تقرير رد سماحة العلامة الفقيه الشيخ علي الجزيري (حفظه الله) حول ما جاء في كتاب مقتطفات ولائية .

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام

تقرير رد سماحة العلامة الفقيه الشيخ علي الجزيري (حفظه الله) حول ما جاء في كتاب مقتطفات ولائية .

2016/10/24 1473

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا تقرير جواب العلامة الفقيه الشيخ علي بن عبد المحسن الجزيري (أيّده الله وسدّده) على إشكال أُورد على ترجمة كلام زعيم الحوزة العلمية وعلم أعلامها المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني (دام وارف ظله) ، في كتاب (مقتطفات ولائية) .

قال شيخنا (أفاض الله عليه ألطافه) :

وأما سؤالكم عن الكلام الذي في (مقتطفات ولائية) من خطبة سماحة الشيخ ، المرجع الرفيع الشأن ، والعالم الرباني ، قطب دائرة التحقيق ، وزعيم الحوزة العلمية لأكثر من ثلاثين سنة ، شيخ العلماء بقية السلف ، من هو فوق الوصف في العلم والعمل ، وكمالاته يقصر عن بيانها لساني ، بل له من الكمالات ما لا يرضى (مد الله ظله) بذكره وبيانه ، وهو القائل عن نفسه :

( وحيدم من اكَر در جرم وتقصير .. سكَى بودم شدم در كوى تو بير)

وهذا تعبير منه في غاية الأدب مع أمير المؤمنين (ع) ، والاستعطاف له ، وهو بهذا يشير إلى أن العوائل التي تملك بساتين يكون لها -بحسب العادة- كلاب لأجل حماية هذه البساتين ، والكلاب لها عمر معيّن من جهة نفعها في هذا المجال ، ثم إذا ما هرمت وشاخت ضعفت وأصبحت كلاً على أصحابها ، وقد جرت عادة العوائل غير النجيبة على طرد هذه الكلاب لكي تتخلص من عبئها عليها إذ أنها أصبحت غير نافعة ، وأما البيوتات الرفيعة والعوائل النجيبة فإنها لا تطرد هذه الكلاب حتى وإن شاخت وصارت عبئا عليها ، فليس من شيمها طرد من جاورها سنين طويلة .

فهو (حفظه الله) يخاطب أمير المؤمنين (ع) بهذا الأدب ، فيقول له : إن العوائل النجيبة التي لا تطرد كلابها عندما تخرج عن حد النفع ليست أكثر نجابة منكم أهل البيت ، فلو كان في العلم شرف ونجابة فهي من محمد وآله ، فليكن حال من يشيخ على بابكم ويسقط عن مستوى النفع -.في الصورة التي رسمها سماحة الشيخ حفظه الله- حال ذاك الكلب عند العائلة النجيبة ، فإنها تكرمه ولا تطرده .

فالذي أرجوه من كرمكم ، ونجابتكم ، ليس أمرا يرتبط بعملي وفضلي ؛ إذ ليس لي شأن وليس لي فضل ، وإنما أرجو كرمكم لأني بقيت ملازما أعتابكم طوال هذه السنين .

وحقيق به (مد الله في عمره) بعد كل هذه السنوات من الدفاع عن الدين ، وخدمة بيت رسول الله (ص) ، أن يقول : إني لأرجو -وأنا المنافح عن بيتكم طوال هذه السنين- أكثر مما يرجوه ذلك الكلب من العائلة النجيبة .

أقول : هذا تشبيه بليغ ، وتصوير حسن ، وهو استعطاف وأي استعطاف ؟! هو استدرار لعطف رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) ، وما في هذه الخطبة -محل الإشكال- جري على هذا النسق ، فهو يصنع ما يصنع التابع لمتبوعه ، وأقل التابعين هو ذلك الكلب الذي يتبع القافلة ، فإن له طمعا فيها وفي أصحابها ، وهو يرجو من أصحاب تلك القافلة كرما وعطفا ، أفيكون هذا الكلب -وهو أقل التابعين- في رجائه أكثر ثقة وطمعا بمتبوعه -وهو من الناس العاديين- مني ؟ هل يكون هذا الكلب في رجائه أكثر ثقة مني في رسول الله وأهل بيته (عليهم السلام) ؟

فنتعلم أن يكون لنا طمع في رسول الله وأهل بيته (عليهم السلام) ليس لأهلية واستحقاق في أنفسنا ، بل لأن لنا ثقة فيهم أن لا يطردونا عن بابهم ، ومن ليس عنده هذا الطمع وتلك الثقة فإنه لا يعرفهم (عليهم السلام) ، ومن الطبيعي أن مثل هذا -غير العارف بهم- لا يطمع فيما عندهم من كرم وعطاء .

إن صاحب الكلب يرمي كلبه بالحجارة مرة بعد مرة ، ومع ذلك فإن ثقة الكلب في صاحبه لا تزول ! ، وأما نحن فلم تصل إلينا من رسول الله وأهل بيته حجارة ، بل لم يصل إلينا منهم إلا الجود والكرم ، فنعم الموالي هم (عليهم السلام) ، فلم نتعرض لذلك الاختبار الذي تعرض له ذلك الكلب عندما رماه صاحبه بالحجارة ، فلو فرض أن وصلتنا منهم حجارة ، وطردنا عن بابهم ، وتعرضنا لمثل هذا الاختبار ، فهل ستبقى ثقتنا فيهم كثقة ذلك الكلب بصاحبه ؟

هذا هو المعنى المجمل لكلامه (حفظه الله) ، وإذا أردت مزيد تفصيل لهذه المسألة ، وتأصيل لهذا المطلب ، فنقول :

إن التشبيه له أركان :

المشبه ، والمشبه به ، وجهة التشبيه ، والغرض منه .

والمشبه -في مقامنا- : هو ثقتنا بأهل البيت (ع) .

والمشبه به : ثقة الكلب بصاحبه .

وجهة التشبيه : عدم ترك الكلب لصاحبه حتى وإن طرده ، مع كون هذا الكلب ليس أهلا لأن يكرمه صاحبه لسقوطه عن مستوى النفع ، إلا أن طمعه فيما عند صاحبه ينيله الفضل منه .

والغرض من التشبيه : هو الاستعطاف ، واستدرار عطف أهل بيت النبوة (ع) .

وها أنت ترى أن أركان التشبيه كلها تامة ، وصحيحة ، فما وجه الإشكال إذن ؟!

فإن قلت : إن تشبيه الإنسان بالحيوان فيه تنقيص لكرامة الإنسان ، وهو مناف لتكريم الله سبحانه له .

قلنا : إن تشبيه الإنسان بالحيوان إنما يكون تنقيصا إذا كانت جهة التشبيه مشتملة على تنقيص ، وأما إذا كانت هذه الجهة غير مشتملة على تنقيص ، بل توجب استدرار العطف والرحمة ، فإن الإشكال ينتفي حينئذ .

بل القرآن الكريم ، والروايات الشريفة ، مشتملان على تشبيه الإنسان بالحيوان من الجهة التي لا انتقاص فيها ولا عيب .

فمن القرآن الكريم :

تشبيه رسول الله (ص) بالطائر :

في قوله تعالى : {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} سورة الحجر : 88 ، فإن الذي له جناح هو الطائر ، والطائر حيوان ، ومع ذلك فإن الله سبحانه شبه رسوله بالطائر ، وأراد بهذا الجناح جناح الرحمة للمؤمنين .

وقوله تعالى : {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} سورة الإسراء : 24 ، وهو إشارة إلى جناح آخر وهو جناح الذل ، وهو تشبيه بالطائر أيضا .

وتشبيهه (ص) بالأسد :

في قوله تعالى : {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} سورة المدثر : 49-51 ، والمذكِّر هاهنا هو رسول الله (ص) وقد كنا عنه بالأسد أو استعار له القسورة ، والفار منه هم الكفار وقد شبههم بالحمر المستنفرة .

ومن الروايات :

ما روي في وصف الحمزة (ع) بأنه : أسد الله وأسد رسوله . (1)

وما روي في وصف المهدي (ع) بأنه : طاووس أهل الجنة . (2)

وما روي في وصف الحسين (ع) بأنه : فرخ رسول الله . (3)

وغير ذلك .

والضابط في كل ذلك : إن تشبيه أحد من البشر بالحيوان لا يوجب نقصا ولا ينافي الكرامة إن كانت جهة التشبيه مشتملة على مزية شريفة .

وهذا الضابط ينطبق على كل الأمثلة المتقدمة ، ألا ترى أنك لو شبهت شخصا بالأسد وكانت جهة التشبيه انبعاث رائحة كريهة من فمه -كما الأسد- كان ذلك انتقاصا منه ؟ في حين أنك لو شبهته بالأسد وأردت بذلك شجاعته وإقدامه في أرض المعركة كان تشبيهك هذا حسنا ؟

ولا يقال : إنهم عدّوا من التشبيه المذموم قول الأعرابي الذي جاء إلى بغداد وأمر أن يمدح حاكمها :

(أنت كالكلب في حفاظك للود .. وكالتيس في قراع الخطوب)

فهو تشبيه يراد به المدح ، ولكنه يوحي بالذم . فكلام الشيخ الوحيد من هذا القبيل أيضا .

فإننا نقول : هذا الكلام أجنبي عن المقام ، وليس هذا من ذاك ، فإن التشبيه الذي قاله الأعرابي تشبيه لغيره ، وأما سماحة الشيخ فيتكلم عن نفسه ، هذا أولا .

وثانيا : هب أنه يحط من نفسه ، فإن كسر النفس في مقام التذلل للنبي وأهل بيته (ع) حسن بلا إشكال ، وسماحة الشيخ (حفظه الله) عارف ، قاصد ، فهو يعرف سيادتهم وأنهم موالوه ، ويقصد ذلك ، فلابد أن يكسر لهم جناح الذل من الرحمة ، فمقامهم (ع) أعلى من مقام الأبوين بمراتب لا حد لها ، ونجزم أن سماحة الشيخ (حفظه الله) -وعموم المؤمنين كذلك- يعتقد أن لرسول الله وأهل بيته (ع) من الحق أضعافا مضافعة مما لأبويه عليه من الحق ، فيخفض لهم (ع) جناح الذل من الرحمة ألف مرة .

أقول : إن القرآن الكريم نزل الولد من أبويه منزلة الطائر ، والطائر حيوان صغير ، فكأن القرآن يقول : أنت حيوان صغير ذليل أمام والديك .

فكيف سيكون حال الإنسان أمام النبي وأهل بيته (ع) وحقهم أعظم من حق الوالدين ؟

هذا أدب القرآن الكريم ، فمن رضي به فهنيئا له ، ومن لم يرض به فلينتهج أدبا يحبه ويرضاه .

وإن قيل : إن تشبيه الإنسان بالكلب في عرف العرب يعد شتما وإنْ كان في ثقافة أخرى ليس كذلك ، فالابتعاد عنه أولى لوجود حزازة عند العربي منه .

قلنا : إن هذا الإشكال مدفوع بما بيناه من ضرورة النظر إلى جهة التشبيه .

وخلاصة كل ذلك :

إن هذا التوصيف مبني على نكتة بلاغية لابد من مراعاتها ، ومع مراعاتها يندفع الإشكال ، وأما الأعمال التي يسلكها بعض الناس والتي قد تكون متعلقة بهذا الوصف فيرجع فيها كل مكلف إلى الفقيه الأعلم الجامع للشرائط ويرى فتواه ويعمل على طبقها ، فإذا أجازه الفقيه -بحسب ما انتهى إليه بحثه- فحجته أمام الله سبحانه ترخيص الفقيه الأعلم ، وإن لم يجزه وقام بها من تلقاء نفسه فإنه يحاسب على عمله لأنه غير مستند إلى حجة شرعية .

 

هذا حاصل ما أفاده شيخنا المحقق (أطال الله بقاءه)

والحمد لله رب العالمين

محرر الجواب

عفى الله عنه ؛

 


(1) الكافي الشريف ج1 ص224 بسنده عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ....على قائمة العرش مكتوب : حمزة أسد الله وأسد رسوله......الحديث .

(2) بحار الأنوار ج51 ص105

(3) بحار الأنوار ج44 ص327 ، في المروي عن سيد الشهداء (ع) : (السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك) .


التالي