ما المنطقة المسموحة وكذلك المحظورة للمثقف فيما يصل إليه بعقليته المثقفة غير المتخصصة؟

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام
عنوان السؤال: ما المنطقة المسموحة وكذلك المحظورة للمثقف فيما يصل إليه بعقليته المثقفة غير المتخصصة؟
ابو كرار 2016/09/02 1679

ما المنطقة المسموحة وكذلك المحظورة للمثقف فيما يصل إليه بعقليته المثقفة غير المتخصصة؟

ما المنطقة المسموحة وكذلك المحظورة للمثقف فيما يصل إليه بعقليته المثقفة غير المتخصصة؟
https://youtu.be/uLOgBqhiTDc

الجواب :
سوف أعتبرُ ما جاء في ذيل السؤال تعريفاً للمثقف وهو "غير المتخصص"، لنجعل هذا هو التعريف الذي يريده السائل.
"نُخرِج كلمة مثقف حتى لا ندخل في المصطلحات"

نعيد صياغة السؤال : ما هي المساحة والمنطقة المسموح لغير المتخصص بالحديث فيها والمنطقة غير المسموح له بالحديث فيها ؟
غير المتخصص أين يتكلم؟

لا يمكن أن يتكلم غير متخصص في بحثٍ تخصصي البتة، إذا كان البحث تخصصياً لا يمكن أن يتكلم فيه إلا أن تفرض اختلال واحد من هذين الأمرين:
إما أن تفرض أن البحث ليس تخصصياً
أو تفرض أن هذا الذي سميته مثقفاً أنه متخصص بالمستوى الذي يؤهله من الخوض في هذا الحديث.

أما إذا قلت هذا بحثٌ تخصصي وهذا ليس من أهل هذا التخصص فإذاً لا يحق له أن يتكلم في هذا الميدان لأنه ما هو معنى التخصص؟
التخصص معناه أن هذا علمٌ خاص لا يُنال إلا بدراسة مقدمات تخصه، أما مقدمات سائر العلوم لا تكفي لإدراك هذا العلم ومسائله.
هذا علمٌ خاص له مقدماتٌ خاصة لا يناله إلا من تمهدت له أرضية إدراك هذا العلم بالإحاطة بالمقدمات التي تخص هذا العلم و"مارسه" هذه أيضاً مسألة أخرى أن كثيراً من العلوم لا تكفي فيها معرفة القواعد بل لابد من الممارسة وهذا خاصٌ بالعلوم الصِناعية يسمونها "العلوم الصِّناعية".

أنتم باعتبار أنكم وجهتم السؤال لي فأنا أحدِس أنكم تقصدون من غير المتخصص "غير المتخصص في تخصصنا" وإلا لو كنتم تسألون عن حكم المنطقة المسموح بالحديث فيها لغير المتخصص في طب العيون مثلاً لكنتم وجهتم هذا السؤال لطبيب عيون لكن باعتبار أنكم وجهتم هذا السؤال لي فبقرينة المسؤول تقصدون من التخصص "التخصص في العلوم الدينية".
فما فرضه السائل في سؤاله حقٌّ، العلوم الدينية علومٌ تخصصية لا يكفي للإنسان أن يكون مطلعاً على القواعد العامة لكل علم مثل "المنطق"

المنطق فيه قواعد التفكير العام. يُعرِّفون المنطق بأنه: "آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر" سواء كان الفكر في علوم شرعية أو في غيرها من العلوم.
المنطق يشتمل على القواعد العامة في التفكير، هذا لا يكفي للتخصص في العلوم الشرعية لأن العلوم الشرعية لها قواعد خاصة بها فإذاً لابد من الإحاطة بهذه القواعد لكي يتأهل الإنسان لإدراك مسائل هذه العلوم التخصصية.

إذا فرضتَ أن العلوم الشرعية تخصصيةً فإذاً لابد في إدراكها من الإحاطة بمقدماتها الخاصة.
توجد مقدمات خاصة بالعلوم الشرعية هي عامة لكل العلوم الشرعية، وتوجد مقدمات خاصة ببعض العلوم دون بعضٍ، مثلاً علم التفسير له مقدمات تخصه وله مقدمات يشترك فيها مع الفقه.
علم الفقه كذلك له مقدمات تخصه وله مقدمات يشترك فيها مع علم الحديث وهكذا، فهذه العلوم بعضها مقدماتها مشتركة وبعضها لها مقدمات تخصها.

ما الذي يحتاجه الإنسان لكي يتمكن من الخوض في هذه العلوم التخصصية؟
الإحاطة بجميع هذه المقدمات، في أي علم يريد أن يتكلم.
يريد أن يتكلم في علم الحديث، لابد أن يدرك القواعد العامة للعلوم الدينية ويدرك القواعد الخاصة بعلم الحديث "أن يكون محيطاً بها" يعني عارفاً بكُبرياتها وبشروط تطبيق هذه الكُبريات على الصغريات، الذي يولِّد ما يُسمى بـ "الاستنباط" فلابد أن يعرف القوانين ويعرف شروط تطبيق هذه القوانين.

إذا عرف هذا وكان متمكناً منه حصيفاً به فهو من أهل التخصص، وأما إذا لم يكن متمكناً، فإنه لا يتمكن من إدراك شيءٍ في مسائل هذه العلوم إلا ما لا يتوقف على شيءٍ من هذه المقدمات مثل "استنباط أن نصيب الذكر في الإرث ضعف نصيب الأنثى" هذا لا يحتاج إلى كثير من القواعد. يمكن للإنسان إذا كان عارفاً باللغة العربية أن يستنبط هذا الحكم، لكن ليست كل الأحكام الفقهية مثل هذا الحكم.
أكثر الأحكام الفقهية تحتاج إلى مقدمات كثيرة تكلمنا عن هذه المقدمات، فإذاً بلحاظ المقدار الذي يتوقف على مقدمات تخصصية لا يسع غير المتخصص أن يخوض في العلوم التخصصية، أيّاً كان هذا العلم، علماً شرعياً أو غير شرعي.

نعم الإفتاء شيءٌ آخر. نحن نتكلم الآن فقط في [مستوى أنه لي أن أخوض في هذا العلم، أن أُفكر فيه، أن أرى ما الذي يُمكن أن أفهمه من هذا الدليل أو من ذاك الدليل، يمكن لي أو لا يمكن].
هذا هو الذي نتكلم عنه، أما إذا أراد الإفتاءَ، قال تعالى "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ" سورة النحل آية 116
وقال تعالى "وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ" سورة الإسراء آية 36
وقال تعالى "قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ" سورة يونس آية 59

يعني من لم يكن عالماً، من لم يكن فقيهاً، من لم يكن من أهل الاستنباط، إذا استنبط، قال: أنا أستنبط من هذه الآية كذا. وهذه الآية ليست كالآية التي ذكرنا "في الإرث"، قلنا الآيات التي من هذا القبيل نادرة جداً.

فإنه بحكم القرآن الكريم مفترٍ على الله.
ليس متكلماً بجهلٍ وقد يكون صادقاً وقد يكون كاذباً! لا.
إذا لم يكن عن إذنٍ من الله فهو مفترٍ على الله وإن أصاب.
من هو المأذون له؟ المأذون له هو الفقيه.

أُشير إلى شرطٍ واحد فقط. نحن تكلمنا في هذه المسألة ربما عن قريب وذكرنا جملةً من الشروط التي لا يتمكن "يعني لا تتوفر في غير المتخصص"، نشير إلى شرطٍ واحد.
مَن يريد أن يستنبط حكماً من آية شرعية، من آية قرآنية، يريد أن يستنبط منها حكماً شرعياً، يقال له: الآيات القرآنية فيها عامٌ وخاص، وهذا العام ليس كحال سائر العمومات، فإنه لا يصح الاستدلال به إلا إذا عرفت أنه خُصّصَ أو لم يُخصص،

وأما إذا كان عاماً وقد خُصص فسقطت حجيته في ما أُخرج بالخاص، مثلاً: إذا ورد "أكرم كل عالم" هذا المثال الذي يكرر، ومثل "ضرب زيدٌ عمراً" في النحو، هذا الذي كتب فيه المنفلوطي مقالةً طويلة، معترضاً على هذا المثال (فيه عنف، فيه كذا)، هذا المثال الرسمي في النحو، ويوجد أيضاً مثال رسمي في أصول الفقه "أكرم زيداً".

إذا ورد عامٌّ "أكرم كل عالم" هذا عام، متى يصح لك الاستدلال بهذا العام؟
بعد الفحص عن المخصص "هل يوجد مخصص لهذا العام أو لا؟" فإذا فحصت عن المخصص ولم تظفر به يحق لك الاستناد إليه وإلا فهو حجة فيما سوى الخاص.
لو أن إنساناً بحث عن مخصص فوجد "لا تكرم العالم الفاسق".
"أكرم كل عالم" عامٌّ. "لا تكرم العالم الفاسق" أخرج العلماء الفساق،
فإذاً صار "أكرم كل عالم" حجة في أي دائرة؟
أكرم كل عالم ليس بفاسق. هذه مهمة جداً، لها آثارٌ مهمة لا يمكننا أن نبدل العنوان الوارد في الدليل الشرعي وأن نضع بديلاً عنه، فمثلاً: "أكرم كل عالم"، و"لا تكرم العالم الفاسق"، لا يسعنا أن نقول: مفاد "أكرم كل عالم" هو "أكرم كل عالم عادل" بل نحفظ القيود الشرعية التي جاءت في الدليل فنقول: (أكرم كل عالم ليس بفاسق).
"أكرم كل عالم" انهدمت حجيته فيما سوى (العالم الذي ليس بفاسق).

مَن لم يكن عارفاً بمضانّ وجود المخصصات، كيف يمكنه أن يعرف أن هذا العام خُصص أو لم يخصص؟
لا يمكنه معرفة ذلك. أين توجد المخصصات؟ من لم يكن متخصصاً لا يعرف أين توجد المخصصات.
المطلق يُقيَّد. لا يصح التمسك بالمطلق إلا بعد الفحص عن المقيد. غير المتخصص لا يدري أين يوجد المقيِّد، أين أبحث؟ في أي كتاب؟
غير متخصص مثلاً يرى روايةً عامة يقول: أبحث في تفسير الميزان، يوجد مخصص لها أو لا؟
ليس هذا مضنة وجود المخصص. إذاً لابد من معرفة أنه يوجد مخصص أو لا يوجد مخصص للعام، يوجد مقيد أو لا يوجد مقيد للمطلق.

هذان نوعان فقط من الأدلة. وإذا كان الدليل دليلاً ليس عاماً ولا مطلقاً، لابد من البحث هل توجد لهذا الدليل الذي فيه أمرٌ بفعلٍ، هل توجد رواية تعارض هذه الرواية، تنهى عن هذا الفعل أو لا توجد. أين أبحث عن المعارض؟

لا يصح الاحتجاج برواية إلا بعد البحث عن معارضها والبحث عن المعارض إنما يعرف مضانَّ وجوده المتخصص.
هذه ثلاثة أنواع، تكفينا لمعرفة أن الباب في هذه المسائل مسدود على غير المتخصص، شأن هذا التخصص شأن غيره من التخصصات.
ومراراً تعجبنا أن كل تخصص حريمه محفوظ، لا يتجرأ عليه أحدٌ إلا العلوم الشرعية، كلٌّ يقول: أنا أستطيع أن أُدلي بدلوي.

كيف نعرف أن هذا متخصص أو ليس بمتخصص؟
الجواب:
أبسط شيءٍ لو أن إنساناً عنده طفل يريد أن ينتزع لوزتيه ودخل المستشفى، يريد من أحد الأطباء، نحن نفرض أن هذا طبيبٌ. يريد من أحد الأطباء أن ينتزع اللوزتين. هل يذهب إلى طبيب العظام؟ يقول له أريد أن تجري عملية لولدي لاستئصال اللوزتين منه!.
إذاً كيف يعرف أن هذا متخصص في هذه المسألة التي يحتاجها أو ليس بمتخصص؟
يسأل أهل هذا التخصص، هل هذا متخصص أو لا؟
وكذلك إذا أردت أن تقارن بين المتخصِّصَين، تسأل المتخصِّصِين "أيهما أحذق حتى أعتمد عليه إذا اختلفا؟"، لا تسأل الغرباء عن التخصص، لا تذهب إلى نجار تقول له: أيُّ هذين الطبيبين المتخصصين مثلاً في العيون، أيهما أمهر في إجراء العملية الكذائية مثلاً. لا تسأل غير المتخصص، تسأل المتخصص عن ذوي التخصص.

** جواباً على سؤال أحد الحضور "صوت السائل غير واضح لكن يتضح السؤال من كلام سماحة الشيخ حفظه الله"

الإنسان مأمورٌ بالتدبر والتأمل ولكن في أي حدود؟
ليس في الحدود التخصصية. نحن قلنا إن السائل فرض هذا العلم علماً تخصصياً.
يوجد في الأمور الشرعية أمور غير تخصصية، ضربنا مثالاً في الفقه كذلك نضرب مثالاً في العقيدة.
"إقامة الدليل على أن للخلق خالقاً" هذا ليس أمراً تخصصياً. أصل إقامة الدليل ليس أمراً تخصصياً.
نعم توجد أدلة تخصصية مثل برهان الصديقين، توجد له تقريرات متعددة، هذه أمور تخصصية. العلماء فيما بينهم يختلفون فيها، هذا لا يخوض فيه غير المتخصص،
ولكن أصل إثبات أن للخلق خالقاً هذا ليس أمراً تخصصياً. فالبَدَوي يستدل على ذلك يقول: البَعْرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، أفسماءٌ ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدل على اللطيف الخبير؟

إثبات أن للخلق خالقاً، إثبات حكمة الخالق، إثبات قدرته، إثبات علمه، هذه ليست أموراً تخصصية "أصل الإثبات"،
نعم بعض الأدلة بحوثٌ تخصصية مثل "كيفية تعلق علم الباري بالمعلومات" هذا بحثٌ تخصصي، المتخصصون تاهوا فيه. يعني المتخصصون من الطبقة العليا.
يكفيك أن بعض مَن يُعد مِن القامات الشامخة جداً مثل صاحب الأسفار ينتهي إلى رأي، يقول: "لم يسبقني إليه أحد من أهل الإسلام". فإذاً هذا بحث تخصصي جداً. هذا لا يخوض فيه كل أحد،
أما التدبر في آيات الله هذا أمرٌ لازم، التدبر في القرآن الكريم بالمقدار الذي يتسنى لك التدبر فيه أمرٌ لازم، هذا أمرٌ ليس بالتخصصي، لكن معرفة مكرِ الله مثلاً، ما هو مكرُ الله؟، المتخصصون حائرون، ما هو مكر الله؟.

المفسر المتبحر في التفسير لا يصل إلى رأي في هذه المسألة إلا وهو يرجف، أقدامه ترتعش، لا يكتب إلا ويده ترتعش.
يأتي شخصٌ مثقف يقول: أنا أُبدي برأيي في هذه المسألة. هذه مسألة تخصصية!، نعم أدلي برأيِك في مسألة غير تخصصية، قال تعالى "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ" سورة الغاشية آية 17
أنت دقق مثلاً أن الإبل فيها ما هو بني اللون وفيها ما هو أبيض اللون، المفسرون مثلاً ربما لم يتكلموا في هذا، جيد، لا بأس هذا تدبرٌ حسن. البني اللون له كذا من الخصائص، الأبيض له كذا، أنا لا أعرف هذه الخصوصيات، أقف.

فإذاً هذا تدبُّر. لا بأس تدبَّر في هذا وتابع هذا التدبر إلى أن تصل إلى كون هذا دالاً على أن الخالق عليم قادر حكيم، إلى غير ذلك من صفات الجلال والجمال.

** هنا أيضاً يستفسر أحد الحضور، "لكن صوت المستفسر غير واضح ويمكن فهم ذلك من كلام الشيخ حفظه الله".
أضرب مثالاً بغير الأمور الشرعية، أضرب مثالاً في الطب، يوجد في الطب مسائل ليست تخصصية، مثل تأثير الماء في خفض درجة الحرارة.
مثلاً مَن ابتلي بارتفاع درجة حرارته يضع يده مثلاً في ماءٍ بارد أو قدمه في ماء بارد، تنخفض درجة حرارته، هذه ليست أمراً تخصصياً، نعم المتخصص يعرف تأثير الماء "يعني الميكانيزم أو ميكانيكية عمل الماء في تبريد حرارة الجسم"، غير المتخصص لا يعرف ذلك.

أمّا أصل "هذا يخفض درجة الحرارة" هذا ليس بالأمر التخصصي.
أنا غيرُ المتخصص في الطب أعرف حدودي، أعرف أنه إلى هذا المقدار يتيسر لي أن أطلع على هذه المسائل، أكثر من هذا أحتاج إلى معرفة مقدمات. فحدود التخصص يدركها الباحث بنفسه.

التالي السابق