حفل مولد السيدة الزهراء عليها السلام بالساباط 1443 هـ
حفل مولد السيدة الزهراء عليها السلام بالحسينية الحيدرية بالساباط
ليلة 19 جمادى الثانية 1443 هـ
الملف بصيغة PDF
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على أشرف الخلق اجمعين محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم إلى قيام يوم الدين.
فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله : «فاطمة بضعة مني». والبضعة هي القطعة من اللحم. لو قال إنها جزء مني لدلّ ذلك على كمالها؛ لأنّ الجزء يأخذ حكم الكل، ولكن الأجزاء ليست سواء، فالإنسان له رأس وله يد، وحكم الرأس يختلف عن حكم اليد، أمّا البضعة من القطعة من اللحم فليس فيها هذا التفاوت، فهي جزءٌ كسائر الأجزاء، وفي هذا مزيد مزيةٍ لها صلوات الله وسلامه عليها.
فاطمة التي هي بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله لا يُمكننا أن نعرف قدرها ولا أن نُبيّن منزلتها إلا إذا عرفنا قدر رسول الله صلى الله عليه وآله وبينّا منزلته. أمّا عند الشيعة أنار الله بُرهانهم فمكانة فاطمة عليها السلام من ضروريات مذهبنا، فإنّ معرفة مقام فاطمة عليها السلام من اليقينيات بحمد الله في مذهبنا، ولا نحتاج للتعريف بمكانتها حتى للصبي الصغير. ومن أجل هذا أردنا أن نُلفت إلى مكانة فاطمة عليها السلام في تراث غير الشيعة من المسلمين، أمّا في تراث الشيعة فمكانتها بحمد الله من الضروريات، وكما يعرف المسلم الشيعيّ وجوب الصلاة في هذا الدين، وكما يعرف أن الصلاة مشروطة بالوضوء، وكما يعرف أن الصلاة تكون إلى القبلة، فإنّ الشيعي أيضاً يعرف مكانة فاطمة عليها السلام، هذا حالُ مكانة فاطمة عند الشيعة وهذا مما يفخر به الشيعة.
أمّا عند غيرهم فنقف على هذه الكلمة. هذه الكلمة وردت في تراث غير الشيعة في أصحّ كتبهم، فقد جاء في صحيح البخاري([1]) وفي صحيح مسلم ([2]): أنّ فاطمة بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله، فلنقف على هذه الكلمة.
أولاً: نُشير إلى خلافٍ عندهم فيمن هي أفضل النساء، فقد جاء عندهم في رواياتهم أنّه قد كمل من الرجال كثيرٌ ولم يكمل من النساء إلا أربع، وهنا نشيرُ إلى أنّ الرواية عندهم مختلفة: ففي رواية ورد: ولم يكمل من النساء إلا اثنتين([3])، ويوجد عندهم: ولم يكمل من النساء إلا ثلاث([4])، حيث ذكرت أسماء ثلاث نساء، ويوجد عندهم رواية فيها أربع نساء([5])، وقد اختلفوا في أفضل النساء، وهذه الأربع النساء هنّ: آسيا بنت مزاحم، ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ثانياً: ورد عندهم في فضل امرأة أنّ فضلها على النساء كفضل الثريد على الطعام، وقال بعض علمائهم إنّ الإجماع قد قام على تفضيل فاطمة عليها السلام([6])، ففاطمة عليها السلام خارجة عن هذا، وإنما تفضيل هذه المرأة على غير فاطمة عليها السلام. ومن علمائهم أحمد بن إسماعيل الشافعي الحنفي (المتوفى سنة 893 هـ) – تلميذ ابن حجر العسقلاني - وله كتاب في شرح صحيح البخاري اسمه (الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري) تعرّض لهذا الحديث في فضل المرأة التي ورد أنّ فضلها كفضل الثريد ([7]) ولا شأنَ لي الآن إن كان هذا هو أفضل الطعام، فإنني لا أريد أن أتكلم عن هذه الرواية، وإنما أريد أن أنقل كلام أحد شُرّاح صحيح البخاري من غير الشيعة، الذي قال:
"فإن قلت: فقوله: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام". قلت: محمول على غيرها كيف وقد قال: "إنها بضعة منّي" وشعرة منه لا يوازيها الثقلان فضلًا عن البضعة"([8]).
وبيان كلامه: إنّ هذه الرواية في فضل هذه المرأة كفضل الثريد لا تشمل فاطمة عليها السلام، ويعني هذه المرأة فضلها على النساء غير فاطمة؛ لأنّ فاطمة قال فيها صلى الله عليه وآله إنها بضعة مني، وشعرةٌ منه صلى الله عليه وآله - وهذا ليس كلام عالم شيعي- وشعرة منه لا يوازيها الثقلان. هذا قدر رسول الله صلى الله عليه وآله، وشعرةٌ منه صلى الله عليه وآله لا يوازيها الثقلان، فكيف بالبضعة. فاطمة عليها السلام ليست شعرة من رسول الله صلى الله عليه وآله بل بضعة منه، وفاطمة عند هذا العالم السني -ليس في تراث الشيعة- لا يُقاس بها الأنبياء بأجمعهم، يقول: "وشعرة منه لا يوازيها الثقلان" يعني لو اجتمعوا لا يوازي شعرة من رسول صلى الله عليه وآله، وفاطمة ليست شعرة من رسول الله وحسب، بل فاطمة بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله.
أقول: وكان حقه أن يضيف: ليس الثقلين وحسب بل كان حقه أن يضيف الخلائق، فلا الأرضون ولا السماوات ولا الملائكة تُقاس برسول الله صلى الله عليه وآله، فقد جاء من رواياتنا عن أهل البيت عليهم السلام أنه «مَا بَرَأَ اللَّهُ نَسَمَةً خَيْراً مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله» ([9]) كما ورد أنّه لو وضع رسول الله صلى الله عليه وآله في كفة ووضع جميع الخلائق في كفّة أخرى لرجحت كفة رسول الله صلى الله عليه وآله([10]).
هذا قَدْرُهُ صلى الله عليه وآله وفاطمة بضعة منه، أفنقدر على معرفة مكانة فاطمة عليها السلام وهي بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله؟! وإذا عرفنا منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله فكما نعرف قدر فاطمة عليها السلام فإننا نعرف أيضا قدر عليٍ عليه السلام فإنه قد جاء في صفة فاطمة عليها السلام: «لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَلَقَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لِفَاطِمَةَ مَا كَانَ لَهَا كُفْوٌ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ آدَمَ وَ مَنْ دُونَهُ»([11]).
هذا قدر فاطمة عليها السلام، وهذا قدروا عليٍ عليه السلام، فهنيئاً لمن تمسّك بهم، والحمد لله أولا وآخراً.
------------
[1] صحيح البخاري- ط السلطانية، كتاب فضائل الصحابة باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ومنقبة فاطمة [ع]، ج 5 ص 21 ح (3714)؛ وأيضاً: كتاب فضائل الصحابة باب ذكر أصهار النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم، ج 5 ص 22 ح(3729)؛ وأيضاً: كتاب فضائل الصحابة باب مناقب فاطمة عليها السلام، ج 5 ص 29 ح(3767)؛ وأيضًا كتاب النكاح باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف، ج 7 ص 37 ح (5230).
[2] صحيح مسلم - ت عبد الباقي، ٤٤ - كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام، ج 4 ص 1902ح (93-2449) ، وأيضاً: ج 4 ص 1903 حديث: (94- 2449).
[3] صحيح البخاري ط. السلطانية، كتاب الأطعمة باب الثريد ج 7 ص 75 ح (5418)؛
وأيضًا: صحيح مسلم - ت عبد الباقي، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، ج 4 ص 1886 ح (70- 2431).
أقول: وقد سجّل شيخنا العلامة الجزيري حفظه الله في إحدى المناسبات استغرابه من وضع مسلم حديث ["كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ. وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ. وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"] تحت باب [فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها] مع أنّ الحديث في صحيح مسلم في نسخته المعاصرة يخلو من اسم خديجة عليها السلام، فهل طالت يد العبث هذا الحديث وعبثت به؟!!!
وقد وقفتُ على شاهدٍ لعلّه يؤيّد وجود عبثٍ في الحديث، أورده ابن كثير في تفسيره حيث أشار لوجود اسم السيدة خديجة عليها السلام في نصّ الصحيحين، حيث قال عند إيراد هذا النصّ:
"وقد ثبت فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ قَالَ: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ على سَائِرِ الطَّعَامِ».
تفسير ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت 774 هـ)، تحقيق: المحقق: محمد حسين شمس الدين، الطبعة: الأولى - 1419 هـ، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون – بيروت، [سورة التحريم: الآيات 11 إلى 12] ج 8 ص 194.
[4] تفسير ابن كثير - ط العلمية، [سورة آل عمران: الآيات 42 إلى 44]، ج 2 ص 34
[5] تفسير الثعلبي أو الكشف والبيان عن تفسير القرآن ط دار التفسير، سورة التحريم الآية 12، ج 27 ص 71 ، وورد الحديث بلفظ آخر وهو: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعٌ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ»، وللمزيد: راجع بعض طرق هذا الحديث في ترجمة السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها الواردة في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ط. دار الجيل ، ج 4 ص 321- 323.
وورد أيضًا بلفظ: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مريم بنت عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ»، وقد رواه الترمذي وصحّحه، وصحّحه الألباني أيضاً:
سنن الترمذي ت.شاكر، أبواب المناقب باب فضل خديجة رضي الله عنها، ج 5 ص 703، ح(3878).
[6] فتح الباري لابن حجر العسقلاني ط. دار المعرفة، ج 7 ص 109.
وجاء في التفسير المظهري: "وما فى الصحيحين من حديث المسور بن مخرمة قوله صلى الله عليه وسلم فاطمة بضعة منى وعند احمد والترمذي والحاكم عن ابن الزبير نحوه يقتضى فضل فاطمة على جميع الرجال والنساء كما قال مالك لا نعدل ببضعة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أحدا" [سورة آل عمران: آية 43]، ج 2 ق 1 ص 48
[7] الثريد هو خبزٌ يمزجُ مع المرق، وهو طعام متعارفٌ عليه في بعض المجتمعات.
[8] الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري، أحمد بن إسماعيل بن عثمان بن محمد الكوراني الشافعي ثم الحنفي المتوفى ٨٩٣ هـ، تحقيق: المحقق: الشيخ أحمد عزو عناية، الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، ج 10 ص 46
[9] الكافي ط. الإسلامية للكليني رحمه الله، ج 1 ص 440 ح (2)
[10] بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث، ج 26 ص 331 نقلاً عن التفسير المنسوب للإمام العسكري (ع) ص 392.
[11] الكافي ط. الإسلامية للكليني رحمه الله، ج 1 ص 461 ح (10)