هل يعقل وصية النبي الأعظم صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام بالصبر لما يجري على الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام من ظلم؟
تاريخ المحاضرة: 29 جمادى الثاني 1432هـ
نحنُ نتحدثُ عن الحكمِ الشرعي قبل مع قطع النظر عن هذه الوصيه ونتحدثُ عن حُكمِ هذه الوصيه. لـــو أنَّك كنت ذا شوكه ولكن دون شوكة السلطه، واذا دخلت في صراع مع السلطه ستزهقُ النفوس وتحصلُ فتنةٌ في الأمه فأرسلت السلطه بعض جلاوزتها لضرب عيالك، فهل يجوز أن ترد هذا الاعتداء وأن تعرف أن حد الاعتداء هو قتل شخصٍ مثلاً فهل يجوز أن ترد هذا الاعتداء بنحو يؤدي الى وقوع الفتنة بين المسلمين أو لا؟
هذه مسأله معنونه في الفقه، ويقولون – هم يقولون ..دعك من فقهائنا – لا يجوز لأن هذا يؤدي الى اراقة الدماء وحدوث الفتنه والفتنة أكبر من القتل، وذهاب بيضة الاسلام.
فكيف يجوز أن تدخل في مواجهةٍ مع السلطه تُــؤدي الى اضعاف الدولةِ الاسلاميه؟ اذا اعتدي عليك اعتداءٌ على شخصٍ، فلستَ أولَّ مظلوم، ولكن أن تضعف الدوله الاسلاميه فهذا أمرٌ عظيم، هذا اذن على القواعد .. لا توجد وصيه .. على القواعد عندهم يحرم التصدي [1] .
وأما مسألة الوصية، فان المسأله هنا تدخل في باب التزاحم، اذا أردنا أن ننظر الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يعلم أنه سيجترئ بعض من يظهر اتباعه له على ظلمِ أهل بيته، وحينئذ فاما أن يوصيهم بأن يصدوا هذا الظلم وتحدث فتنه أو يوصيهم بالصبر، هنا لا بد له صلى الله عليه وآله وسلم من ملاحظة المصلحه والمفسده. هو ينظر في المفسدة المترتبة في الاعتداء على أهل بيته وهذه مفسدة عظيمه، وفي المفسدة المترتبة على التصدي من قبل أهل بيته ويقارن بين المفسدتين ويوصي على وفق دفع المصلحه الأشد بما فيه مفسدةٌ دنيا وهو صلى الله عليه وآله وسلم أعرف بالمصالح والمفاسد مني، فأعلم أنه –حيث أنه لا ينطق عن الهوى[2] - انما أوصى على طبق ما هو الارجح في مقام تزاحم المصلحتين أو المفسدتين.
أنت تعلم بمقتضى النص القرآني أن الخمر ليس فيها منفعةٌ واحده بل منافع[3]، هذا تعلم به، ولكن توجد مفسدةٌ واحده في الخمر غلبت كل المصالح التي فيه، هذه مفسدةٌ عظيمه جعل الحكم على ضوء هذه المفسده لانها غالبه .. هذا تزاحم في الملاكات والمشرع ينظر الى كل فعلٍ والى ما فيه من مصالح ومفاسد ويقارن بينها .. لا يجعل الحكم اعتباطاً ولا ينظر الى مصلحة ويجعلا لحكم على وفقها بالوجوب مثلاً أو ينظر الى مفسدةٍ ويحكم بتحريم هذا الفعل على ضوئها ، بل يُقَارِنْ .. يَضَعُ ميزاناً .. ويضعُ المصلحةََ والمفسدةَ ويوازنُ ثم ينظر أيهما أرجح ويحكم على ضوء الراجح.
وهذا قانونٌ يجري في احكام كل حكيم ، حتى أنت اذا اردت أن تفعل فعلا فانك تنظر ما فيه من المصالح وما فيه من المفاسد وتوازن بين المصالح والمفاسد ثم تقدم الارجح.
فنحن نعلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بما هو الارجح، علمنا وجه ذلك (علمنا سرَّه) أو كانت حكمته خفيه علينا، هذا لا يغيِّر. نحنُ تكلمنا مراراً أن الملائكه عندما سئلوا الله سبحانه ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ البقرة: 30
الاية لم تقل أن الله أخبرهم بالحكمه بل أجابهم: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: 30
معنى هذه الكلمه أني أعلم بالمفسدة التي تترتب على خلقي هذا ولكني أعلمُ أيضاً بوجود مصالح وأعلمُ بأن المصالح أرجح، وأنا أنا غير ملزمٍ باخباركم وغير ملزمٍ بتعليمكم ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
__________________________________________________ _
[1] يقول ابن القيم في أحكام أهل الذمَّة (2/ 502) : (مدار الشَّرْع والقَدَر على تحصيل أعْلَى المصلحتين بتفويت أدْنَاهما، وارتكاب أدْنَى المفْسَدتين لِدَفْع أعلاهما) وقال العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام في اصلاح الأنام: (1/60): (إذا تعارضت المصلحتان وتعذر جمعهما فإن علم رجحان إحداهما قدمت).
[2] ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ الاية 3 و 4 من سورة النجم.
[3] ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾ الاية 219 من سورة البقره