الاستشفاء بالتربة الحسينية

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام
عنوان السؤال: الاستشفاء بالتربة الحسينية
ابو كرار 2018/09/17 6088

يقولُ الـمُخالِفُ إذا كانت تُربةُ الإمام الحسين (ع) شفاءً للأمراض، فلماذا تذهبون للمشافي؟

مقطعٌ مقتبسٌ من درس 17 جمادى أول 1437هـ. رابط السؤال  والجواب: https://youtu.be/XAeT_kw7LK0

الجواب عن هذا السؤال بالنقض والحل.

نقوضٌ قرآنية وحديثية:
أمّا النقضُ من القرآن الكريم، فمن أعظم الأسباب التقوى، قال تعالى:  (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، فهل يوجدُ أعظم من هذه الشهادة؟! دعك الآن من تُربة الحسين (ع)! التقوى من أعظم الأسباب. ومن أعظم الأسباب أيضاً التوكل، قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) ، فهل يوجدُ أعظم من أن يعدك القرآن الكريم بأنّ الله يكفيك إذا توكلت عليه؟! ومن أعظم الأسباب الدعاء، قال تعالى:  (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

وأمّا النقض من السنة النبويّة، فقد ورد عندهم –أي المخالفين- وفي رواياتٍ يقينيّةٍ أنّ الحبّة السوداء "شِفاءٌ من كل دَاء"([1])، وأنّ "ماء زمزم لما شُربَ له" ([2])، بمعنى أنّك إذا أخذتهُ حتى للرزق، فإنّه يكونُ سبباً للرزق، وإذا أخذتَهُ للمذاكرة لتنجح فإنه يكون سَبَباً للنجاح، وعلى هذا فلا يلزمك حتى أن تُذَاكِر، بل على كُلّ شخصٍ أن يأخذَ قارورةً من ماء زمزم ليلة الإمتحان ويشربها وتكون أموره بأحسن حال. وإذا مرض أحدٌ فلماذا يذهب إلى المستشفيات؟! ولماذا تبنى المستشفيات في مكة من أصل؟! فلتوزع مياه زمزم على البيوت، ومن كان لا يؤمنُ بقولِ رسول الله صلى الله عليه وآله فليخرج من مكة، ومن كان يؤمنُ فليشرب من الماء ويُشفى إذا مرض.

 وكذلك العمل، فلا حاجة له؛ لأنّ الإنسان إنما يعمل من أجل الرزق، فليشرب ماء زمزم ويُرزق!

ثم لماذا يخيطون الثياب؟! إذا كانوا يُريدون الستر، فيُقالُ لهم: لا تشتروا الثياب، بل اشربوا ماءَ زمزم وتستّر.

وإذا أراد أحدهم أن يَذهب من بَلدٍ إلى بلد، فلا يحتاج لا إلى الطيارة ولا إلى السيارة، بل أن يشرب ماء زمزم، ويصيرُ في البلد الأخرى! هذا نقضٌ.

والنقوض ليست خاصة بهذا، بل هذا بعضها، وما تجيبون به عن هذا النقض نُجيب به عن كون تربة الحسين عليه السلام شفاء ومع ذلك تُبنى المستشفيات في بلاد الشيعة.

الجواب الحلي:
وأما الحل، فنجيبُ عنهم وعنا، بأنّ هذه أسباب، ولتأثير الأسباب شروطاً،
وشروط تأثيرِ هذهِ الأسباب قد تتوفّر فيّ وقد لا تتوفر فيّ.

إذن، هذه أسبابٌ معنويةٌ، وتوجدُ أسبابٌ ماديّة، والأسباب المعنوية لتأثيرها شروطٌ معنويةٌ، والأسباب الماديّة لتأثيرها شروطٌ مادية، فمثلاً دواء (المضاد الحيوي) أو (antibiotic) لا يُؤخذُ في كل حينٍ ويؤثرُ أثرهُ، بل يُشترط أن يؤخذ على فاصلٍ زماني معيّن، فبعضها يؤخذُ كلّ ست ساعات، وبعضها يؤخذُ كلّ ثمان ساعات، وبعضها يؤخذُ كل 12 ساعة، وبعضها يؤخذُ كل 24 ساعة، فشروط التأثير مختلفة، لكنها أسبابٌ مادية وشروطها مادية.


وأمّأ الأسبابُ المعنويّة مثل: الدعاء والتوكل والتقوى وماء زمزم والحبّة السوداء وتربة الحسين (ع) فهي أسبابٌ معنوية ولها شروطٌ معنوية، والشروط المعنوية قد تتوفر في وقد لا تتوفر.

إذن أنا آخذ بالأسباب المعنويّة رجاءَ أن تكون الشروط مجتمعة فيّ، فأدعو الله وأتقيه، وأتوكلُ عليه، وأشربُ ماء زمزم، وأستعمل الحبة السوداء، وآخذ تُربة الحسين (ع)، فأجمعُ بين الأسباب المعنوية؛ لأنّه ربما اجتمعت فيّ شرائط تأثير هذا السبب المعنوي وفقدت فيّ شرائطُ تأثيرِ السبب المعنوي الآخر، فأجمع بينها.

وكذلك الأسباب المادية إلا أن تكون -كما هو الحال في الأدوية- هنالك موانعُ من الجمع بين الأسباب المادية كالأدوية مثلاً، فالجمعُ بين مضادين حيوين ربما تكون نتيجته عكسية.


إذن الأسباب المعنوية لـمّا لم يكن بينها تدافعٌ فالجمع بينها حسنٌ، والأسباب المادية إذا لم يكن بينها تدافعٌ فالجمع بينها حسنٌ. ومن القصص الطريفة ما ينقل عن الشيخ حسين طه نجف رحمه الله  وقد كان رجلاً عالماً خفيف الظل، يُقال ذهب من العراق إلى بلاد الشام، ثم نزل إلى الحج، وزار جبل عاملة والشيعة هناك، فلمّا نزل عندهم ضيفاً أكرموهُ، فلمّا جاء وقت الغداء سألوه: شيخنا في عُرف العراق تقدّمُ الفاكهة قبل المائدة، وفي عُرْفِ بني عاملة تقدّمُ الفاكهة بعد المائدة، فماذا تحبون؟ قال: الجمعُ أكمل.
على أي حال هذا من الأسباب المادية؛ لأن المقصود بالفاكهة التفكه والاستمتاع والتلذذ بالطعام، والأكل قبل المائدة نوعٌ والأكل بعدها نوعٌ آخر.

إذن الجمع بين الاسباب المادية إذا لم يحتمل التدافع بينها، وصيرورتها مضرة فالجمع أيضاً حسنٌ، فمن كان يريد مثلاً أن يدخل الاختبار، فإنه يقال له: تذاكر الكتاب الذي درسته في المنهج، ويأتي شخصٌ آخر فيقول له: يسعك أن تذاكر مثلاً أسئلة السنوات الخمس الأخيرة التي قُدّمَت للمُخْتَبَرين و دعك من الكتاب. فتارة لا يكون عند الطالب وقتٌ أو جلدٌ وصبرٌ على تحمّل عناء المذاكرة، فيقول: أنا أسأمُ وأَملُّ من مذاكرة الجميع، فيقال له: اختر، وتارة أخرى يكون عنده الجلد الذي يتحمّلُ معه أن يجمع بين الأمرين فيقال له: اجمع: أي ذاكر الأسئلة مع الكتاب ليكون ذلك أمكن وتكون أقوى في تقديمك للأختبار. وكلما ازداد حرص الطالب كلما زادت همته وجمع بين الأسباب المادية.


كذلك الأسبابُ المعنويّة، فكلما ازداد الأمر شدةً ، كلما جمع العبد الـمُبتلى بين الأسباب المعنوية.
ولئن كانت الهمةُ على الدعاء ضعيفةً عند مَن يُبتلى بالزكام، ولكن إذا أُبتليَ بمرضٍ في الكلى أو بمرضٍ خبيث، فإن همَّتَهُ تكون أأكد وأشدّ، وكلما اشتدّ وجعه اشتدت همته في تحصيل الأسباب المعنوية.
وتحصيلُ الأسباب المعنوية لا يعني ترك الأسباب الماديّة، فان الإنسان قد يكون فاقداً لشروط جميع الأسباب المعنوية، فلا يستجابُ دعائهُ لأنه فاقدٌ لشرط إجابة الدعاء، ولا استشفاؤهُ بتربة الحسين (ع) ينفع، لأنّه فاقدٌ لشرط تاثيرها، وكذلك الأمر مع ماء زمزم وما جاء في القرآن من تأثير التوكل والتقوى، فإذا فقدَ الإنسانُ كلّ شروط تأثير الأسباب المعنوية، فهل يستسلم أم يأخذ بالأسباب المادية؟! يُقال له: العقل والشرع يقولان: خذ بالأسباب المادية؛ لأنّ لبدنك عليك حق. إذن يأخذُ الإنسان بالأسباب الماديّة؛ لأنّ الأسباب المعنوية على كثرتها وتنوعها لتاثيرها شروط قد تكون مفقودة.
ونحن لا نكذّب الشرع الذي أخبر بتأثير هذه الأسباب المعنوية، ولا نكذب القرآن إذ قال: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ولا نكذبه حين قال: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، بل نصدّقُ كل هذا، ولا نكذّب ما جاء في الحديث من أنّ الحبّة السوداء دواء لكل داء، ولا نكذّب أن ماء زمزم لما شُرب له، وإنما نقول لهذه الأسباب شروط، قد تكون جميعها أو بعضها مفقودة فيّ، فألتمس الأسباب المادية.      

 

----------------------------------- 

[1]  من ذلك ما رواه البخاري في كتاب الطب، باب الحبة السوداء:
[5363] حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله حدثنا إسرائيل عن منصور عن خالد بن سعد قال خرجنا ومعنا غالب بن أبجر فمرض في الطريق فقدمنا المدينة وهو مريض فعاده ابن أبي عتيق فقال لنا عليكم بهذه الحبيبة السوداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب فإن عائشة حدثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم يقول إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام قلت وما السام قال الموت.
وما رواهُ مسلم: في باب التداوي بالحبة السوداء:

[2215] حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبرهما أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت والحبة السوداء الشونيز

[2215] وحدثنيه أبو الطاهر وحرملة قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ ح وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب وابن أبي عمر قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي ﷺ بمثل حديث عقيل وفي حديث سفيان ويونس الحبة السوداء ولم يقل الشونيز

[2215] وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وابن حجر قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: ما من داء إلا في الحبة السوداء منه شفاء إلا السام

[2]  جاء في كتاب الإعلام الملتزم بفضيلة زمزم - سلسلة لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (25) لأحمد بن علي الأزهري الشافعي (المتوفى: 1179 هـ) تحقيق: رمزي سعد الدين دمشقية، الطبعة:الأولى، 1422 هـ - 2001 م، الناشر:دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان ص 23 - 24:
"قد ورد في فضل زمزم أحاديث كثيرة، لكن البخاري لم يذكرها لكونها لم تكن على شرطه صريحًا.
ووقع في صحيح مسلم  من حديث أبي ذر: "ماء زمزم طَعَامُ طُعْم"، وزاد الطيالسي: "وشفاء سُقْم".
وفي "المستدرك" من حديث ابن عباس مرفوعًا: "ماء زمزم لما شُرِب له". وصححه البيهقي في الشُّعَب وابن عيينه وابن حبان.
ووثَّق رجاله الحافظ الدمياطي ، وكذلك الحافظ العسقلاني حيث قال في "الفتح" بعد نقله هذا الحديث: رجاله ثقات إلَّا أنه اختُلف في إرساله ووصله، وإرساله أصح، انتهى
وحذا حذوهما القسطلاني حيث قال بعد إيراده حديث "المستدرك" المذكور: وبالجملة فقد ثبتت صحة هذا الحديث، أعني حديث: "ماء زمزم لما شُرِب له".
ومعناه: أنكَ إنْ شربته لتستشفي به شفاكَ الله، وإن شربته لشبعكَ أشبعكَ الله، وإن شربته لقطع ظمأ قطعه الله تعالى، وهكذا.
وقد ورد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه شربه للعلم والفقاهة فكان أفقه [أهل] زمانه .
قال البكري رحمه الله تعالى: وأنا قد جرَّبت ذلك فوجدته صحيحًا على أني لم أشربه إلَّا على يقين من هذا وتصديق بالحديث، انتهى."


التالي السابق