاعتبارية وتلك خاصّة بمن هو موجود فعلا، وأمّا مَن مضى وذهبَ، ولا توجد ملكيّة اعتبارية بالنسبة إلى الأعيان التي مضت، فلو قلتُ مثلاً: أنّ القصر الذي كان يسكنه هارون الرشيد ملّكتك إياه، فلا قيمة لهذا الاعتبار، ولو أنّ رجلا قال لرجلٍ مثلاً يملك في الدولة الاسلامية، منطقة كان يوجد فيها آثار - والآثار لها قيمة –لو أنّ أحداً مثلا يشتري من أهل اليمن بعض ﴿  إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ *الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ [الفجر: 7-8]، لو أن أحداً ذهب الى اليمن قال لهم بيعوني إرم ذات العماد، فكيف يملكونه إياها وهي غيرُ موجودة ، لا يعقل التمليك الاعتباري بالنسبة الى الأعيان التي مضت وذهبت ولا وجود لها، ومع ذلك فإنّ سيادةَ رسول الله صلى الله عليه وآله لبني آدم الماضي منهم والقادم. إذا هذه السيادة ليست سيادةة اعتبارية، وليست ملكية، اعتبارية، بل هذه ملكيّة حقيقيةٌ ولكنها جعليّة بخلاف ملكية الله سبحانه، التي هي ملكية ذاتية، ليست بالجعل.

 إذا كان الأمر كذلك، فالعبوديّة التي يكون المقابل للعبد فيها سيّداً -بمعنى إلها- لا يقصدها أحدٌ ممن يذهب إلى أولياء الله؛ لأنّك تقول هو يذهبُ إلى أولياء الله، فإذاً هو يعتقدُ أنّهم عبيدٌ، فإذا كان يعتقدُ أنهم عبيد فلا يظهر بعَمَلِه ولا بطلبِهِ أنّهُ عبدٌ لهم بالعبودية المقابلة للسيادة الذاتية الحقيقية!

 

قد يصعب عليهم فهم كل هذه النكات العلمية ؛ لأنّه لا توجد عندهم حوزاتٌ علميّة، وما عندهم هو حفظٌ لبعض الآيات ثم استدلالٌ بالآيات على غير وجهها؟

 

هذا بالنسبة لما يفعله المسلمون عامّة عند قبور الأولياء، إذاً هم يذهبون إلى الأولياء باعتقاد أنّ الأولياء عبيدٌ لله وإذا طلبوا منهم شيئا فإنّما يطلبون منهم بإعتقاد أنّ الله سبحانه يُكرمهم، فإذا دعوا أجاب دعوتهم، أو لا أقل من أن رجاء إجابة دعوتهم أعظم عنده من رجاء إجابة دعوة نفسه، بل حتى لو كان الرجاءُ فيها أضعف، فإنّ ذلك لا يمنعُ عند احتمال أن دعوته مجابةً من أن يطلبَ منه أن يدعو له، فإن مجرد الاحتمال كافٍ في مثل هذه الموارد.  فمثلاً إذا غرقت مثلا فإنّك تطلب المساعدة من كل مَنْ يمرُّ بك، ولعلك تُحسنُ السباحة أكثر منه، فهل يَعدّونَ طلب الإعانة هنا من الإستعانة الشركيّة بغير الله؟!

وبمقتضى كلامهم، فكلُّ من أشرف على الغرق واستعان بأحد، فإنّهم يقولون: لا تدفنوه في مقابر المسلمين؛ لأنّه أشرك قبل أن يموت، فقد طلب النجدة!!!

 

وعلى هذا فأكثر من يموت في المستشفى في العادة يطلب من الطبيب أن يعينه بدواءٍ، فإذاً هو يكون بذلك قد أشرك فلا يدفنُ في مقابر المسلمين، هذا بالنسبة عن السؤال عن دعاء الأولياء أو ما مايسمونه تشنيعاً دعاء الأولياء، وواضحٌ أن التسمية تسمية تشنيعية والهدف منها تسويغ وتبرير مايفعلونه بالمؤمنين.

 

[1]  للمزيد راجع: محاضرات في اصول الفقه، تقرير أبحاث السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره، تأليف الشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظله ج 1 ص 54 وما بعدها، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

[2] صحيح مسلم- كتاب الفضائل- باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم على جميع الخلائق


التالي السابق