تمهيد عن دوافع البحث عن أصول الدين
تمهيد عن دوافع البحث عن أصول الدين
الملف بصيغة PDF
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
كتاب مُقَدّمة في أُصول الدين:
الكتابُ الذي نحن بصدد قرائته من تأليف عالمٍ من عُلماء هذا العصر، وهو الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله، وهذا الكتاب لم يُصنّف لكي يستوعب البحوث العقدية استيعاباً تاماً، وإنّما صُنّفَ لكي يكون مدخلاً إلى التعرف على الأحكام الفرعية للشرع الحنيف، فالكتابُ كمقدمته.
الكتابُ هو منهاج الصالحين وهو كتابٌ مؤلفٌ ليوضع بأيدي عامّة الناس وليس كتاباً مُصنّفاً للمتخصصين، وقد روعي في هذه المقدمة ما رُوعي في أصل الكتاب، فالمقدمة كُتبت من أجل أن تكون ميسورةَ التناولِ لكُلّ قارئٍ وإن لم يكن عنده المقدمات العلمية التي يحتاجها الباحث في أصول الدين، فلا بد من أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار في جملة من البحوث التي ستمرُّ بنا.
ولأجل إبراز هذه المسألة فقد سمّى المؤلف حفظه الله هذا الكتاب مقدمة في أصول الدين ولم يُسَمّه تسميةً خاصةً خشية أن يتوهّم متوهمٌ أنّه كتابٌ قد اجتهد صاحبه في أن يكون ملماً بهذه المسائل.
تمهيدات للخوض في البحث في أصول الدين:
قدّم المصنّفُ حفظه الله تمهيداتٍ للخوض في البحث في أصول الدين، وهذه التمهيدات يُمكنُ أن تُوضع تحت عنوانين:
العنوان الاول: دوافع الإنسان للبحث عن أصول الدين.
والعنوان الثاني: شرط إثمار البحث عن أصول الدين.
أمّا بالنسبة للعنوان الأول، وهو دوافع البحث عن أصول لدين، فقد ذَكَرَ المُصنّفُ أَيّده الله جملةً من الدوافع:
الدافع الأول: دفع الضرر المحتمل:
وهو دافعٌ مذكورٌ في الكتب الكلاميّة، وقد تعرضنا له في شرح كتاب الشيخ المظفر.
فإنّ كل إنسان إمّا أن يختلجَ في نفسه أنّ لهذا العالم خالقاً وأنّ خالق هذا العالم لم يترك هذا العالم مهملاً كالبهائم وإنّما وضع لهم قوانين وشرائع، فيكون الضرر مُحتملاً عنده لهذا الإختلاج.
أو بعد أن يسمع عن أديان مختلفة وعن شرائع متعددة، فإنّه يحتمل أنّ أحد هذه الأديان حقٌ ومن ضمن هذه الأديان التي يسمع بها الدين الإسلامي، فهو يحتمل الضرر، ويجبُ بحكم الفطرة – وفاقاً للسيد الحكيم رحمه الله- لأنّ وجوب دفع الضرر المحتمل محلُّ بحثٍ بين العلماء: هل هو بحكم العقل أو أنّه بحكم فطرة الإنسان، فمثلاً إذا رأيت ثعباناً فإنّك تفرُّ، لماذا؟ بحكم عقلك أو فطرتك؟- والشيخ حفظه الله يقول إنّ ذلك بحكم الفطرة، وذلك لأنّ هذا الضرر العظيم مما تقضي الفطرة بلزوم تحصيل المؤمّن عنه.
ولعلّه حفظه الله بإشارته إلى عظمة هذا الضرر قد أشار إلى الإعتراض الذي ذكرهُ المحقق العراقي([1]) وقد تعرّضنا له وهو أنّ وجوب دفع الضرر المحتمل لا يُحّركُ الإنسان للبحث لوجوب المؤمّن، فإنّ العقل يقضي بقبح العقاب بلا بيان، وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان مقدمٌ على وجوب دفع الضرر المحتمل وهو مؤمنٌ، والجواب عن ذلك: أنّ العقل لا يُؤمّن عن مثل هذا الضرر الخطير والأبدي.
الدافع الثاني: حاجة الإنسان إلى القانون:
إنّ الدين مشتملٌ على عقيدة وشريعةٍ، والشريعةُ مجموعةٌ من القوانين التي تَخصُّ الفرد والمجتمع، والإنسانُ لا غنى له عن القانون، ولذلك فإنّ المجتمعات غير المتدينة تضعُ لأنفسها قوانين؛ لأنّه لا يُمكن أن يُسيطَر على رغائب الشعوب أو أفراد الإنسان -رجالاً ونساءً- إلّا من خلال وضع القانون، وحاجةُ الإنسان إلى القانون تدفعه للبحث عن الدين؛ لأنّ الدين إذا ثبت أنهُ حقٌ فهو متكفلٌ لأَسلمِ القوانين وأكثرها وفاءً بحاجة الإنسان، فحاجة الإنسان إلى القانون تدفعه للبحث عن الدين.
الدافع الثالث: حاجة الإنسان إلى الملجأ الروحي:
فإنّ الإنسان في معترك هذه الحياة يجدُ أنّه محاطٌ بكثير من المخاطر التي تؤثّرُ على نفسه أو على مَن يهمه أَمره، كعائلته وأمواله وأمثال ذلك، وإحتفاف المهمّهات -النفس والأهل والأموال- عنده بالمخاطر يُوجبُ الخوف والحزن؛ فإنّ الإحتفاف بالمخاطر يُوجبُ الوقوع في الأضرار، ولحوق الأضرار يُوجب الحزن، وهذا اضطرابٌ نفسيٌ يعرض على الإنسان نتيجة وقوع الحوادث التي لا مفرّ منها، كما أنّ خوفه من هذه المخاطر يُوجبُ قلقاً واضطراباً لخصوص المستقبل ؛ لأنه يخشى على نفسه في المستقبل من وقوع ما يُهلكه أو يُهلك أولاده أو أمواله، والقلقُ والحزن لا يوجد ملجأٌ منهما إلّا الدين، فالدين يشكل الملجأ الروحي للإنسان.
وقد اتضح في هذه الأزمنة -خصوصاً بعد أن تطوّر علم النفس- أنّ الحاجات الأساسية للإنسان ليست مختصةً بالأكل والشرب وأمثال ذلك مما ذكره القدماء، بل توجدُ حاجات نفسانيةٌ ملحةٌ، والدينُ يشبعُ هذه الحاجات، فهذا دافعٌ ثالثٌ للإنسان لكي يبحث عن أصول الدين.
الدافع الرابع: حاجة المجتمع إلى القيم والمبادئ:
فإنّ القانون وإن كان يُسيطرُ على غرائز أفراد المجتمع، ولكنّ سييطرته محدودة؛ لأنّ الإنسان يتمكّنُ في بعض الظروف من أن يتخطّى القانون ويتجاوزه، فلا بُدّ من قيمٍ ومُثُل -تشكل في إصطلاح المحدثين الأنا الأعلى- حتى يُسَيطِرَ على غرائزه، وهذه القيم وإن كانت موجودةً في غالب المجتمعات، إلّا أنها موجودةٌ في الدين بالنحو التام الكامل، والمجتمع بحاجةٍ إلى القيم والمبادئ الصحيحة، فهو إذن محتاجٌ إلى البحث عن الدين ؛ لأنّ الدين يضمن له حامياً آخر غير القانون.
هذه دوافعٌ متعددة للبحث عن الدين، وهناك دافعٌ خامس.
الدافع الخامس: غريزة الإنسان المحبّة للعلم:
أودع اللهُ تبارك وتعالى في الإنسان حُبَّ المعرفة وحُبَّ العلم، والعلمُ غالباً شريفٌ بنفسه، وإنما نقول غالباً خلافاً للمصنّف([2])– لأنّ بعض العلوم لا شرف فيها ولا خير فيها كالسحر مثلاً والأنساب (أنساب العرب) بالنسبة لمن لا صلة له بالدين، وكأنساب غيرهم كجورباتشوف ومن ينتهي نسبهُ إليه، وعددُ أولاده، وأشعار العرب وما يتّصلُ بها- فإنّ هذه وجميع العلوم التي لا تَنْفعُ عالـِمَها ولا تَضُرُّ جاهلها، فإنّه صدودٌ لا خيرَ فيه، ولكنّ غالب العلوم شريفةً.
ويزدادُ شرفُ العلم بشرف موضوعه وبشرف غايته وبشرف كيفيّة الاستدلال فيه.
فأمّا شرف العلم بشرف موضوعه: فمثلُ شرف علم الإنسان بالنسبة إلى علم الحيوان، وشرف علم الحيوان بالنسبة إلى علم النبات، فإنّ شرف العلم الأول بالنسبة إلى الثاني بنسبة شرف الإنسان إلى الحيوان، وشرف الثاني إلى الثالث بنسبة شرف الحيوان بالنسبة إلى النبات. وأمّا شرف العلم بشرف غايته فمثل شرف العلم الباحث عن سلامة بدن الإنسان كالطب بالنسبة إلى شرف العلم الباحث عن سلامة بدن الحيوان كالبيطرة. وأمّا شرف العلم بحسب كيفية الاستدلال فيه، فإن العلم الذي تكونُ نتائجه مبنيّة على استدلالات مفيدة لليقين أشرف من العلم الذي يكون مبنياً على استدلالات مفيدة للظن.
وكيف كان فالدافعُ الخامسُ للبحث والنظر والمعرفة في أصول الدين هو كونُ أصول الدين عِلماً، والنَفْسُ قد أُودع فيها حُبّ العلم، فكيف وقد امتاز هذا العلم – علم أصول الدين- عن سائر العلوم بمزايا وصار أشرف من جميع العلوم من الجهات الثلاث:
أمّا من جهة الموضوع، فلأنّ موضوع اصول الدين الله تبارك وتعالى، وأمّا من جهة الغاية فلأن الغاية منه أداء حق الله أو دخول الجنة، وكلاهما أشرف الغايات، فإنّ الأول أداءٌ للواجب بل لأعلى الواجبات والثاني حصولٌ على السعادة الأبديّة. وأما الشرف من ناحية كيفيّة الاستدلال فلأن الاستدلال في هذا العلم لا يكونُ إلّا باليقين.
هذا بالنسبة للعنوان الأول بحسب وضعنا، وأمّا بالنسبة للعنوان الثاني وهو:
العنوان الثاني: شرط إثمار البحث عن أصول الدين.
فقد ذكر المصنّفُ حفظه الله أنّ بُلوغ الغاية من هذا العلم وتحقق الثمرة مشروطٌ بشرطٍ مهمٍ وهو أنّ يؤتي الباحث في هذا العلم هذا العلم حقّهُ، وحَقُّ هذا العلم أن لا تجحد شيئاً لم تعلم بُطلانهُ، فمن شكّ في وجود الله، فلا يحق له أن ينفي وجود الله لأنّهُ شك في ذلك، بل يجبُ عليه أن يبحث لينتهي إلى اليقين، إثباتاً أو نفياً. وباعتبار أن الدلائل القطعيّة على وجود الله تبارك وتعالى كثيرةٌ ومحتفّةٌ بحياة الفرد بما في ذلك الإنسان الذي يعيشُ في صومعةٍ، فالدلائل على وجود الله المحتفه به كثيرةٌ لا حصر لها، ومن يجاهد لمعرفة أصول الدين يهديه الله تبارك وتعالى، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: 69] ، هذا بحسب استشهاد المصنف حفظه الله، وأمّا معنى هذه الآية فإنّ فيه كلام طويلٌ بين المفسرين، لعلنا نتطرق له في مناسبةٍ أخرى.
وأمّا طرق الوصول إلى الإيمان بالله، فنتركها إلى جلسة أخرى([3]).
كلمة للمقدّس الأردبيلي رحمه الله فيها بشارة للمؤمنين ([4]):
قال المقدّس الأردبيلي رحمه الله في مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان ([5]):
"ولنختم بحث الميّت بخبرين فيهما بشارةٌ لولي على عليه السلام– يعني للشيعة- ، أحدهما ما في رواية زيد الشحام ، قال: سُئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجلٍ ونحن عنده – مثلاً قال بعض الجالسين لبعضٍ ما خبرُ فلان، والإمام عليه السلام يسمع، أو سُئل أبوعبدالله الصادق عليه السلام أين فلان أو ما خبره- فقيل له: مات، فترحم عليه وقال فيه خيراً ، فقال رجلٌ من القوم : لي عليه دنينيرات – أي أنّ هذا الذي تترحمُ عليه مدينٌ لي ولم يُسدّد ديني- فغلبني عليها – أي لم يعطني إياها - وسمّاها يسيرة! قال: فاستبان ذلك في وجه أبي عبد الله عليه السلام- أي أنّ الإمام الصادق عليه السلام قد بانَ عليه الغضب؛ لأنّ ذلك المؤمن قد مات وهذا الرجلُ يُفكر في الدنانير والمفروض أن لا يتعامل مع أخيه المؤمن بهذه الطريقة والروحيّة- فقال: أترى الله يأخذُ وليّ عليٍّ عليه السلام فيلقيه في النار فيعذبه من أجل ذهبك؟ قال: فقال الرجل: هو في حِل جعلني الله فداك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أفلا كان ذلك قبل الآن؟! -يعني كان ينبغي أن تحلل هذا المؤمن دون أن تنتظر كلامي معك بالأمر؛ فهذا من شيعة علي (ع) وكان ينبغي أن تُفَكّر في مكانة هذا الرجل من علي عليه السلام وأن تعفو عنه وأن تُحلّه لذلك، لا لأجل أنني كلمتك الآن- وفيه لطيفة أنّه عليه السلام صار سببا لبراءة ذمة وليه (ع)".
انتبهوا .. المقدّس الأردبيلي أحد الفقهاء العظام، ولا يَستدلُّ بهذه الرواية وفيها ما قد يُوهمُ أنّ الله سبحانه يتجاوز عن حقوق الناس، بحيث أنّ هذا الذي هو مدينٌ لمؤمنٍ بدنينيرات يدخلُ الجنة من غير أن يؤخذَ حقُّ المؤمن الذي أقرضهُ، قال: "وفيه لطيفة أنّه عليه السلام صار سببا لبراءة ذمّة وليه (ع)".
لاحظوا كيف يَفهم المقدّس الأردبيلي من هذه الرواية أنّ الامام عليه السلام لم يقل أنّ الله لا يُدخل النار شيعياً من أجل حقّ الناس، بل قال: "أترى الله يأخذُ وليّ عليٍّ عليه السلام فيُلقيه في النار فيعذبه من أجل ذهبك؟" فتأمّلّ الرجلُ وقال: "هو في حل"، يعني بعد أن تُحلله لا يدخل النار.
ثم أضاف رحمهُ الله:
"والآخرُ ما رواهُ في الصحيح عن أبي شبل، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من أَحبّكم على ما أنتم عليه دخل الجنة- يعني من لم يكن من الشيعة ويُحبُّ الشيعة على ما هم عليه، ملتفتاً إلى هذه الصفة فيهم، فإنّه يدخل الجنّة- وإن لم يقل كما تقولون"، أي: وإن لم يَقُل أنّ علياً هو الإمام" وفيه مدحٌ عظيمٌ وبشارةٌ جليلة."
والظاهر من هذه الرواية أنّ المحبوب ليس فرداً من الشيعة-لم يقل من أحبّ أحدكم أو من أحبّ واحداً منكم- بل من أحبّكم، ومثل هذه النماذج موجودةٌ، ولا تستغربوا، فهنالك أناسٌ من السنّة لا يقولون بمقالتنا، ولكنّهم يحبّون الشيعة كما هم.
على كل .. نحن كنا بصدد أن الوعد بدخول الجنّة خاصٌ بالشيعة ولكن قد يدخل الجنّة غير الشيعي، وهذا منهم.
قال المقدّس الأردبيلي رحمه الله: "وفيه مدحٌ عظيمٌ وبشارةٌ جليلةٌ، ويٌفهم جواز الدعاء لغير المؤمن المحب، فيجوزُ تعزيته، وغيرها، وهما في أواخر الجزء الأول من تهذيب الشيخ قدس الله روحه".
المقدّس الأردبيلي يكتب كتاباً في الفقه، وهذه الروايات غير مرتبطة بالفقه ولكنّه بعد أن ذكر هذين الخبرين، أحسّ ببردٍ في قلبه، فقال:
"ولنثلث بما نُقل عن كتاب بشارة المصطفى لشيعة علي المرتضى، تصنيف الإمام العالم العامل الزاهد الورع التقي النقي ابن طاوس الحسيني رَوّح الله روحه العزيزة بحذف الإسناد: قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام فرحاً مسروراً مستبشراً، فسلّم عليه، فردّ عليه السلام، فقال عليٌ عليه السلام: يا رسول الله (ص) ما رأيتك أقبلت عليّ مثل هذا اليوم؟ فقال: حبيبي جئتُ أبشّرك، اعلم أنّ في هذه الساعة نزل علي جبرئيل (ع) وقال: الحقُّ يقرأك السلام، ويقول لك بشّر عليا: أنَّ شيعته الصالح والعاصي من أَهل الجنة، فلمّا سَمِع مقالته خَرّ لله ساجداً ورفع يديه إلى السماء، ثم قال: أُشهدُ الله على أنى قد وهبت لشيعتي نصف حسناتي، فقالت فاطمة (ع): يا ربّ أشهد إنّى قد وهبت لشيعة علي نصف حسناتي، فقال الحسن والحسين كذلك، فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله: ما أنتم بأكرم منى، اشهد عليّ يا رب، أنّى قد وهبتُ لشيعة علي نصف حسناتي، قال : فأوحى الله عز وجل الى رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أنتم بأكرم مني، إنّى قد غفرت لشيعة علي ومحبيه ذنوبهم جميعا"
جعلنا الله وإياكم من شيعة علي عليه السلام ومحبيه، بمحمد نبيّه وعلي وليّه والأئمة أوليائه، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ولا يُتوهم أن في هذا الحديث إغراءً بالمعاصي، معاذ الله فرسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي جاء بهذا الشرع، وهو أبرُّ على الله من أنْ يحرّض على معصيةٍ أو يغري بذنبٍ، ولكنّ هذه البشارة لا يضمن سامعها ممن كان من شيعة علي عليه السلام أنّها شاملةً له؛ لأنّه لا يضمن أن يموت على التشيع.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُثبتنا على هذا الدين وإن مما يُوجب زلل القدم كثرة الذنوب، فإنّ لبعض الذنوب خصائص وبعض الذنوب توجبُ موت الإنسان على غير هذا الدين، ونذكر من أجل المثال – وليس من أجل الحصر- من وَجَبَ عليه الحجّ فلم يحجّ، فإنّه قد ورد في الروايات أنّهُ لا يموت على الإسلام، بل يُقال له عند الموت: أنت لا تموت على الإسلام، مُت إن شئت يهودياً أو نصرانياً، وهذا في حق واحدٍ من الذنوب وهنالك ذنوبٌ أخرى، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يَعصمنا وإياكم منها، وأن يُثبّتنا على دينه، إنّه ولي ذلك والقادرُ عليه بمحمد وآله صلى الله عليه وآله.
--------------------------------------------------
([1]) راجع نهاية الأفكار ج 3 ص 236 وما بعدها للمحقق العراقي، تقرير الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي.
([2]) ذكر الشيخ الوحيدُ دام ظلّه أن "كلّ علمٍ وأن كان شريفاً بذاته إلا أنّ مراتب العلوم متفاوتة بسبب عدّة أمور كموضوع العلم، ونتيجته، ونوع الاستدلال فيه". مقدمة في أصول الدين، ص 11
([3]) إلى هنا ينتهي الدرسُ الأول من شرح الشيخ حفظه الله لكتاب مقدمة في أصول الدين، وما جاء بعدهُ هو تتمة لحديث سابقٍ للشيخ حفظه الله وعد الشيخُ حفظه الله به، ونظراً لقيمة محتواه فقد أوردناه كما ذكره الشيخ حفظه الله.
([4]) إفتتح الشيخُ حفظه الله هذا المبحث بذكر نكتة حول الإستعانة ببعض المفاتيح للإسترجاع النصوص فقال:
لطيفة حول مفاتيح التنقيب في الذاكرة:
بالنسبة للحديثين الذين وعدنا بهما بالأمس، قرائتي لهذين الحديثين قديمةٌ – ربّما تزيدُ على عشر سنوات- وبقيتُ أحاول إسترجاع كلمتين من واحدٍ من هذين الحديثين فلم أتمكّن، وحاولتُ أَنْ أسترجع عن مكان حديث المقدّس الأردبيلي رحمه الله عن هذين الحديثين، فتذكرتُ أنّه ذكر هذين الحديثين في بحثٍ فقهي يرتبطُ بالدفن، فرجعتُ بحث الدفن فلم أعثر على هذين الحديثين، ثم قلت في نفسي لا بد أنه ذكر هذين الحديثين تحت عنوان إستطرادي بعنوان مثلاً ولنختم الكلام/ البحث/ هذا البحث إلى غير ذلك، فرجعت إلى هذه العناوين الاستطرادية فوقفت عليهما بحمد الله، وأنا ذكرت هذه الحكاية من أجل أن تعرفوا مفتاحاً لاسترجاع بعض ما تنسونه.
([5]) مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، للشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ] ج 2 ص 514