معنى أنّ من زار الحسين (ع) كان كمن زار الله في عرشه

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام
عنوان السؤال: معنى أنّ من زار الحسين (ع) كان كمن زار الله في عرشه
ابو كرار 2018/09/12 8303

ما معنى: أنّ من زار الحسين (ع) كان كمن زار الله في عرشه؟

مقطعٌ مقتبسٌ من الجلسة الحوارية المفتوحة مع الشيخ علي الجزيري ليلة 8 من شهر رمضان 1439 هـ - الموافق 23 مايو 2018م في التويثر، رابط المقطع:  https://youtu.be/pqFbzKdoq-c

 

قبل الإجابة عن معنى أنّ من زار الحسين (ع) كان كمن زار الله في عرشه؟([1])، ينبغي تبيان التالي: 

الله سبحانه ليس جسماً مادياً حالاً حُلولاً جسمانياً فوق العرش!

هذا المعنى نعلم أنه غيرُ مقصود؛  لأن الجسم المادي محدودٌ محتاجٌ، والله سبحانه لا حدّ له، وهو الغني الحميد، فلا يعقل أن الله يكون جسماً جالساً على كرسيٍ كما يظن بعض الناس، بل الله سبحانه هو المُحيطُ بكل شيءٍ ولايحيطون به علماً.

فالتفكير في ذات الله سبحانه هدرٌ للوقت، ولكن الله سبحانه نعلم أنه ليس بجسم وليس بمادة.

فإذا جائتنا آيةٌ أو روايةٌ يُفهم منها الجسمانية مثل قوله تعالى:(يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) – والتي قد يُفهم من هذا أن لله يداً ماديةً وهذه اليد توضعُ على يد من بايع رسول الله صلى الله عليه وآله- واذا رأينا آيةً مثل قوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)- والتي قد يُتوهم ان لله وجهاً، وأن هذا الوجه الجسماني المادي لا يهلك- فإننا نعلمُ أنّ هذا الظهور غير مقصودٍ وأن الله سبحانه لا يريدُ هذا المعنى.

كما إننا نعلم أن الله سبحانه لم يقصد في قوله تعالى: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) أنه ربط عضد موسى (ع) بهارون (ع)،

ونعلم أنّ قوله تعالى: (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) لا يُرادُ به أنّ موسى (عليه السلام) اتخذ هارون (عليه السلام) حزاماً أو مشداً يشد به إزاره، وإنما هذه الكلمات على سبيل الكناية وهي من المجاز.

والمقصود في (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي): أي انصرني به وقوّني به، وهكذا في مثل: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) أي سنجعلهُ ناصراً لك.

وأمّا في مثل: (كمن زار الله في عرشه)،  فزيارة الله سبحانه بالمعنى المادي غير مقصودةٍ، وأما ماهو المقصود من هذا؟ فالمعصوم هو الذي قال هذا الكلام وهو أعرفُ بما قال.

فإذاَ في مثل هذه النصوص نقول الله ورسوله وأولياءه أعلم.

هذا بالنسبة للجزم بمراد الإمام عليه السلام في قوله: (كمن زار الله في عرشه).

وأمّا ما يحتمله العلماء في تفسير هذا، فهذه المعاني المحتملة التي يذكرها العلماء في كُتب تفسير القرآن الكريم أو تفسير الأحاديث إنما يذكرونها على سبيل الإحتمال([2]) في الكتب التي تؤلف لوقوف العلماء عليها.

وأما بيان هذه العلماء لمثل هذه الإحتمالات على الملأ فحيث إنه قد يُوجِـبُ (أي ظن السامع) بأن هذا المعنى الذي يذكره العلماء على سبيل الإحتمال هو المعنى الذي يُـفَـسِّـر به العلماء هذا النص أو ذاك.

فإنه لايحسن أن تذكر هذه الوجوه التي أساسها إحتمالٌ لا أكثر.

لايحسن أن تذكر هذه الوجوه وإن كان مع القول بأنه (لعل المراد أو قد يكون المراد ...).. إلا مع بيان طويلٍ في شرح هذه الجهة.

ونحن في العادة لانذكُرُ التفسيرات التي لاتستند إلى حجة، نعم قد نذكر في بعض مجالسنا الخاصة بعض الوجوه المحتملة؛ لأن الحضور قد أَلِـفُـو مثلَ هذا الجواب، وقرع سمعهم مراراً بحيث لانَحتملُ في حقهم أنهم يفهمون مما نذكرهُ على سبيل الإحتمال أننا نذكرهُ على طريق الحجةِ والإعتماد.

فالجوابُ أننا لانعلم ماهو المراد بزيارة الله في عرشه، ولكننا نعلم أمرين:

الأمر الأول: أن هذا المعنى الظاهر -أن الله جسم وجالسٌ على العرش وأن الذي يزور الحسين عليه السلام كمن يزور الله على العرش زيارة مادية- نجزمُ أنه غير مقصود.

الأمر الثاني: أن هذا التعبير أوتي به مع أن غالب من يبلغهم هذا التعبير لايعرفون معنى زيارة الله في عرشه، ولكنهم يفهمون شيئاً لايرتابون فيه، وهو أنّ زيارة الحسين عليه السلام لها خصوصية عظيمة جداً تفوق إدراك البشر، وكل من يسمع هذه الكلمة يعرف هذا المعنى.

إذاً نحن نعلم شيئين من هذا البيان:

(الأول:) أن الظاهر غير مقصود و(الثاني:) أنه يقصد بيان معنى جليل يفوق مستوى إدراكنا.

إذاً لم يسقط هذا البيان عن الفائدة بالمرة؛ لأنه قد صارت له فائدة وهي ذهاب الوهم كل مذهب، ونظير ذلك في القرآن الكريم -التشبيه الوارد في القران الكرام بعضه تشبيه بالمحسوس، وبعضه تشبيه بغيرِ المحسوس- كقوله تعالى: (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ).

أيٌ منكم رأى الشيطان؟

أيٌ منكم رأى رُؤوس الشياطين؟

لايوجد أحد منكم رأى رؤوس الشياطين، ولكنّ السامع لهذه الجملة وإن لم يعرف المقصود بالمعنى الحرفي إلا أنه يتحصّلُ له أن شأن هذه شأنٌ عظيم وأنها أمرٌ مخوفٌ جداً. من هذا التشبيه قد علمنا هذا المعنى وإن لم نكن نعلم المُـشَـبَّـهْ بهِ على وجه الخصوصية والتعيين.

وكذلك الحال في مثل هذا التشبيه(كمن زار الله في عرشه) لانعلم حقيقة زيارة الله في عرشه، ولكننا نعلم من هذا التشبيه أن زيارة الحسين عليه السلام لها فضلٌ كبير عند الله تبارك وتعالى.

 

[1]  ذكر الشيخ ابن قولويه رحمه الله في كتابه كامل الزيارات جملةً من النصوص في هذا المعنى ومنها:

 حدثني أبي رحمه الله وعلي بن الحسين وجماعة مشايخي رحمهم الله، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لمن زار قبر الحسين (عليه السلام)، قال: "كان كمن زار الله في عرشه"، قال: قلت: ما لمن زار أحدا منكم، قال: "كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله".

وحدثني أبي رحمه الله، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن الخيبري، عن الحسين ابن محمد القمي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)  قال: "من زار قبر أبي عبد الله (عليهما السلام) بشط الفرات كان كمن زار الله  فوق عرشه".

وحدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، قال: حدثني محمد بن الحسن بن شمون البصري، قال: حدثني محمد بن سنان، عن بشير الدهان، قال: كنت أحج في كل سنة فأبطأت سنة عن الحج، فلما كان من قابل حججت ودخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: "يا بشير ما أبطأك عن الحج في عامنا الماضي؟"، قال: قلت: جعلت فداك مال كان لي على الناس خفت ذهابه، غير أني عرفت عند قبر الحسين (عليه السلام)، قال: فقال لي: "ما فاتك شي مما كان فيه أهل الموقف، يا بشير من زار قبر الحسين (عليه السلام)  عارفا بحقه كان كمن زار الله في عرشه".

وقريبٌ من هذا المعنى:
وحدثني محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الخيبري، عن الحسين بن محمد القمي ، قال: قال لي الرضا (عليه السلام): "من زار قبر أبي ببغداد كان كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين، إلا أن لرسول الله وأمير المؤمنين (عليهما السلام) فضلهما"، قال: ثم قال لي: "من زار قبر أبي عبد الله بشط الفرات كان كمن زار الله فوق كرسيه".

كامل الزيارات لابن قولويه رحمه الله، أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي المتوفي (ت 368 ه‍)،  التحقيق: الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق الطبعة: الأولى 1417 هـ،  المطبعة مؤسسة النشر الاسلامي، مؤسسة (نشر الفقاهة)، الباب (59) ان من زار الحسين (عليه السلام) كان كمن زار الله في عرشه وكتب في أعلى عليين، ص 278.

[2]  من المعاني المحتملة التي ذكرها العلماء:
1-  ما أورده الشيخ الصدوق رحمه الله في الأمالي والعيون:
"معنى قوله عليه السلام: كان كمن زار الله تعالى في عرشه ليس بتشبيه؛ لأن الملائكة تزور العرش وتلوذ به وتطوف حوله وتقول نزور الله في عرشه كما نقول: نحج بيت الله ونزور الله؛ لأن الله تعالى ليس بموصوف بمكان تعالى عن ذلك علوا كبيرا."
عيون أخبار الرضا (ع) للشيخ الصدوق رحمه الله، صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان ، ج1 ص 291.

2- و ما ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله في التهذيب:
" وهو ان لزائره (عليه السلام) من المثوبة والاجر العظيم والتبجيل في يوم القيامة كمن رفعه الله إلى سمائه وأدناه من عرشه الذي تحمله الملائكة وأراه من خاصة ملائكته ما يكون به توكيد كرامته، وليس على ما تظنه العامة من مقتضى التشبيه"
تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي  رحمه الله، حققه وعلق عليه السيد حسن الموسوي الخرسان، الناشر: دار الكتب الاسلامية،  ج 6 ص 5  


التالي السابق