التفريغ النصي لرد سماحة العلامة الفقيه الشيخ علي الجزيري (حفظه الله) حول ما جاء في كتاب مقتطفات ولائية .

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام

التفريغ النصي لرد سماحة العلامة الفقيه الشيخ علي الجزيري (حفظه الله) حول ما جاء في كتاب مقتطفات ولائية .

2016/10/24 867

وأما سؤالكم عن الكلام الذي في (مقتطفات ولائية) في خطبة سماحة الشيخ ، المرجع الرفيع الشأن ، والعالم الرباني قطب دائرة التحقيق ، وزعيم الحوزة العلمية لأكثر من ثلاثين سنة ، شيخ العلماء بقية السلف ، من هو فوق الوصف في العلم والعمل وكمالاته يقصر عن بيانها لساني ، وله من الكمالات ما لا يرضى هو (مد الله ظله) بذكره وبيانه .
هو (حفظه الله) له بيت من الشعر يقول فيه عن نفسه :
(وحيدم من اكَر در جرم وتقصير .. سكَى بودم شدم در كوى تو بير)
يخاطب أمير المؤمينن (ع) ، يقول : إن كنت فريد عصري في ذنوبي وتقصيري فإنني قد كبرت سني وهرمت على بابكم .
وهذا فيه تعبير مؤدب مع أمير المؤمنين (ع) واستعطاف ، بأن : في العادة العوائل التي لها بساتين يكون عندها كلاب لحماية البساتين ، والكلاب لها عمر معين -عمر نافع- ثم بعد ذلك تشيخ وتضعف وتصبح كلاً على أصحابها ، عادة أصحاب البساتين من غير العوائل النجيبة أن تطرد الكلاب لكي تتخلص من عبئها عليها ، أما ذوي البيوتات الرفيعة فمن أدبهم أن لا يطردوا كلابهم ، حتى وإن شاخ وإن صار عبئا عليهم ، يثقل ميزانيتهم ، يقولون لا بأس نتحمل ، لأنه ليس من شيمنا أن نطرد من جاورنا سنين طويلة .
فهو يخاطب أمير المؤمنين (ع) بهذا الأدب ، أن العوائل النجيبة التي لا تطرد كلابها بعد أن تخرج عن الانتفاع ، ليست أكثر نجابة منكم يا أهل البيت ، إن كان في العالم شرف فمن محمد وأهل بيته (ع) ، إن كان في الدنيا نجابة فإنما خرجت من هذا البيت .
فحال من يشيخ على بابهم (ع) ويسقط عن الانتفاع -في الصورة التي رسمها الشيخ الوحيد (حفظه الله) على الأقل عن نفسه ، هو يقول أنا أتحدث عن نفسي ولا أدخل أحدا معي في هذا- هو يقول حال من يكبر سنه ويسقط عن الفائدة عند أهل هذا البيت النجيب -الذي هو مصدر النجابة والشرف- فليكن كحال الكلب عند العائلة النجيبة التي لا تطرد كلبها .
فالذي أرجوه من كرمكم ونجابتكم ليس أمرا يرتبط بعملي وفضلي ، فإنه ليس لي شأن وليس لي فضل ، وإنما أنا أرجو كرمكم لأني بقيت ملازما أعتابكم طول هذه السنين ، وهو (مد الله في عمره) كل هذه السنوات يدافع عن الدين ويخدم بيت رسول الله (ص) .
فحقيق به أن يقول : إني لأرجو وأنا قد نافحت عن بيتكم طوال هذه السنين ، أكثر مما يرجوه ذلك الكلب من العائلة النجيبة .
هذا تشبيه بليغ ، وتصوير حسن ، وهو استعطاف وأي استعطاف ؟! استدرار لعطف أمير المؤمنين (ع) ولعطف رسول الله (ص) كما تقول أنت وأنت تخاطبهم : إنه ليس لي عمل ولكني أرجو كرمكم .
والذي في الخطبة جري على هذا النسق ، فإن الذي في الخطبة أنه حفظه الله يقول : أنا استعطف الإمام المهدي (عج) بالإمام الحسين (ع) ، وحينما استعطفه فإني : أصنع ما يصنع التابع لمتبوعه ، أقل التابعين ليس لأشرف المتبوعين بل للمتبوعين العاديين من الناس ، أقل التابعين الكلب الذي يتبع القافلة ، أليس له طمع في القافلة ؟ في أصحابه ؟ هذا الكلب يرجو أصحابه في القافلة ، أفيكون هذا الكلب في رجائه أكثر ثقة بمتبوعه مني ؟!
على الأقل أن يكون هذا الكلب في طمعه ورجائه سببا في حياة ضميري ، أن لا ألتفت إلى نفسي أنا لا أستحق ، ولكن الذي أطمع فيه أهل لأن يجود ، فأنا أتعلم من هذا التابع ، هذا التابع له طمع وثقة بمن يتبعه ، أنا أيضا فلأتعلم منه ، ونحن أيضا فلنتعلم أن يكون لنا طمع في رسول الله (ص) وطمع في أهل البيت (ع) ليس لأننا أهل بل لأن لنا ثقة فيهم ، أن لا يطردوا أحدا عن بابهم ، ومن ليس عنده هذا الطمع فإنه لا يعرفهم ، من لا يعرف أهل هذا البيت هو الذي لا يطمع فيما عندهم وفي كرمهم .
ثم يقول : أنا الذي أشبه طمعي وثقتي فيكم يا أهل البيت ، بطمع الكلب وثقته في من يتبعه ذلك الكلب ، لا أنصف نفسي إن قلت : إن ثقتي فيكم كثقة ذلك الكلب !
أيضا ثقتنا أقل ... لماذا ؟
لأن الكلب الذي يتبع صاحبه ، صاحبه يرميه بالجحارة مرة بعد مرة ، ومع ذلك ثقته في صاحبه لا تزول ، وأنه إذا كان ردني هذه المرة سوف يقبلني مرة ثانية ، ويرميه صاحبه بالحجارة مرة ثانية ولا يتركه بل يتبعه ثقة منه في كرمه ، ونحن يا رسول الله ويا أهل بيت رسول الله نتبعكم ولم تصل إلينا منكم حجارة ، لم يصل إلينا منكم إلا الجود والكرم ، فنعم الموالي أنتم ، إذا وثقنا بكم فكيف نقول ثقتنا بكم كثقة الكلب بصاحبه ؟! وثقة الكلب بصاحبه قد بقيت بعد أن طرده صاحبه ، وثقتنا بكم لم تتعرض لهذا الاختبار .
إذا طردتمونا وبقينا تابعين لكم حينها يحق لنا أن نقول : ثقتنا بكم وطمعنا فيكم كطمع الكلب بصاحبه ، وكثقة الكلب بصاحبه ، أما ولم نتعرض لذلك الاختبار ، فإنه ليس من الإنصاف أن نصف أنفسنا بذلك .

هذا وجه التشبيه .
التشبيه يقولون له أركان :
المشبه ، المشبه به ، جهة التشبيه ووجهه ، والغرض منه .
هنا المشبه : ثقتنا بأهل البيت .
المشبه به : ثقة الكلب بصاحبه .
جهة التشبيه : أن الكلب لا يترك صاحبه ، وإن طرده ، وإن كان الكلب ليس أهلا ليكرمه لأن صاحبه لا ينتفع به ، إلا أن طمعه فيه ينيله الفضل من صاحبه .
الغرض من التشبيه : هو الاستعطاف ، استدرار عطف أهل البيت (ع) .
أركان التشبيه كلها تامة وصحيحة ، فماذا في هذا ؟
قد تقول : إن تشبيه الإنسان بالحيوان فيه تنقيص من الإنسان ، والله سبحانه قد كرم الإنسان .
والجواب : إن تشبيه الإنسان بالحيوان إنما يكون تنقيصا إذا كانت جهة المشابهة مشتملة على تنقيص ، وأما إذا كانت جهة المشابهة مشتملة على مزية أو على جهة ليس فيها تنقيص ، بل توجب استدرار العطف والرحمة ، فمجرد تشبيه الإنسان بالحيوان لا يوجب تنقيصا .
والقرآن الكريم مشتمل على تشبيه الإنسان بالحيوان .
(واخفض جناحك للمؤمنين) من هو الذي له جناح ؟ الطائر ، والطائر حيوان .
طبعا هذا جناح الرحمة ، رسول الله له جناح الرحمة للمؤمنين .
ويوجد جناح آخر (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) هنا جناح الذل ، والذي له جناح هو الطائر وهو من الحيوانات .
(كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة) ، من الذي يذكر ... ؟ رسول الله (ص) وهنا كني عنه بالأسد أو استعير له القسورة ، والقسورة من الحيوان ، والحمر المستنفرة التي تفر من التذكر هم الكفار .
إذن : تشبيه الإنسان بالحيوان ليس فيه إخراج عن دائرة الكرامة إلا إذا كانت جهة التشبيه مشتملة على التنقيص .
الحمزة (رض) : أسد الله وأسد رسوله ، والأسد من الحيوان ، فهل قولك عن الحمزة أسد الله مخالف لقول الله {ولقد كرمنا بني آدم} ؟
المهدي (ع) : طاووس أهل الجنة ، الطاووس من البشر أم من الحيوان ؟
الإمام الحسين (ع) في عدة روايات : فرخ رسول الله ، والفرخ هو ولد الدجاجة ، والدجاجة ليست من البشر ، وكذلك الفرخ .
إذن : وصف أحد من البشر بصفة لحيوان ، أو تشبيهه بحيوان ، لا يوجب نقصا ولا إخراجا عن الكرامة .
التشبيه يلاحظ فيه جهة التشبيه ، جهة التشبيه ما هي ؟ ..... إذا كنت تقول فلان كالأسد وتقصد الرائحة السيئة باعتبار أن الأسد كما يقولون له : بخر فم ، يعني رائحة سيئة تنبعث من فمه .
الأسد كثير الشعر ، له لبدة كثيرة الشعر ، افرض أن أخاك الصغير يطيل شعره بشكل لا تستحبه ، فتقول له : اذهب واحلق شعرك كأنك أسد ، تريد أن تعيبه .
هنا هذا التوصيف يمكن أن يقول أنه مناف للكرامة -أقول يمكن ولا أقول أنه كذلك- .
أما أن تقول فلان أسد وتقصد بذلك أن جهة التشبيه إقدام الأسد ، فهذا ليس فيه حط ولا ينافي الكرامة .
قد يقال : التشبيه منه تشبيه حسن ، ومنه تشبيه مذموم ، والتشبيه المذموم عدوا منه قول الأعرابي الذي جاء إلى بغداد وأمر أن يمدح حاكمها ، فقال : (أنت كالكلب في حفاظك للود ... وكالتيس في قراع الخطوب) ،قالوا : هذا تشبيه مذموم ، لأنه تشبيه يراد به المدح ولكنه يوحي بالذم .
هذا التشبيه المذموم هل يدخل فيه تشبيه الإنسان نفسه أو تشبيه طمعه بطمع الكلب ؟ أنه تشبيه سيء لأنه يفيد الذم ؟
الجواب : هذا ليس من ذاك ، لأن التشبيه الذي قاله الأعرابي تشبيه لغيره ، وهنا سماحة الشيخ (حفظه الله) يتكلم عن نفسه .
هب أنه يحط من قدر نفسه ، هذا كسر للنفس ، في مقام التذلل لأمير المؤمنين (ع) ، فإذا كان في مقام التذلل لأهل البيت (ع) فيحسن به أن يكسر نفسه ، لأنه يعرف قدرهم .
تارة لا يعرف قدرهم ، يأتي إليهم شخص لا يعرفهم ، ينظر إلى قوله تعالى : {إنما أنا بشر مثلكم} ويكتفي ، ولا يكمل الآية {يوحى إلي} ، جانب يوحى إلي الذي فيه المزية لا يذكره ولا يعتقده في قلبه ، يوجد أناس لا يعتقدون ذلك في قلوبهم ، والذي يعتقدونه في قلوبهم أن رسول الله (ص) بشر مثلكم .
من كان يعرف قدرهم ويعتقد ما يمتازون به ويؤمن أنهم سادته ، ومعنى سيادتهم له : أنه عبد لهم .... هذا معنى السيادة .
يوجد من الناس ربما يرضى أن يقال له : سيد ، ولكن نفسه لا تطيب أن يقال لأمير المؤمنين أنه : سيد .
ربما يوجد من الناس من يرضى أن يقال له : يا مولاي ، ولكن نفسه لا تطيب أن يقال لأمير المؤمنين : مولاي .
مع أنه يعرف أن الذي يصفه بأنه سيده يقول له : أنا عبدك ، والذي يقول له : يا مولاي ، يقول له : أنا عبدك .
ونحن نتحدث عن سماحة الشيخ ، فهو عارف ، قاصد ، يعرف سيادتهم وأنهم موالوه ويقصد ذلك ، فلابد أن يكسر لهم جناح الذل من الرحمة .
فإذا كان هذا هو الأدب القرآني مع أبويك ، فالقرآن الكريم -بمقتضى هذه الآية- لا يقول لك : أنت حيوان أمام أبويك ، بل يقول : أنت حيوان صغير -الطير حيوان صغير- ذليل .
ترضى بهذا ؟!
لا ترضى ؟! خصمك القرآن .
الشيخ الوحيد (حفظه الله) نجزم أنه يعتقد أن لرسول الله (ص) ولأهل بيته (ع) أضعافا مضاعفة مما لأبويه عليه من الحق -ربما يوجد في الناس من لا يعتقد لرسول الله (ص) هذا الحق ، ويقول له : أنت رجل وأنا رجل ، أنت إنسان وأنا إنسان ، وأنا لا أذل نفسي لأحد- ، وأما سماحة الشيخ (حفظه الله) -ونجزم أن جميع المؤمنين على ذلك- يعتقد أن رسول الله (ص) ليس أحدا ، يعتقد أن رسول الله (ص) بشر مثلنا ويوحى إليه ، يمتاز بهذه المزية ، وأن من الواجب أن يخفض له إن كان يخفض لأبويه جناح الذل من الرحمة مرة ، فإنه (حفظه الله) نجزم أنه يخفض لرسول الله ولأهل بيته (ع) جناح الذل من الرحمة ألف مرة -على سبيل المبالغة وليس المقصود النسبة ، ففي اللغة العربية يقولون السبعين آخر الأعداد ، وأحيانا يقولون الألف آخر الأعداد ، فيقولون عن المليون : ألف ألف ، ونحن لا ننظر لهذا بل ننظر للرقم ككناية- ، سماحة الشيخ (حفظه الله) يخفض لأمير المؤمنين ولسائر أئمة أهل البيت (ع) أضعاف ما يخفضه لأبويه .
هذا أدب القرآن ، من يعجبه أدب القرآن فهنيئا له .
ومن لا يعجبه أدب القرآن فلينتهج أي أدب يحبه .
ربما يفهم : أنه حيث كان الحامل للصفة هو الكلب ، والكلب في عرف العرب -مثلا- يوصف به الإنسان في مقام الشتم فربما من هذا الوجه يتحسس العربي من هذا الوصف مثلا ، أما في غير هذه الثقافة فلا توجد أي حزازة .
لكن من تُبَيَّن له جهة التشبيه لا ينبغي أن يقصر تركيزه على تحسسه من اسم الكلب ، بل ينبغي أن ينظر إلى جهة التشبيه .
وأما بعض الممارسات الموجودة اليوم فهي موجودة قبل أن تنتشر كلمة الشيخ (حفظه الله) بل هي موجودة في ثقافات لم تبلغها كلمة الشيخ (حفظه الله) .
وعلى أي حال ، هذا التوصيف مبني على نكتة بلاغية بيناها ، وذاك العمل إما أن يكون العامل به مجتهدا ، أو يقلد مع مراعاة الضوابط الشرعية للتقليد الصحيح ، فإذا أجازه الفقيه الأعلم -بحسب ما انتهى إليه بحثه- فحجته أمام الله ترخيص الفقيه الأعلم ، وأما أنه من تلقاء نفسه عمل هذا فإنه يحاسب لأنه عمل من غير حجة .


التالي السابق