انتشرت تسجيل لبعض الناس يعترض فيه على رأي السيد الخوئي في حجية خبر الواحد .
وقد اشتمل هذا التسجيل على الاعتراض المشار اليه ، كما اشتمل أمور غير لائقة كثيرة .
ونحن نشير الى بعض هذه الأمور على سبيل الايجاز .
أما سبب تعرضنا لهذه الأمور غير اللائقة : فـ (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ، وتثبيتا لقلوب المؤمنين .
وأما سبب الإيجاز : فلأن هذه الأمور مما ينبغي إذا مررنا به أن نمر بها كراما .
ونجيب عن الاعتراض على وجه التفصيل .
أما الأمور غير اللائقة فإليك بعضها :
الأمر الأول :هو : الخفة والخروج عن الوقار
وتعليقنا : إن أول حديث رواه ثقة الاسلام الكليني في باب : صفة العلماء هو صحيح معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم.
الأمر الثاني :هو : السخرية بآراء العلماء ، والاستهزاء بمقالاتهم .
وتعليقنا : إذا صح استعمال السخرية في المناظرات مع من يخالفك في المعتقد لتبكيته وقطعه ، فلا يصح استعمالها في الأبحاث العلمية مع أهل المعتقد الواحد بوجه .
الأمر الثالث :هو : السخرية ببيانات التضليل والانحراف .
ولنا على هذا ملاحظات :
الملاحظة الأولى :
إذا كان المستهزيء يخاف أن يظلمه العلماء ، وأن يصدروا في حقه بيانات تعلن ضلاله وانحرافه من دون أن يقول مقالا فيه ضلال فنقول له :
كن مطمئنا ، إن العلماء لن يظلموك ، ولن يصدروا في حقك بيان تضليل إلا إذا صدرت عنك مقالة فيها ضلال .
بل في الغالب يتريث العلماء في حق من صدرت عنه مقالات ضالة لئلا تأخذه العزة بالإثم ، ولئلا يسقط من أعين الناس ، ولعله يتوب ، فيلقى القبول عند الناس .
وعلماؤنا أخوف من الله تعالى من أن يظلموا عبدا من عباده بإصدار بيان فيه تضليل لا يستحقه .
الملاحظة الثانية :
إذا كان المستهزيء يظن أنه باستهزائه ببيانات التضليل سوف يمنع العلماء من اصدار بيان في ضلاله إذا رأوا منه ضلالا بواحا ، ولم يترك لنفسه مجالا للتوبة فنقول له :
إن العلماء كفلاء أيتام آل محمد ، وهم حراس العقيدة ، وحماة الدين ، وليسوا رجال سياسة حتى يؤثر فيهم الضغط ، أو تحرق أوراقهم بالاعلان عنها قبل صدورها .
فكن مطمئنا إنهم إذا رأوا منك ضلالا بينا فسوف يعطونك فرصة للتوبة ، فإذا يئسوا من توبتك فسوف يصدرون فيك ما تبرأ به ذممهم ، ويرضوا به ربهم .
الملاحظة الثالثة :
إذا كان المستهزيء ببيانات التضليل يظن أنه بسخريته من هذه البيانات سيؤثر في قبول المؤمنين لبيانات العلماء ، وسوف يوهن من كلمة مراجع الدين في نفوس المؤمنين ، فلا يستجيب المؤمنون بعد سخريه لما يصدر عن مراجع الدين من بيان في تضليله ، فنقول له :
إن غيرك قد حاول قبلك أن يزعزع ثقة الناس بمراجع الدين ، وكان أكثر منك مالا ، وأعز نفرا ، وما بلغوا شأوا .فكن مطمئنا أن الناس ينتظرون في أمرك كلمة واحدة من أحد مراجع الدين ليطيروا بها ، وبعدها لن تقوم لك قائمة .وانظر الى مكانك قبل أن تسيء الأدب مع السيد الخوئي عند الناس ومكانك عندهم بعدما أسأت الأدب معه واعتبر بما جرى لك ، وانظر كيف أعرض عنك الناس بعدها .مع أن السيد الخوئي لم يقل فيك مقالا ، ولم يصدر في حقك بيانا .
الأمر الرابع :الافتراء على الحوزة العلمية .
فقد قال المعترض : إن الحوزة العلمية تضع خطوطا حمراء على البحث عن وجود الحجة (عج) .
وتعليقنا : إن هذه محاربة للحوزة العلمية ، ولكنها محاربة بسلاح غير نزيه . فإن هذا القول افتراء وقح ، وكذب بين . وكذبه مفضوح عند عامة الناس . فإن القنوات الفضائية قد بثت عدة برامج حول هذه المسألة . والخطباء يتحدثون عنها على المنابر . وكتبت فيها في السنوات العشر الأخيرة عدة كتب . ومنتديات الشيعة على النت مليئة بالأبحاث عنها .
والذين يتحدثون عن هذه المسألة في القنوات الفضائية ، وعلى المنابر هم أبناء الحوزة . كما إن الذين كتبوا الكتب ، وكتبوا في المنتديات كثير منهم من أبناء الحوزة العلمية .فكيف يكون على الحديث عن هذه المسألة خط أحمر في الحوزة ونجد لها كل هذا الظهور ؟!
الأمر الخامس هو : ايهام السامعين أن الدليل على وجود الامام المهدي عج ضعيف، فقد تكلم المعترض عن روايات ولادة الامام المهدي عج التى روى الشيخ الكليني بعضا منها في الكافي ، فبلغت واحدة وثلاثين رواية ، ثم نقل تضعيف المجلسي لكثير منها ، وتصحيحه لسبع روايات أو ثمان منها .
وهذا خلط بين مسألتين ، أو تعمد التلبيس على الناس بين مسألتين :
المسألة الأولى : الروايات الواردة في ولادة الامام المهدي عجّل الله فرجه .
المسألة الثانية : الدليل على وجود الامام المهدي عج بعد شهادة الامام العسكري عليه السلام .
والمسألة الأولى تاريخية ولا يجب الاعتقاد أن الامام (عج) دعا للقاسم بن العلاء أن يبقى له ولد ، ولا يلزم الاعتقاد أنه ورد استيناف من الصاحب لإجراء أبي الحسن وصاحبه .ولا يسأل عنها العبد في قبر ولا حشر .
والمسألة الثانية عقدية: فإن من إمامة الإثني عشر من أصول الاعتقادات عند الشيعة ، والثاني عشر منهم هو ولد الامام العسكري الذي مضى في سنة 254 هـ .
وأن إمامتهم لا يخلو منها زمان بعد رسول الله صلى الله لعيه واله . ومن أنكر اتصال امامتهم ، وزعم انقطاع الامامة الى أن يولد الامام المهدي في آخر الزمان ، فليس اماميا .
والأدلة على وجود الامام الثاني عشر ، وامامته من زمن شهادة الامام العسكري كثيرة جدا ، من العقل ، والنقل .
ويكفي من النقل :
حديث الائمة اثنا عشر وحديث الثقلين وحديث ميتة الجاهلية.
فإنها أحاديث قطعية ، وليس لها تطبيق مقبول إلا على معتقد الامامية الاثني عشرية أنار الله برهانهم .
ومن تلك الأدلة :
الروايات التي تربو على ثلاثين رواية في باب مولد الصاحب ، فإنها روايات لها مضامين متعددة ، إلا أنها تشترك في الدلالة على أنه عج قد ولد .
ودلالتها على ذلك ليست من دلالة الآحاد ، بل هي محفوفة بالقرينة القطعية التي تشهد بصدقها ، من العقل والنقل، ولو جحد جاحد هذه القرينة ، فلا أقل من أن عددها الكثير يوجب تواترا ولو جحد التواتر فلا سبيل الى جحود الاستفاضة، ولو تجرأ وعاند وجحد الاستفاضة فهي محفوفة بقرينة توجب الاطمئنان بصدورها، وعلى جميع هذه التقادير تخرج عن أخبار الآحاد .
وأما اعتراض المعترض على ما سماه (المنهج السندي) :
فنقول : إن هذا الكلام مبني على وهم واضح ، وجهل فاضح أو تلبيس وتدليس .
بيان ذلك :
أن قائل هذه المقولة قد أوهم من لا معرفة له بقواعد الاستدلال ، وصناعة البحث والاحتجاج :
أن شرط السيد الخوئي في العمل بأي رواية هو (أن يكون رواة الرواية ممن مدحهم علماء الرجال ).
وهذا خطأ لا يقع فيه صغار الطلاب ، بل لا يقع فيه الشباب المثقفون ثقافة ابتدائية، فإن الأخبار على أقسام :
1 - : الأخبار المتواترة .
وهي الأخبار التي ينقلها أناس كثيرون ، بحيث لا نحتمل اتفاقهم على اختلاق الخبر ، ولا نحتمل مصادفة وقوعهم جميعا في الخطأ .
2 - : الأخبار المحفوفة بالقرينة القطعية.وهي قسمان :
القسم الأول : ما دل الدليل على صدق مخبرها مطلقا .وهي الأخبار التي دل الدليل على صدقها .
كأخبار الأنبياء والملائكة .
فالخبر الذي يأتينا به الأنبياء نجزم أنه حق ، ونتيقن بصدقه ، مع أن المخبر به شخص واحد ، لكنه في الاصطلاح لا يعد من أخبار الآحاد .
وما ذاك إلا لأجل أن القرينة قد دلت على صدق الخبر ، وتلك القرينة هل المعجزة الدالة على صدق النبي .
والقسم الثاني : ما دل الدليل على صدق الخبر بذاته ، مع قطع النظر عن مخبره .
3 - : الأخبار المستفيضة .
4 - : الأخبار المحفوفة بالقرينة المفيدة للوثوق بصدقه .
وهي الأخبار التي يوجد شاهد يفيد الاطمئنان بصدقها ، وسكون النفس الى صحتها .والاطمئنان والوثوق وسكون النفس والقناعة مرتبة عالية جدا من الظن ، لا تصل الى حد اليقين ، ولكن الاحتمال المخالف احتمال موهوم جدا ، لا يعتني به العقلاء ، ولا يراعونه في سلوكهم، ولذا سمي الاطمئنان بالعلم العادي ، لأن العقلاء يتعاملون معه كما يتعاملون مع العلم .
ويهملون الاحتمال الآخر ، فوجوده كعدمه عندهم .
وهذه الأقسام حكمها واحد عند المحققين من علماء الأصول، ولا يخالف السيد الخوئي ره فيها رأي المشهور .
5 - : أخبار الآحاد .
وهي الأخبار التي اجتمع فيها شرطان :
1 - : عدد رواتها واحد او اثنان مثلا ، فليست بمتواترة ولا مستفيضة .
2 - : كانت خالية من القرينة المفيدة لليقين أو الوثوق بصدقها .
وأخبار الآحاد هذه هي التي وقع فيها الخلاف بين السيد الخوئي وجماعة وبين المشهور من علمائنا . فالسيد الخوئي يرى حجية هذا القسم الخامس من الأخبار ، ولكن بشرط أن يكون سندها متصلا ، ورواتها ثقات .
والمشهور عند علمائنا عدم حجية هذا القسم الخامس من الأخبار .
فاتضح من هذا :
أن منهج السيد الخوئي على التحقيق أوسع من المنهج المشهور عند علمائنا .لأن السيد الخوئي يصحح الرواية إذا كان سندها متصلا ، وكان رواتها ممن زكاهم علماء الرجال، وتصحيحه لهذه الرواية بسبب تزكية علماء الرجال لرواتها، وأما المشهور فإنهم لا يصححونها ، بل يلاحظون القرائن التي تحف بها ، فإن اطمئنت نفوسهم بصحتها صححوها ، وإلا لم يصححوها .
وقد اتضح لك مما بيناه أن الرواية اذا متواترة أو محفوفة بقرينة قطعية : فهي حجة عند جميع علماء الأصول ، ولا يطلب فيها السند ، ولا ينظر الى أسانيدها .
وإذا كانت مستفيضة أو محفوفة بقرينة تفيد الوثوق : فهي أيضا حجة عند جميع علماء الأصول ، السيد الخوئي وغيره ، ولا ينظر الى أسانيدها أيضا .
والسيد الخوئي ره لا يشترط في حجية هذه الأقسام الأربعة صحة السند .
ورأيه فيها موافق لرأي غيره من المحققين من علماء أصول الفقه من أتباع أهل البيت ومخالفيهم .
وإليك بعض عبارات السيد الخوئي المبينة لذلك :
قال في ج 7 من التنقيح :
على ان في الاخبار الواردة في الرياء مضافا إلى دلالتها على حرمته دلالة واضحة على بطلان العمل المأتى به رياءا، وانه مردود إلى من عمل له وغير مقبول، وفي بعضها ان الله سبحانه يأمر به ليجعل في سجين، إلى غير ذلك من الاخبار، وهذه الاخبار وان كان أغلبها ضعيفة إلا أن استفاضتها بل الاطمئنان بصدور بعضها - لو لم ندع العلم - كافية في الحكم باعتبارها، على أن بعضها معتبرة في نفسه
وقال :
ولكن الصحيح كفاية الاطمئنان بالزوال لانه يقين عقلائي ويطلق عليه اليقين في لسان اهل المحاورة والعامة كما انه يفين بحسب اللغة لان اليقين من يقن بمعنى سكن وثبت كما ان الاطمئنان بمعنى سكن واستقر فهو يقين لغة وعرفا وان كان بحسب الاصطلاح لا يطلق عليه اليقين فمع حصوله يرفع اليد عن اليقين السابق لا محالة
وقال في ج 9 من التنقيح :
وقد علل المحقق الهمداني (قده) الاستدلال بتلكم الروايات بأنها مستفيضة الرواية. (وفيه): ان الرواية المستفيضة هي التي توجب اقل مراتب الاطمئنان بصدور ها عن المعصوم (ع)، ومع انحصار الرواية في ثلاثة أو اربعة وكلها ضعاف كيف تكون الرواية مستفيضة وموجبة للاطمئنان بصدورها.
وقال :الاطمئنان كالعلم: (1) هل الاطمئنان ملحق بالعلم فيما ذكرناه أو لا يترتب أثر عليه؟. الصحيح هو الاول لان الاطمئنان أمر يعتمد عليه العقلاء ولم يرد في شئ من النصوص ردع عن العمل به ولا يحتمل أن تكون الادلة ل الناهية عن العمل بالظن رادعة عنه لانه، لا يطلب الظن على الاطمئنان لدى العرف قطعا، نعم الظن لا يعتمد عليه لانه ليس له اثر يترتب عليه مثل الشك كما انه بمعنى الشك لغة.
وقال في المستند :
في حكم ثبوت الكسوف والخسوف بإخبار الرصدي :
واما الثبوت باخبار الرصدي مع حصول الاطمئنان بصدقه فقد استشكل فيه في المتن لكن الاشكال في غير محله بعد فرض حصول
الاطمئنان الذي هو حجة عقلائية كالقطع. نعم التعويل حينئذ انما هو على الاطمئنان الحاصل من قوله لا على قوله بما هو كذلك. اللهم الا ان يكون مراده حصول الاطمئنان بصدق المخبر لا بصدق الخير كما لو كان الرصدي مأمونا عن الكذب فجزمنا بكونه صادقا في اخباره ومع ذلك لم نطمئن بصدق الخبر لاحتمال خطأه وعدم اصابته للواقع فكنا بالنسبة إلى وقوع الكسوف خارجا في شك وترديد وان كنا مطمئنين في صدقه عما يخبر بمقتضى القواعد النجومية فانه يشكل الاعتماد حينئذ على قوله لعدم الدليل على حجية الاخبار الحدسي في الامر الحسي، والرجوع إلى اهل الخبرة يختص بالامور الحدسية دون الحسية كما في المقام. وعلى الجملة: إذا حصل الاطمئنان من قول الرصدي بوقوع الكسوف خارجا كما لو كان الشخص محبوسا في مكان لا يتيسر له استعلام الكسوف وكان عنده رصدي اخبر بذلك، أو كان الشخص بنفسه رصديا فلا ريب في وجوب الصلاة حينئذ عملا بالاطمئنان الذي هو حجة عقلائية كما عرفت، والا فمجرد الاطمئنان بصدق المخبر مع الترديد في الوقوع الخارجي لا اثر له لعدم الاكتفاء في الموضوع الحسي باخبار مستند إلى الحدس.
وقال :
[ (مسألة 15): إذا اخبر جماعة غير معلومين بالعدالة بعدالته وحصل الاطمئنان (1) كفى بل يكفي الاطمئنان إذا حصل من شهادة عدل واحد، وكذا إذا حصل من اقتداء عدلين به، أو من اقتداء جماعة مجهولين به، والحاصل انه يكفي الوثوق والاطمئنان للشخص من اي وجه حصل بشرط كونه من اهل الفهم والخبرة والبصيرة والمعرفة بالمسائل لا من الجهال، ولا ممن يحصل له الاطمئنان والوثوق بأدنى شئ كغالب الناس. ] كما افاده في المتن. (1) لا ريب في كفاية الوثوق والاطمئنان الذي هو حجة عقلائية لكن الماتن قيده بأمرين احدهما أن يكون من حصل له الوثوق الشخصي من اهل الفهم والخبرة والبصيرة المعرفة بالمسائل. ثانيهما ان لا يكون ممن يحصل له الاطمئنان والوثوق بأدنى شئ. اقول: اما القيد الثاني ففي محله فان المستند في حجية الوثوق الشخصي انما هي السيرة العقلائية وهي خاصة بما إذا تحصل الوثوق من السبب العادي المتعارف الذي يراه العرف موجبا لذلك دون ما لم يكن كذلك كما لو حصل له الوثوق بعدالة زيد أو فضله من قلة أكله أو كبر عمامته ونحو ذلك مما لا يراه العقلاء منشأ للوثوق، بل ربما يلام ويستهزء من ادعاه مستندا إلى هذا الامور، بل قيل ان القطع لا يكون حجة إذا استند إلى سبب غير عادي فضلا عن الوثوق، وان كان هذا ممنوعا جدا لحجية القطع الطريقي مطلقا كما تبين في الاصول. واما القيد الاول فلم نعرف له وجها ابدا، إذ لا فرق في السيرة القائمة على حجية الوثوق الناشئ من السبب العادي بين ان يكون صاحبه من اهل الفهم والخبرة ام من الجهة السفلة، فلو رأى الجاهل جماعة من ذوي الفضل وان لم يعلم عدالتهم يأتمون بشخص فحصل له الوثوق بعدالته وفرضنا ان هدا سبب عادي لدى نوع اهل العرف فلا قصور في شمول السيرة للوثوق الحاصل لمثل هذا الشخص وان لم يكن من اهل الخبرة والفضل.
وقال في المستند ج 8 :
لا عبرة بالظن، فانه لا يغني عن الحق شيئا، بعد ان لم يقم دليل على اعتباره، فهو ملحق بالشك في كونه موردا للاصل إلا إذا بلغ الظن من القوة مرتبة الاطمئنان المعبر عنه بالعلم العادي، بحيث يكون احتمال الخلاف موهوما لا يلتفت إليه العقلاء، فان الاطمئنان حجة عقلائية قاطعة للعذر كما لا يخفي.
وقال في الخمس :
في حكم دعوى الانتساب الى هاشم :
هذه الدعوى كغيرها من الدعاوي تحتاج إلى ثبوت شرعي بالبينة أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان بصدق دعواه
وقال في الحج :
اللازم تحصيل الحجة كخبر الثقة أو الاطمئنان ولا تتوقف حجيتهما على عدم التمكن من العلم، ولو فرضنا عدم حجية خبر الثقة، وقول اهل الخبرة فلا يجوز العمل بالظن مطلقا حتى إذا لم يتمكن من تحصيل العلم فلابد حينئذ من أن يمضي إلى ميقات آخر أو ينذر الاحرام قبل الميقات فان عدم التمكن من العلم لا يوجب حجية ما لاحجية له.
وقال في مصباح الفقاهة :
المناط في جواز الاخبار عن الغائبات في مستقبل الزمان إنما هو حصول الاطمئنان بوقوع المخبر به كما عرفت. وعليه فلا فرق بين الرمل والجفر وغيرهما من موجبات الاطمئنان.
وقال في مصباح الأصول :
فالمتبع في توسعة موضوع الحجية وضيقه هي السيرة وقد تقدم أن السيرة لم تقم على العمل بخبر الضعيف. نعم الخبر الموجب للوثوق والاطمئنان الشخصي يجب العمل به وإن كان ضعيفا في نفسه. وليس ذلك لاجل حجية الخبر الضعيف، بل لان الاطمئنان المعبر عنه بالعلم العادي حجة وإن كان حاصلا مما لا يكون حجة في نفسه كخبر الفاسق أو خبر الصبي مثلا.
وقال :
نعم إذا تسالم جميع الفقهاء على حكم مخالف للخبر الصحيح أو الموثق في نفسه، يحصل لنا العلم أو الاطمئنان بأن هذا الخبر لم يصدر من المعصوم عليه السلام أو صدر عن تقية فيسقط الخبر المذكور عن الحجية لا محالة، كما تقدمت الاشارة إليه
وقال :
(الامر الثاني) - ان الظن الذي لم يقم على حجيته دليل هل يجبر به ضعف السند أو الدلالة بحيث لولاه لم يكن حجة ام لا ؟ وهل يوهن به السند أو الدلالة بحيث لو قام على خلافه يسقط عن الحجية أم لا ؟ وهل يرجح به احد المتعارضين على الآخر ام لا ؟ فيقع الكلام في هذه الجهات الثلاث: (اما الكلام في الجهة الاولى) فهو ان المعروف المشهور بينهم انجبار ضعف السند بعمل المشهور، مع ان الشهرة في نفسها لا تكون حجة. واختاره صاحب الكفاية (ره) وذكر في وجهه ان الخبر الضعيف وان لم يكن حجة في نفسه، الا ان عمل المشهور به يوجب الوثوق بصدوره، ويدخل بذلك في موضوع الحجية. اقول: ان كان مراده ان عمل المشهور يوجب الاطمئنان الشخصي بصدور الخبر، فالكبرى وان كان صحيحة إذ الاطمئنان الشخصي حجة ببناء العقلاء، فانه علم عادي، ولذا لا تشمله ادلة المنع عن العمل بالظن، لكن الصغرى ممنوعة، إذ ربما لا يحصل الاطمئنان الشخصي من عمل المشهور. وان كان مراده ان عمل المشهور يوجب الاطمئنان النوعي، فما ذكره غير تام صغرى وكبرى (اما الصغرى) فلانه لا يحصل الاطمئنان بصدور الخبر الضعيف لنوع الناس من عمل المشهور. و (اما الكبرى) فلانه على تقدير حصول الاطمئنان النوعي لا دليل على حجية مع فرض عدم حصول الاطمئنان الشخصي. ولم يثبت ذلك بدليل، انما الثابت - بسيرة العقلاء وبعض الآيات الشريفة والروايات التي تقدم ذكرها - حجية خبر الثقة الذي يحصل الوثوق النوعي بوثاقة الراوي، بمعنى كونه محترزا عن الكذب، لا حجية خبر الضعيف الذي يحصل الوثوق النوعي بصدقه ومطابقته للواقع من عمل المشهور، بل لا دليل على حجية خبر الضعيف الذي يحصل منه اليقين النوعي بصدقه في فرض عدم حصول اليقين
الشخصي ولا الاطئنان الشخصي. (وبالجملة) لا بد في حجية الخبر إما من الوثوق النوعي بوثاقة الراوي أو الوثوق الشخصي بصدق الخبر ومطابقته للواقع، ولو من جهة عمل المشهور لا من جهة وثاقة الراوي واما مع انتفاء كلا الامرين فلم يدل دليل على حجيته ولو مع حصول الوثوق النوعي، بل اليقين النوعي بصدقه.
وقال :
(الكلام في ما يتوقف عليه الاجتهاد)
وأما علم الرجال، فان قلنا بأن الملاك في جواز العمل بالرواية هو الاطمئنان بصدورها عن المعصوم (ع) وأنه يحصل بعمل المشهور بها وإن كانت رواتها غير موثوق بهم، وأن اعراضهم عنها يوجب الاطمئنان بعدم صدورها وإن كانت رواتها موثوقا بهم، فتقل الحاجة الى علم الرجال، إذ بناء عليه يكون الملاك في جواز العمل بالرواية وعدمه هو عمل المشهور بها وعدمه، فان عمل الاصحاب بالرواية وعدمه يظهر من نفس كتب الفقه، بلا حاجة الى علم الرجال. نعم في الموارد التي لم يحرز عمل المشهور بالرواية ولا إعراضهم عنها، كما إذا كانت المسألة غير معنونة في كلامهم، لابد في العمل بها من معرفة رواة الحديث ليحصل الاطمئنان بوثاقتهم.
وأما إن قلنا بأن الملاك في جواز العمل بالرواية إنما هو ثبوت وثاقة رواتها، وأنه لا عبرة بعمل المشهور بها أو إعراضهم عنها، فحينئذ تكثر الحاجة الى علم الرجال واستعلام حال الرواة من حيث الوثاقة وعدمها. وقد بينا صحة القول الثاني عند التكلم في حجية أخبار الآحاد.
وقال في معجم رجال الحديث:
في ترجمة بريد بن معاوية ، حيث وردت فيه روايات تمدحه ، وروايات تذمه ، فقدم السيد الخوئي الروايات التي تمدحه ، وناقش في الروايات التي تذمه بمناقشات :
وثانيا : أن الروايات المادحة المشهورة معروفة لاريب في أنها صدرت من المعصوم عليه السلام ، ولا أقل من الاطمئنان بذلك ، فلا يعتني بمعارضة الشاذ النادر .
انتهى :
وهذا يدل على أنه يرى الوثوق بصدور الرواية ليس موجبا لحجيتها في نفسها وحسب ، بل هو موجب لطرح الرواية التي تعارضها .
صراط النجاة / الجزء الاول / صفحة [ 37 ]
سؤال 66: إذا أخبر الثقة بنجاسة شئ فهل يجب الاخذ بقوله، مع عدم الاطمئنان النفسي للمخبر؟.
الخوئي: نعم إذا كان ثقة كما فرض.
وليس الغرض من هذا الجواب :
أن نقول إن من ينكر وجود رواية منقولة بالسند الصحيح على شرط السيد الخوئي تخبر عن ولادة الامام المهدي عج فهو ينكر وجوده .
لأنه قد يثبت وجوده بالخبر المتواتر ، أو المحفوف بالقرينة القطعية ، أو المستفيضة ، أو المفيدة للوثوق .
ولا أن نقول : إن من يعترض على منهج السيد الخوئي فهو ضال منحرف ، فإن آراء السيد الخوئي رحمه الله لا يخلو منها بحث من الأبحاث العالية في أي حوزة علمية في أي بقعة من الأرض في هذا اليوم .
ومن يبين رأي السيد الخوئي فهو إما مشيد له أو مفند له ، ولا غضاضة في الاعتراض عليه.
ولا نقول : إن من نقض على منهج السيد الخوئي في تصحيح الروايات بأن لازمه عدم إمكان إثبات أمر متصل بأصول الدين فقد تنقص السيد الخوئي وأزرى به، فإن المناقشات العلمية منها نقضي ومنها حلي ، والمناقشات النقضية ليست إلا الزام القائل بما لا يلتزم به ، أو بما لا يمكن الالتزام به .
والسيد الخوئي نفسه ره ناقش استاذه المحقق الاصفهاني في قوله :
إن الحسن والقبح من التأديبات الصلاحية ، والقضايا المشهورة .
بأنه مستلزم لبطلان الشرائع ، وعدم إمكان إثبات صدق الأنبياء .
وإنما نقول :
إن من اعترض بهذا الاعتراض لم يعرف المنهج السندي ومورده، فإن مورد المنهج السندي ليس الخبر المتواتر ، ولا المستفيض ، ولا المحفوف بقرينة قطعية ، ولا مفيدة للوثوق .
فإن هذه الأخبار حجة عند أصحاب المنهج السندي وحجيتها من فروع حجية القطع ، وحجية الاطمئنان عندهم ، وإنما يلاحظون المنهج السندي في القسم الخامس من الروايات .
فالروايات التي نقض بها المعترض على منهج السيد الخوئي ليست موضوعا للمنهج السندي من رأس، فروايات ولادة الامام المهدي عج خارجة عن الشروط موضوعا . وأصحاب المنهج السندي لا يجرون تلك الشروط على الروايات المتواترة وما في حكمها .
ولعل منشأ الاشتباه هو ملاحظة أن أكثر الكتب التي تركها السيد الخوئي ره في الفقه الاستدلالي والروايات الواردة في الأحكام الشرعية في الغالب من القسم الخامس.وإن وجدت روايات من الأقسام الأربعة الأولى ، إلا أنها أقل من روايات القسم الخامس .
وحيث إن المدار في هذا القسم من الروايات على السند :
إما لموضوعيته عند السيد الخوئي ومن يوافقه في حجية خبر الثقة .
أو لطريقيته ، لأن وثاقة الرواة واتصال السند هي السبب الوثاقة بالصدور غالبا في روايات الفقه .فمن يقرأ كتب السيد الخوئي في الفقه يجده يقبل الرواية إن صح سندها ، ويردها إن لم يصح .
وإذا لم يكن القاريء خبيرا فإنه يتوهم أن سند الرواية هو مدار قبول الروايات مطلقا عند السيد الخوئي ، وأنه (ره) إذا صح السند أخذ بالرواية ولم ينظر في القرائن التي تشهد على كذب الرواية وإذا لم يصح طرح الرواية ولم ينظر في القرائن التي تشهد على كذبها .
وهذا كما قلنا وهم ناشيء من ملاحظة أحكام السيد الخوئي على روايات الفقه ، التي تخلو في الغالب عن قرائن الصدق والكذب .
ونحن وإن كنا لا نوافق السيد الخوئي في ذلك ، ونعتقد أن الكثير من روايات الفقه محفوف بالقرائن التي تشهد على صدقها أو كذبها، لكن الانصاف أن نسبة التعميم للسيد الخوئي ليس صحيحا .
نعم :
طريقة عرض النقد ، المشوبة بالسخرية والاستهزاء ، والايهام بأن الشيعة يمنعون من الحديث عن مسألة وجود الامام المهدي عج في الدروس الحوزوية والمنتديات العلمية ، ولا يمنعون من الحديث عن مسألة وجود الله تعالى .
إن أراد به شخصا لقيه من الشيعة ، فصاحب ذلك الرأي هو المسؤول عن رأيه وإن أراد به أن الحوزة تمنع هذا البحث بقرار رسمي أو غير رسمي ، فهذا لا صحة له، وقد صنفت كتب كثيرة في هذه المسألة وتحدث عنها كثير من الخطباء على منابرهم وبثت ذلك قنواتهم الفضائية ، ومنتديات الشيعة على النت تطفح بالبحوث في هذه المسألة ، وهذا يدل على أن الحديث عن هذه المسألة غير محظور .
فأين الخطوط الحمراء المزعومة ؟!!
كما إن تصوير النقض وكأنه اعتراض على الشيعة من المخالفين ، ويلزمهم الإجابة عنه، مع أنه اعتراض على منهج السيد الخوئي (ره) في قبول الروايات ، وليس اعتراضا على عقيدة الشيعة، هذا التصوير للنقض ليس صحيحا، وقد يفهم منه عامة السامعين معنى غير المقصود به ، خصوصا إذا وضع منفصلا عن سياقه، ولو كان الاعتراض صحيحا على منهج السيد ، وهو ليس بصحيح ، ولا يتفوه به من له أدنى معرفة بأصول الفقه ، أو بعلم الحديث شيعيا كان المعترض أو سنيا ، لأن صحة السند شرط في قبول أخبار الآحاد ، وأما الأخبار المتواترة والمستفيضة والمحفوفة بالقرائن القطعية ، أو المفيدة للوثوق فهي حجة وإن لم يكن سندها صحيحا ،وهذا شيء يعرفه حتى المبتدون في دراسة علم أصول الفقه ، أو علم الحديث .
فلو صح هذا الاعتراض فللشيعة أن يجيبوا بأن هذا منهج السيد الخوئي ، وليس منهج الشيعة عامة ولا يصح الاعتراض على مذهب بوجود رأي لعالم من علمائه يخالف فيه رأي جمهور العلماء .
سؤال متعلقٌ بالبحث:
<جزى الله الشيخ الجزيزي خير الجزآء فقد أوضح و أجاد، و كثَّرَ الله من أمثاله، إلا أن هناك ملاحظة واحدة، فبحسب علمي القاصر - وقد أكون مخطئا- ان السيد الخوئي (قدس سره)
ضيق دائرة اعتبار الاخبار و لم يوسعها كما ذهب الى ذلك شيخنا الجزيري (دام عزه) وذلك برفضه لقرآئن كان يعتبرها المشهور في تصحيح الاخبار و التي محصلتها النهائية أخراج الكثير من الاخبار من حريم الاعتبار و للذي يريد الاطلاع على هذا الامر ليراجع مقدمة معجم الرجال للسيد الخوئي حيث رفض قرائناً هي معتبرة عند المشهور و الخلاصة :
ان منهج المشهور أوسع في اعتبار الاخبار من منهج السيد الخوئي (قدس سره) و ليس العكس و الاشكال (إن) وقع يقع على منهج السيد الخوئي لا على مشهور الشيعة الذي هو أوسع في اعتبار الاخبار>
جواب العلامه الجزيري:
أما الجملة الاخيره وهو الاشكال على منهج السيد الخوئي فقد ذكرنا، وأما الجملة الاولى أن (السيد الخوئي دائرة الاعتبار عنده أضيق من المشهور) فهذا لم يتأمل فيما بيناه. نحنُ قلنا الاخبارُ خمسة أقسام، أربعة أقسامٍ متفقٌ عليها، فالسيد والمشهور يرون حجية هذه الاقسام الأربعه (المتواتر والمحفوف بقرينةٍ قطعيه والمستفيض والمحفوف بقرينة تفيد الاطمئنان). هذه الاقسام الاربعه السيد الخوئي والمشهور يرون حجيتها.
[أما] القسم الخامس [و هو] الخبر الذي يرويه رجلٌ ثقه ولكنه لم يفدني وثوقاً ولا اطمئناناً، هل هذا الخبر حجةٌ أما لا؟ المشهور يقولون ليس بحجه [أما] السيد الخوئي قدس سره فيراه حجه.
أما المسألة التي ذكرها بأن السيد الخوئي (أسقط بعض القرائن والمشهور عملوا) فهذا حقٌ، ولكنه اختلاف في تشخيص بعض مصاديق الاقسام الاربعه السابقه. مثلاً السيد الخوئي يتشدد في أمر المتواتر فلا يقال أن السيد الخوئي لا يقبل بالمتواتر واولئك يقبلون بالمتواتر، بل هو مثلهم يقبل الحديث المتواتر ولكن هذا الحديث قد تعده أنت متواتراً اذا كنت ترى أن رواية العشره تورثُ تواتراً والسيد الخوئي لا يعده متواتراً، فهذا لا يعد اختلاف في الكبرى،لا يعني اختلاف في المنهج.
* مثلاً الروايات التي يرويها أصحاب الكتب الاربعه .. [نجد أن] النائيني يرى أن الروايات في الكافي محفوفةٌ بقرينة توجب الوثوق ويقول أن الطعن في أسانيد الكافي حرفة العاجز، [في حين أن] السيد الخوئي لا يرى هذه قرينةً موجبةً للوثوق ولكن لو سلم السيد الخوئي بهذا، فهل هذا حجةٌ أم لا؟ فالسيد يرى أنه حجه ولكنه يناقش في الصغرى،يقول هذا لا يوجب الوثوق.
* مثلاً الروايات التي يعمل بها المشهور، [فانّ] السيد الخوئي لا يرى أن عمل المشهور يورث وثوقاً أو اطمئناناً، [وانما] تلقي الأصحاب بالقبول هذا يورث اطمئناناً، [وكذلك] تسالم الأصحاب على العمل بروايه يورثني الوثوق،أما المشهور(يعني 70 % من العلماء يروي أو يعمل بالروايه فهذا لا يورثني الوثوق) أما95 يورثني الوثوق.
فالسيد الخوئي لا يخالفهم في أن الموثوق حجة أو ليس بحجه ! فهو يوافقهم في هذا، وانما يخالفهم في أن هذه القرائن هل هي موجبةٌ للوثوق أم ليست موجبةٌ للوثوق، فهذا المعترض مقدمته صحيحه ولكن هذه المقدمه لا تنتج هذا الناتج. لو تأملت التقسيم الذي ذكرناهُ للاخبار وفي اعتبار كل واحدٍ منها لتنبه لذلك.
سؤال : هل المشهور أوسع من جهة وضيق من جهه؟
العلامه الجزيري حفظه الله: لا .. المشهور يختلف في تشخيص الصغرى (مصاديق هذه الاخبار)، وهو نظير أن يختلف مثلاً اثنان من العلماء يرون منهج السيد الخوئي وهو أن خبر الثقه حجه، يختلفون هل ان هذه الروايه مروية عن الثقه أو مروية عن غير الثقه، فهذا لا يعد اختلافاً في المنهج وانما اختلاف في التطبيق ومصاديق هذا الضابط. هذا الحديث حجه ولكن هل الحديث الذي وقفتُ عليه مصداقٌ لهذا الحديث أم لا، فهذا ليس اختلافاُ في المنهج ولا تضييقاً في المنهج وانما تضييقاً في التطبيق. هو بحسب المنهج أوسع من المشهور ولكن بحسب التطبيق أكثر تشدداً. نعم نحن لا نوافق السيد الخوئي في تشدده في القرائن، هذا من جانب ومن جانب آخر لا نوافقه في ملاحظة القرائن السيد لأنه يرى القسم الخامس من الأخبار حجه،[فقد] ركز على القسم الخامس، ولا نريد أن نسيء الأدب معه ولكن يوجدُ مثلاً قلة عناية منه بالقرائن المحتفه، وقد أشرنا لذلك في الجوانب بأننا ندرس القرائن الاخرى فليست المسألة منوطة بالسند، نعم للسند ثمنهُ ولا نقول بأن السند لا قيمة له، فالخبر الذي يأتي به الرجال الثقات يختلف عن الخبر الذي يأتيني به أناسٌ مجهولون، ولكن هذه واحدةٌ من القرائن، وتوجدُ أيضاً قرائن أخرى، ونحن قد مثلنا في مناسبات متعدده للقرائن التي تشهد بصدق المخبر، فمثلاً أقول في مجلس (أنا أطلبُ أخي فلان ألف درهم مثلاً) وهو موجود ولا ينكر علي، أليس هذا من موجبات الوثوق بخبري حتى وان كنت مجهولاً عندكم لأن هذا الامر لا يسكت عنه المدين، لأن المدين في العاده اذا اتهم بأنه مدينٌ لشخصٍ يقول أنت لا تطلبني شيء خصوصاً اذا قلت مائة الف درهم،فنفس سكوته قرينه. .. فاذن القرائن ليست فقط الوثاقه بل لا بد من ملاحظةباقي القرائن.
السيد الخوئي ليس عنده التركيز الكبير على ملاحظة القرائن الأخرى، عنده تركيز – نحن استخرجنا موارد كثيره السيد الخوئي راعى فيها القرائن الاخرى غير السند – ولكن مع ذلك نقول أيضاً توجد قرائن أخرى كان بامكان السيد الخوئي أن يركز عليها غير السند. هذه مسألة تقديريه، هل ان العمر يستحق أو لا يستحق، وهذا يعتمد على الانسان، هل ان هذه القرائن الاخرى يستحق أن أصرف فيها من عمري في البحث عنها، لأن الانسان قبل أن يقف على القرينة لا يدري هل توجد قرينة أو لا توجد، فابتداءً عندما تأتيني رواية انظر فيها لا ادري هل توجد قرائن تشهد بصدقها أم لا؟ فأحتاج أن أبحث لأظفر بالقرائن، فالسيد الخوئي يقول نحنُ نركز على الرجال اذا كانوا موثوقين، أكثر من هذا العمر، فالعمر أغلى من أن يصرف في باقي القرائن. نحنُ نقول القرائن الأخرى المحتمله تستحق أن يصرف عليها العمر وهذه مسألةتقديريه، ونحن لا نخطئ عمل السيد الخوئي علمياً وانما نخطئه في التقدير هل ان هذه تستحق أو لا، ما هي درجة احتمال الظفر بهذه القرائن؟ نحن نحتمل أن نظفر بقرائن مهمه من خلال التتبع وملاحظة الموارد المختلفه والروايات المقاربة لها. توجد عدة قرائن وهو بحث تخصصي معقد، ولكن اجمالاً فان السيد الخوئي أوسعُ منهجاً من المشهور.
4 - : الأخبار المحفوفة بالقرينة المفيدة للوثوق بصدقه .
وهي الأخبار التي يوجد شاهد يفيد الاطمئنان بصدقها ، وسكون النفس الى صحتها .والاطمئنان والوثوق وسكون النفس والقناعة مرتبة عالية جدا من الظن ، لا تصل الى حد اليقين ، ولكن الاحتمال المخالف احتمال موهوم جدا ، لا يعتني به العقلاء ، ولا يراعونه في سلوكهم، ولذا سمي الاطمئنان بالعلم العادي ، لأن العقلاء يتعاملون معه كما يتعاملون مع العلم .
ويهملون الاحتمال الآخر ، فوجوده كعدمه عندهم .
وهذه الأقسام حكمها واحد عند المحققين من علماء الأصول، ولا يخالف السيد الخوئي ره فيها رأي المشهور .
5 - : أخبار الآحاد .
وهي الأخبار التي اجتمع فيها شرطان :
1 - : عدد رواتها واحد او اثنان مثلا ، فليست بمتواترة ولا مستفيضة .
2 - : كانت خالية من القرينة المفيدة لليقين أو الوثوق بصدقها .
وأخبار الآحاد هذه هي التي وقع فيها الخلاف بين السيد الخوئي وجماعة وبين المشهور من علمائنا . فالسيد الخوئي يرى حجية هذا القسم الخامس من الأخبار ، ولكن بشرط أن يكون سندها متصلا ، ورواتها ثقات .
والمشهور عند علمائنا عدم حجية هذا القسم الخامس من الأخبار .
فاتضح من هذا :
أن منهج السيد الخوئي على التحقيق أوسع من المنهج المشهور عند علمائنا .لأن السيد الخوئي يصحح الرواية إذا كان سندها متصلا ، وكان رواتها ممن زكاهم علماء الرجال، وتصحيحه لهذه الرواية بسبب تزكية علماء الرجال لرواتها، وأما المشهور فإنهم لا يصححونها ، بل يلاحظون القرائن التي تحف بها ، فإن اطمئنت نفوسهم بصحتها صححوها ، وإلا لم يصححوها .
وقد اتضح لك مما بيناه أن الرواية اذا متواترة أو محفوفة بقرينة قطعية : فهي حجة عند جميع علماء الأصول ، ولا يطلب فيها السند ، ولا ينظر الى أسانيدها .
وإذا كانت مستفيضة أو محفوفة بقرينة تفيد الوثوق : فهي أيضا حجة عند جميع علماء الأصول ، السيد الخوئي وغيره ، ولا ينظر الى أسانيدها أيضا .
والسيد الخوئي ره لا يشترط في حجية هذه الأقسام الأربعة صحة السند .
ورأيه فيها موافق لرأي غيره من المحققين من علماء أصول الفقه من أتباع أهل البيت ومخالفيهم .
وإليك بعض عبارات السيد الخوئي المبينة لذلك :
قال في ج 7 من التنقيح :
على ان في الاخبار الواردة في الرياء مضافا إلى دلالتها على حرمته دلالة واضحة على بطلان العمل المأتى به رياءا، وانه مردود إلى من عمل له وغير مقبول، وفي بعضها ان الله سبحانه يأمر به ليجعل في سجين، إلى غير ذلك من الاخبار، وهذه الاخبار وان كان أغلبها ضعيفة إلا أن استفاضتها بل الاطمئنان بصدور بعضها - لو لم ندع العلم - كافية في الحكم باعتبارها، على أن بعضها معتبرة في نفسه
وقال :
ولكن الصحيح كفاية الاطمئنان بالزوال لانه يقين عقلائي ويطلق عليه اليقين في لسان اهل المحاورة والعامة كما انه يفين بحسب اللغة لان اليقين من يقن بمعنى سكن وثبت كما ان الاطمئنان بمعنى سكن واستقر فهو يقين لغة وعرفا وان كان بحسب الاصطلاح لا يطلق عليه اليقين فمع حصوله يرفع اليد عن اليقين السابق لا محالة
وقال في ج 9 من التنقيح :
وقد علل المحقق الهمداني (قده) الاستدلال بتلكم الروايات بأنها مستفيضة الرواية. (وفيه): ان الرواية المستفيضة هي التي توجب اقل مراتب الاطمئنان بصدور ها عن المعصوم (ع)، ومع انحصار الرواية في ثلاثة أو اربعة وكلها ضعاف كيف تكون الرواية مستفيضة وموجبة للاطمئنان بصدورها.
وقال :الاطمئنان كالعلم: (1) هل الاطمئنان ملحق بالعلم فيما ذكرناه أو لا يترتب أثر عليه؟. الصحيح هو الاول لان الاطمئنان أمر يعتمد عليه العقلاء ولم يرد في شئ من النصوص ردع عن العمل به ولا يحتمل أن تكون الادلة ل الناهية عن العمل بالظن رادعة عنه لانه، لا يطلب الظن على الاطمئنان لدى العرف قطعا، نعم الظن لا يعتمد عليه لانه ليس له اثر يترتب عليه مثل الشك كما انه بمعنى الشك لغة.
وقال في المستند :
في حكم ثبوت الكسوف والخسوف بإخبار الرصدي :
واما الثبوت باخبار الرصدي مع حصول الاطمئنان بصدقه فقد استشكل فيه في المتن لكن الاشكال في غير محله بعد فرض حصول
الاطمئنان الذي هو حجة عقلائية كالقطع. نعم التعويل حينئذ انما هو على الاطمئنان الحاصل من قوله لا على قوله بما هو كذلك. اللهم الا ان يكون مراده حصول الاطمئنان بصدق المخبر لا بصدق الخير كما لو كان الرصدي مأمونا عن الكذب فجزمنا بكونه صادقا في اخباره ومع ذلك لم نطمئن بصدق الخبر لاحتمال خطأه وعدم اصابته للواقع فكنا بالنسبة إلى وقوع الكسوف خارجا في شك وترديد وان كنا مطمئنين في صدقه عما يخبر بمقتضى القواعد النجومية فانه يشكل الاعتماد حينئذ على قوله لعدم الدليل على حجية الاخبار الحدسي في الامر الحسي، والرجوع إلى اهل الخبرة يختص بالامور الحدسية دون الحسية كما في المقام. وعلى الجملة: إذا حصل الاطمئنان من قول الرصدي بوقوع الكسوف خارجا كما لو كان الشخص محبوسا في مكان لا يتيسر له استعلام الكسوف وكان عنده رصدي اخبر بذلك، أو كان الشخص بنفسه رصديا فلا ريب في وجوب الصلاة حينئذ عملا بالاطمئنان الذي هو حجة عقلائية كما عرفت، والا فمجرد الاطمئنان بصدق المخبر مع الترديد في الوقوع الخارجي لا اثر له لعدم الاكتفاء في الموضوع الحسي باخبار مستند إلى الحدس.
وقال :
[ (مسألة 15): إذا اخبر جماعة غير معلومين بالعدالة بعدالته وحصل الاطمئنان (1) كفى بل يكفي الاطمئنان إذا حصل من شهادة عدل واحد، وكذا إذا حصل من اقتداء عدلين به، أو من اقتداء جماعة مجهولين به، والحاصل انه يكفي الوثوق والاطمئنان للشخص من اي وجه حصل بشرط كونه من اهل الفهم والخبرة والبصيرة والمعرفة بالمسائل لا من الجهال، ولا ممن يحصل له الاطمئنان والوثوق بأدنى شئ كغالب الناس. ] كما افاده في المتن. (1) لا ريب في كفاية الوثوق والاطمئنان الذي هو حجة عقلائية لكن الماتن قيده بأمرين احدهما أن يكون من حصل له الوثوق الشخصي من اهل الفهم والخبرة والبصيرة المعرفة بالمسائل. ثانيهما ان لا يكون ممن يحصل له الاطمئنان والوثوق بأدنى شئ. اقول: اما القيد الثاني ففي محله فان المستند في حجية الوثوق الشخصي انما هي السيرة العقلائية وهي خاصة بما إذا تحصل الوثوق من السبب العادي المتعارف الذي يراه العرف موجبا لذلك دون ما لم يكن كذلك كما لو حصل له الوثوق بعدالة زيد أو فضله من قلة أكله أو كبر عمامته ونحو ذلك مما لا يراه العقلاء منشأ للوثوق، بل ربما يلام ويستهزء من ادعاه مستندا إلى هذا الامور، بل قيل ان القطع لا يكون حجة إذا استند إلى سبب غير عادي فضلا عن الوثوق، وان كان هذا ممنوعا جدا لحجية القطع الطريقي مطلقا كما تبين في الاصول. واما القيد الاول فلم نعرف له وجها ابدا، إذ لا فرق في السيرة القائمة على حجية الوثوق الناشئ من السبب العادي بين ان يكون صاحبه من اهل الفهم والخبرة ام من الجهة السفلة، فلو رأى الجاهل جماعة من ذوي الفضل وان لم يعلم عدالتهم يأتمون بشخص فحصل له الوثوق بعدالته وفرضنا ان هدا سبب عادي لدى نوع اهل العرف فلا قصور في شمول السيرة للوثوق الحاصل لمثل هذا الشخص وان لم يكن من اهل الخبرة والفضل.
وقال في المستند ج 8 :
لا عبرة بالظن، فانه لا يغني عن الحق شيئا، بعد ان لم يقم دليل على اعتباره، فهو ملحق بالشك في كونه موردا للاصل إلا إذا بلغ الظن من القوة مرتبة الاطمئنان المعبر عنه بالعلم العادي، بحيث يكون احتمال الخلاف موهوما لا يلتفت إليه العقلاء، فان الاطمئنان حجة عقلائية قاطعة للعذر كما لا يخفي.
وقال في الخمس :
في حكم دعوى الانتساب الى هاشم :
هذه الدعوى كغيرها من الدعاوي تحتاج إلى ثبوت شرعي بالبينة أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان بصدق دعواه
وقال في الحج :
اللازم تحصيل الحجة كخبر الثقة أو الاطمئنان ولا تتوقف حجيتهما على عدم التمكن من العلم، ولو فرضنا عدم حجية خبر الثقة، وقول اهل الخبرة فلا يجوز العمل بالظن مطلقا حتى إذا لم يتمكن من تحصيل العلم فلابد حينئذ من أن يمضي إلى ميقات آخر أو ينذر الاحرام قبل الميقات فان عدم التمكن من العلم لا يوجب حجية ما لاحجية له.
وقال في مصباح الفقاهة :
المناط في جواز الاخبار عن الغائبات في مستقبل الزمان إنما هو حصول الاطمئنان بوقوع المخبر به كما عرفت. وعليه فلا فرق بين الرمل والجفر وغيرهما من موجبات الاطمئنان.
وقال في مصباح الأصول :
فالمتبع في توسعة موضوع الحجية وضيقه هي السيرة وقد تقدم أن السيرة لم تقم على العمل بخبر الضعيف. نعم الخبر الموجب للوثوق والاطمئنان الشخصي يجب العمل به وإن كان ضعيفا في نفسه. وليس ذلك لاجل حجية الخبر الضعيف، بل لان الاطمئنان المعبر عنه بالعلم العادي حجة وإن كان حاصلا مما لا يكون حجة في نفسه كخبر الفاسق أو خبر الصبي مثلا.
وقال :
نعم إذا تسالم جميع الفقهاء على حكم مخالف للخبر الصحيح أو الموثق في نفسه، يحصل لنا العلم أو الاطمئنان بأن هذا الخبر لم يصدر من المعصوم عليه السلام أو صدر عن تقية فيسقط الخبر المذكور عن الحجية لا محالة، كما تقدمت الاشارة إليه
وقال :
(الامر الثاني) - ان الظن الذي لم يقم على حجيته دليل هل يجبر به ضعف السند أو الدلالة بحيث لولاه لم يكن حجة ام لا ؟ وهل يوهن به السند أو الدلالة بحيث لو قام على خلافه يسقط عن الحجية أم لا ؟ وهل يرجح به احد المتعارضين على الآخر ام لا ؟ فيقع الكلام في هذه الجهات الثلاث: (اما الكلام في الجهة الاولى) فهو ان المعروف المشهور بينهم انجبار ضعف السند بعمل المشهور، مع ان الشهرة في نفسها لا تكون حجة. واختاره صاحب الكفاية (ره) وذكر في وجهه ان الخبر الضعيف وان لم يكن حجة في نفسه، الا ان عمل المشهور به يوجب الوثوق بصدوره، ويدخل بذلك في موضوع الحجية. اقول: ان كان مراده ان عمل المشهور يوجب الاطمئنان الشخصي بصدور الخبر، فالكبرى وان كان صحيحة إذ الاطمئنان الشخصي حجة ببناء العقلاء، فانه علم عادي، ولذا لا تشمله ادلة المنع عن العمل بالظن، لكن الصغرى ممنوعة، إذ ربما لا يحصل الاطمئنان الشخصي من عمل المشهور. وان كان مراده ان عمل المشهور يوجب الاطمئنان النوعي، فما ذكره غير تام صغرى وكبرى (اما الصغرى) فلانه لا يحصل الاطمئنان بصدور الخبر الضعيف لنوع الناس من عمل المشهور. و (اما الكبرى) فلانه على تقدير حصول الاطمئنان النوعي لا دليل على حجية مع فرض عدم حصول الاطمئنان الشخصي. ولم يثبت ذلك بدليل، انما الثابت - بسيرة العقلاء وبعض الآيات الشريفة والروايات التي تقدم ذكرها - حجية خبر الثقة الذي يحصل الوثوق النوعي بوثاقة الراوي، بمعنى كونه محترزا عن الكذب، لا حجية خبر الضعيف الذي يحصل الوثوق النوعي بصدقه ومطابقته للواقع من عمل المشهور، بل لا دليل على حجية خبر الضعيف الذي يحصل منه اليقين النوعي بصدقه في فرض عدم حصول اليقين
الشخصي ولا الاطئنان الشخصي. (وبالجملة) لا بد في حجية الخبر إما من الوثوق النوعي بوثاقة الراوي أو الوثوق الشخصي بصدق الخبر ومطابقته للواقع، ولو من جهة عمل المشهور لا من جهة وثاقة الراوي واما مع انتفاء كلا الامرين فلم يدل دليل على حجيته ولو مع حصول الوثوق النوعي، بل اليقين النوعي بصدقه.
وقال :
(الكلام في ما يتوقف عليه الاجتهاد)
وأما علم الرجال، فان قلنا بأن الملاك في جواز العمل بالرواية هو الاطمئنان بصدورها عن المعصوم (ع) وأنه يحصل بعمل المشهور بها وإن كانت رواتها غير موثوق بهم، وأن اعراضهم عنها يوجب الاطمئنان بعدم صدورها وإن كانت رواتها موثوقا بهم، فتقل الحاجة الى علم الرجال، إذ بناء عليه يكون الملاك في جواز العمل بالرواية وعدمه هو عمل المشهور بها وعدمه، فان عمل الاصحاب بالرواية وعدمه يظهر من نفس كتب الفقه، بلا حاجة الى علم الرجال. نعم في الموارد التي لم يحرز عمل المشهور بالرواية ولا إعراضهم عنها، كما إذا كانت المسألة غير معنونة في كلامهم، لابد في العمل بها من معرفة رواة الحديث ليحصل الاطمئنان بوثاقتهم.
وأما إن قلنا بأن الملاك في جواز العمل بالرواية إنما هو ثبوت وثاقة رواتها، وأنه لا عبرة بعمل المشهور بها أو إعراضهم عنها، فحينئذ تكثر الحاجة الى علم الرجال واستعلام حال الرواة من حيث الوثاقة وعدمها. وقد بينا صحة القول الثاني عند التكلم في حجية أخبار الآحاد.
وقال في معجم رجال الحديث:
في ترجمة بريد بن معاوية ، حيث وردت فيه روايات تمدحه ، وروايات تذمه ، فقدم السيد الخوئي الروايات التي تمدحه ، وناقش في الروايات التي تذمه بمناقشات :
وثانيا : أن الروايات المادحة المشهورة معروفة لاريب في أنها صدرت من المعصوم عليه السلام ، ولا أقل من الاطمئنان بذلك ، فلا يعتني بمعارضة الشاذ النادر .
انتهى :
وهذا يدل على أنه يرى الوثوق بصدور الرواية ليس موجبا لحجيتها في نفسها وحسب ، بل هو موجب لطرح الرواية التي تعارضها .
صراط النجاة / الجزء الاول / صفحة [ 37 ]
سؤال 66: إذا أخبر الثقة بنجاسة شئ فهل يجب الاخذ بقوله، مع عدم الاطمئنان النفسي للمخبر؟.
الخوئي: نعم إذا كان ثقة كما فرض.
وليس الغرض من هذا الجواب :
أن نقول إن من ينكر وجود رواية منقولة بالسند الصحيح على شرط السيد الخوئي تخبر عن ولادة الامام المهدي عج فهو ينكر وجوده .
لأنه قد يثبت وجوده بالخبر المتواتر ، أو المحفوف بالقرينة القطعية ، أو المستفيضة ، أو المفيدة للوثوق .
ولا أن نقول : إن من يعترض على منهج السيد الخوئي فهو ضال منحرف ، فإن آراء السيد الخوئي رحمه الله لا يخلو منها بحث من الأبحاث العالية في أي حوزة علمية في أي بقعة من الأرض في هذا اليوم .
ومن يبين رأي السيد الخوئي فهو إما مشيد له أو مفند له ، ولا غضاضة في الاعتراض عليه.
ولا نقول : إن من نقض على منهج السيد الخوئي في تصحيح الروايات بأن لازمه عدم إمكان إثبات أمر متصل بأصول الدين فقد تنقص السيد الخوئي وأزرى به، فإن المناقشات العلمية منها نقضي ومنها حلي ، والمناقشات النقضية ليست إلا الزام القائل بما لا يلتزم به ، أو بما لا يمكن الالتزام به .
والسيد الخوئي نفسه ره ناقش استاذه المحقق الاصفهاني في قوله :
إن الحسن والقبح من التأديبات الصلاحية ، والقضايا المشهورة .
بأنه مستلزم لبطلان الشرائع ، وعدم إمكان إثبات صدق الأنبياء .
وإنما نقول :
إن من اعترض بهذا الاعتراض لم يعرف المنهج السندي ومورده، فإن مورد المنهج السندي ليس الخبر المتواتر ، ولا المستفيض ، ولا المحفوف بقرينة قطعية ، ولا مفيدة للوثوق .
فإن هذه الأخبار حجة عند أصحاب المنهج السندي وحجيتها من فروع حجية القطع ، وحجية الاطمئنان عندهم ، وإنما يلاحظون المنهج السندي في القسم الخامس من الروايات .
فالروايات التي نقض بها المعترض على منهج السيد الخوئي ليست موضوعا للمنهج السندي من رأس، فروايات ولادة الامام المهدي عج خارجة عن الشروط موضوعا . وأصحاب المنهج السندي لا يجرون تلك الشروط على الروايات المتواترة وما في حكمها .
ولعل منشأ الاشتباه هو ملاحظة أن أكثر الكتب التي تركها السيد الخوئي ره في الفقه الاستدلالي والروايات الواردة في الأحكام الشرعية في الغالب من القسم الخامس.وإن وجدت روايات من الأقسام الأربعة الأولى ، إلا أنها أقل من روايات القسم الخامس .
وحيث إن المدار في هذا القسم من الروايات على السند :
إما لموضوعيته عند السيد الخوئي ومن يوافقه في حجية خبر الثقة .
أو لطريقيته ، لأن وثاقة الرواة واتصال السند هي السبب الوثاقة بالصدور غالبا في روايات الفقه .فمن يقرأ كتب السيد الخوئي في الفقه يجده يقبل الرواية إن صح سندها ، ويردها إن لم يصح .
وإذا لم يكن القاريء خبيرا فإنه يتوهم أن سند الرواية هو مدار قبول الروايات مطلقا عند السيد الخوئي ، وأنه (ره) إذا صح السند أخذ بالرواية ولم ينظر في القرائن التي تشهد على كذب الرواية وإذا لم يصح طرح الرواية ولم ينظر في القرائن التي تشهد على كذبها .
وهذا كما قلنا وهم ناشيء من ملاحظة أحكام السيد الخوئي على روايات الفقه ، التي تخلو في الغالب عن قرائن الصدق والكذب .
ونحن وإن كنا لا نوافق السيد الخوئي في ذلك ، ونعتقد أن الكثير من روايات الفقه محفوف بالقرائن التي تشهد على صدقها أو كذبها، لكن الانصاف أن نسبة التعميم للسيد الخوئي ليس صحيحا .
نعم :
طريقة عرض النقد ، المشوبة بالسخرية والاستهزاء ، والايهام بأن الشيعة يمنعون من الحديث عن مسألة وجود الامام المهدي عج في الدروس الحوزوية والمنتديات العلمية ، ولا يمنعون من الحديث عن مسألة وجود الله تعالى .
إن أراد به شخصا لقيه من الشيعة ، فصاحب ذلك الرأي هو المسؤول عن رأيه وإن أراد به أن الحوزة تمنع هذا البحث بقرار رسمي أو غير رسمي ، فهذا لا صحة له، وقد صنفت كتب كثيرة في هذه المسألة وتحدث عنها كثير من الخطباء على منابرهم وبثت ذلك قنواتهم الفضائية ، ومنتديات الشيعة على النت تطفح بالبحوث في هذه المسألة ، وهذا يدل على أن الحديث عن هذه المسألة غير محظور .
فأين الخطوط الحمراء المزعومة ؟!!
كما إن تصوير النقض وكأنه اعتراض على الشيعة من المخالفين ، ويلزمهم الإجابة عنه، مع أنه اعتراض على منهج السيد الخوئي (ره) في قبول الروايات ، وليس اعتراضا على عقيدة الشيعة، هذا التصوير للنقض ليس صحيحا، وقد يفهم منه عامة السامعين معنى غير المقصود به ، خصوصا إذا وضع منفصلا عن سياقه، ولو كان الاعتراض صحيحا على منهج السيد ، وهو ليس بصحيح ، ولا يتفوه به من له أدنى معرفة بأصول الفقه ، أو بعلم الحديث شيعيا كان المعترض أو سنيا ، لأن صحة السند شرط في قبول أخبار الآحاد ، وأما الأخبار المتواترة والمستفيضة والمحفوفة بالقرائن القطعية ، أو المفيدة للوثوق فهي حجة وإن لم يكن سندها صحيحا ،وهذا شيء يعرفه حتى المبتدون في دراسة علم أصول الفقه ، أو علم الحديث .
فلو صح هذا الاعتراض فللشيعة أن يجيبوا بأن هذا منهج السيد الخوئي ، وليس منهج الشيعة عامة ولا يصح الاعتراض على مذهب بوجود رأي لعالم من علمائه يخالف فيه رأي جمهور العلماء .
سؤال متعلقٌ بالبحث:
<جزى الله الشيخ الجزيزي خير الجزآء فقد أوضح و أجاد، و كثَّرَ الله من أمثاله، إلا أن هناك ملاحظة واحدة، فبحسب علمي القاصر - وقد أكون مخطئا- ان السيد الخوئي (قدس سره)
ضيق دائرة اعتبار الاخبار و لم يوسعها كما ذهب الى ذلك شيخنا الجزيري (دام عزه) وذلك برفضه لقرآئن كان يعتبرها المشهور في تصحيح الاخبار و التي محصلتها النهائية أخراج الكثير من الاخبار من حريم الاعتبار و للذي يريد الاطلاع على هذا الامر ليراجع مقدمة معجم الرجال للسيد الخوئي حيث رفض قرائناً هي معتبرة عند المشهور و الخلاصة :
ان منهج المشهور أوسع في اعتبار الاخبار من منهج السيد الخوئي (قدس سره) و ليس العكس و الاشكال (إن) وقع يقع على منهج السيد الخوئي لا على مشهور الشيعة الذي هو أوسع في اعتبار الاخبار>
جواب العلامه الجزيري:
أما الجملة الاخيره وهو الاشكال على منهج السيد الخوئي فقد ذكرنا، وأما الجملة الاولى أن (السيد الخوئي دائرة الاعتبار عنده أضيق من المشهور) فهذا لم يتأمل فيما بيناه. نحنُ قلنا الاخبارُ خمسة أقسام، أربعة أقسامٍ متفقٌ عليها، فالسيد والمشهور يرون حجية هذه الاقسام الأربعه (المتواتر والمحفوف بقرينةٍ قطعيه والمستفيض والمحفوف بقرينة تفيد الاطمئنان). هذه الاقسام الاربعه السيد الخوئي والمشهور يرون حجيتها.
[أما] القسم الخامس [و هو] الخبر الذي يرويه رجلٌ ثقه ولكنه لم يفدني وثوقاً ولا اطمئناناً، هل هذا الخبر حجةٌ أما لا؟ المشهور يقولون ليس بحجه [أما] السيد الخوئي قدس سره فيراه حجه.
أما المسألة التي ذكرها بأن السيد الخوئي (أسقط بعض القرائن والمشهور عملوا) فهذا حقٌ، ولكنه اختلاف في تشخيص بعض مصاديق الاقسام الاربعه السابقه. مثلاً السيد الخوئي يتشدد في أمر المتواتر فلا يقال أن السيد الخوئي لا يقبل بالمتواتر واولئك يقبلون بالمتواتر، بل هو مثلهم يقبل الحديث المتواتر ولكن هذا الحديث قد تعده أنت متواتراً اذا كنت ترى أن رواية العشره تورثُ تواتراً والسيد الخوئي لا يعده متواتراً، فهذا لا يعد اختلاف في الكبرى،لا يعني اختلاف في المنهج.
* مثلاً الروايات التي يرويها أصحاب الكتب الاربعه .. [نجد أن] النائيني يرى أن الروايات في الكافي محفوفةٌ بقرينة توجب الوثوق ويقول أن الطعن في أسانيد الكافي حرفة العاجز، [في حين أن] السيد الخوئي لا يرى هذه قرينةً موجبةً للوثوق ولكن لو سلم السيد الخوئي بهذا، فهل هذا حجةٌ أم لا؟ فالسيد يرى أنه حجه ولكنه يناقش في الصغرى،يقول هذا لا يوجب الوثوق.
* مثلاً الروايات التي يعمل بها المشهور، [فانّ] السيد الخوئي لا يرى أن عمل المشهور يورث وثوقاً أو اطمئناناً، [وانما] تلقي الأصحاب بالقبول هذا يورث اطمئناناً، [وكذلك] تسالم الأصحاب على العمل بروايه يورثني الوثوق،أما المشهور(يعني 70 % من العلماء يروي أو يعمل بالروايه فهذا لا يورثني الوثوق) أما95 يورثني الوثوق.
فالسيد الخوئي لا يخالفهم في أن الموثوق حجة أو ليس بحجه ! فهو يوافقهم في هذا، وانما يخالفهم في أن هذه القرائن هل هي موجبةٌ للوثوق أم ليست موجبةٌ للوثوق، فهذا المعترض مقدمته صحيحه ولكن هذه المقدمه لا تنتج هذا الناتج. لو تأملت التقسيم الذي ذكرناهُ للاخبار وفي اعتبار كل واحدٍ منها لتنبه لذلك.
سؤال : هل المشهور أوسع من جهة وضيق من جهه؟
العلامه الجزيري حفظه الله: لا .. المشهور يختلف في تشخيص الصغرى (مصاديق هذه الاخبار)، وهو نظير أن يختلف مثلاً اثنان من العلماء يرون منهج السيد الخوئي وهو أن خبر الثقه حجه، يختلفون هل ان هذه الروايه مروية عن الثقه أو مروية عن غير الثقه، فهذا لا يعد اختلافاً في المنهج وانما اختلاف في التطبيق ومصاديق هذا الضابط. هذا الحديث حجه ولكن هل الحديث الذي وقفتُ عليه مصداقٌ لهذا الحديث أم لا، فهذا ليس اختلافاُ في المنهج ولا تضييقاً في المنهج وانما تضييقاً في التطبيق. هو بحسب المنهج أوسع من المشهور ولكن بحسب التطبيق أكثر تشدداً. نعم نحن لا نوافق السيد الخوئي في تشدده في القرائن، هذا من جانب ومن جانب آخر لا نوافقه في ملاحظة القرائن السيد لأنه يرى القسم الخامس من الأخبار حجه،[فقد] ركز على القسم الخامس، ولا نريد أن نسيء الأدب معه ولكن يوجدُ مثلاً قلة عناية منه بالقرائن المحتفه، وقد أشرنا لذلك في الجوانب بأننا ندرس القرائن الاخرى فليست المسألة منوطة بالسند، نعم للسند ثمنهُ ولا نقول بأن السند لا قيمة له، فالخبر الذي يأتي به الرجال الثقات يختلف عن الخبر الذي يأتيني به أناسٌ مجهولون، ولكن هذه واحدةٌ من القرائن، وتوجدُ أيضاً قرائن أخرى، ونحن قد مثلنا في مناسبات متعدده للقرائن التي تشهد بصدق المخبر، فمثلاً أقول في مجلس (أنا أطلبُ أخي فلان ألف درهم مثلاً) وهو موجود ولا ينكر علي، أليس هذا من موجبات الوثوق بخبري حتى وان كنت مجهولاً عندكم لأن هذا الامر لا يسكت عنه المدين، لأن المدين في العاده اذا اتهم بأنه مدينٌ لشخصٍ يقول أنت لا تطلبني شيء خصوصاً اذا قلت مائة الف درهم،فنفس سكوته قرينه. .. فاذن القرائن ليست فقط الوثاقه بل لا بد من ملاحظةباقي القرائن.
السيد الخوئي ليس عنده التركيز الكبير على ملاحظة القرائن الأخرى، عنده تركيز – نحن استخرجنا موارد كثيره السيد الخوئي راعى فيها القرائن الاخرى غير السند – ولكن مع ذلك نقول أيضاً توجد قرائن أخرى كان بامكان السيد الخوئي أن يركز عليها غير السند. هذه مسألة تقديريه، هل ان العمر يستحق أو لا يستحق، وهذا يعتمد على الانسان، هل ان هذه القرائن الاخرى يستحق أن أصرف فيها من عمري في البحث عنها، لأن الانسان قبل أن يقف على القرينة لا يدري هل توجد قرينة أو لا توجد، فابتداءً عندما تأتيني رواية انظر فيها لا ادري هل توجد قرائن تشهد بصدقها أم لا؟ فأحتاج أن أبحث لأظفر بالقرائن، فالسيد الخوئي يقول نحنُ نركز على الرجال اذا كانوا موثوقين، أكثر من هذا العمر، فالعمر أغلى من أن يصرف في باقي القرائن. نحنُ نقول القرائن الأخرى المحتمله تستحق أن يصرف عليها العمر وهذه مسألةتقديريه، ونحن لا نخطئ عمل السيد الخوئي علمياً وانما نخطئه في التقدير هل ان هذه تستحق أو لا، ما هي درجة احتمال الظفر بهذه القرائن؟ نحن نحتمل أن نظفر بقرائن مهمه من خلال التتبع وملاحظة الموارد المختلفه والروايات المقاربة لها. توجد عدة قرائن وهو بحث تخصصي معقد، ولكن اجمالاً فان السيد الخوئي أوسعُ منهجاً من المشهور.