ما هو المقصود من الفقرة الواردة في دعاء رجب (لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك)

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام
عنوان السؤال: ما هو المقصود من الفقرة الواردة في دعاء رجب (لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك)
ابو كرار 2019/03/15 2507

ما هو المقصود من الفقرة الواردة في دعاء رجب (لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك)

مقطعٌ مقتبسٌ من درس: فضل شهر رجب وشعبان:
الرابط من الموقع: http://jaziri.net/view.php?id=560

 

ورد في بعض أعمال شهر رجب هذا الدعاء المروي عن الناحية المقدسة، وهذا الدعاء يبتدأ بالاستشفاع والتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، إلى أن يصل إلى هذه الفقرة: " لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك، فتقها ورتقها بيدك، بدؤها منك وعودها إليك، أعضاد وأشهاد، ومناة وأزواد، وحفظة ورواد، فبهم ملأت سماءك وأرضك حتى ظهر أن لا إله إلا أنت "([1])، وأمام هذه الفقرة قد تُعرض جملة من التساؤلات:

ما هو المقصود بهذه الفقرة؟

كيف يقال أنه لا فرق بين الخالق والمخلوق؟

كيف تلتئم هذه الفقرة مع اعتقادنا بتوحيد الله تبارك وتعالى؟

كيف تجتمع هذه الفقرة مع قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [سورة الشورى، الآية 11] ، وقوله تعالى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [سورة مريم، الآية 65]، وقوله تعالى: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) [سورة التوحيد، الآية 4] ، فإن ما جاء في هذه الفقرة لا يلتئم مع الاعتقاد بتوحيد الله تبارك وتعالى؟

 

[1]  رواهُ الشيخ الطوسي رحمه الله في مصباح المتهجّد وقال: " أخبرني جماعة عن ابن عياش قال: مما خرج على يد الشيخ الكبير أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد رضى الله عنه من الناحية المقدسة ما حدثني به جبير بن عبد الله قال: كتبته من التوقيع الخارج إليه: "بسم الله الرحمن الرحيم، ادع في كل يوم من أيام رجب: اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك المأمونون على سرك المستبشرون بأمرك الواصفون لقدرتك المعلنون لعظمتك، أسألك بما نطق فيهم من مشيتك فجعلتهم معادن لكلماتك وأركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان، يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك، بدؤها منك وعودها إليك ... الخبر "[مصباح المتهجد، باب شهر رجب، ص 803]،  وعنه الشيخ عباس القمي رحمه الله في مفاتيح الجنان، في فضل شهر رجب وأعماله.

الجواب:

يَكمنُ كلّ الفرق فيما جاء بعد هذه الفقرة: "لا فرق بينك وبينها"، وهو: "إلا أنهم عبادك وخلقك"، وأي فرقٍ أعظم من فرق الرب عن المربوب، وفرق الخالق عن المخلوق، فالخالقُ هو الغني، والمخلوق هو المحتاج الفقير، والخالقُ هو القديم الذي كان ولم يكن معه أحد، والمخلوق هو الحادثُ الموجود بعد عَدَم، فهذا فرقٌ عظيم، ولكن لماذا عبر الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) ـ على ما في الرواية ـ بهذا التعبير والذي ظاهره هو نفي الفرق ولكن الاستثناء هو اثبات أعظم الفرق، فعندما يقول: "إلا أنهم عبادك" فهذا بيان لأعظم الفرق.

يمكننا الجواب عن هذا بنحوين نقدم لهما بمقدمة وهي:

لا يمكننا أن نجزم بمقصود الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) في هذا التوسل، وما الذي يُريده الإمام (صلوات الله وسلامه عليه)، فهو (عجل الله فرجه) أعلم بما أراد، ولسنا نجزم بما يقصد، فإن القصد من الأمور الباطنة، ونحن لم نطلع على ما قصده الإمام (صلوات الله وسلامه عليه)، وإنما لنا أن نسلك السبل العلمية المقننة لكي نصلَ إلى ما تؤدي إليه هذه القواعدُ العلمية، والذي تقتضيه القواعد العلمية في ذلك نبينه في النحوين التاليين:

النحو الأول:

أن يكون المقصود بذلك بيان عظم الفرق بين الخالق والمخلوق مع ما ترى من عظمة المخلوق، فالذي يتحدث هنا ـ حسب الرواية ـ هو صاحب الأمر (عجل الله فرجه)، والإمام المهدي (صلوات الله وسلامه عليه) يعلم من عظم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لا تدركه عقولنا، وهو (عجل الله فرجه) يرى من علوّ منزلته (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لا نرى، ومع ذلك يقول: أن الفارق بينك يارب وبين هؤلاء العظماء (صلوات الله وسلامه عليهم) هو فارق عظيم، وهو فارق الرب بالمربوب، وفرق الخالق بالمخلوق، فأي عظيم أنت يارب حتى صار هؤلاء العظماء (صلوات الله وسلامه عليهم) مخلوقين مربوبين عندك، وهذا نظيرُ أن تقول: إنّ فلانا أبو فلان، - وهذا التشبيه من أجل تقريب الصورة فقط - فأنت تنظر إلى رجل عظيمٍ مثلًا فتقول فلان أبو هذا، كأن تصف أبا طالب (عليه السلام) فتقول: أبو طالب والد علي (صلوات الله وسلامه عليهم)، يعني: أي عظيمٍ أبو طالب هذا حتى أن علي بن أبي طالب ولده (صلوات الله وسلامه عليهم)، أو تصف أستاذًا مثلًا بعظمة فتقول: إن المحقق الأصفهاني أستاذ السيد الخوئي، فالذي يسمع عن المحقق الأصفهاني ولا يعرفه، وقد رأى من السيد الخوئي علمًا جمًا، يُمكنه أن يتعرّف على عظمة المحقق الأصفهاني من وصفك هذا، فيقول أن لا أعرف المحقق الأصفهاني ولكن أن يُقال في حقه أنه أستاذ السيد الخوئي فهو قول يكفيني لمعرفته.

فعلي بن أبي طالب والأئمة عليهم السلام هم انعكاسٌ لنور رسول الله (صلوات الله وسلامه عليهم)، ونورُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو نور المخلوق، فما هو نور الخالق؟! إذًا هذا نحوٌ من البيان، يُراد به بيان عظمة الله سبحانه وتعالى ببيان عظمة هؤلاء العظام (صلوات الله وسلامه عليهم).

النحو الثاني:

أن هذا التعبير يُراد به أن الله سبحانه وتعالى هو غيب الغيوب، الذي لا نتمكّنُ من الاطلاع عليه جلّ وتعالى، ولكن الله تبارك وتعالى قد جعل لنا آياتٍ لمعرفته، والوقوف على عظمته، وأمرنا بالنظر لهذه الآيات، وأعظمُ الآيات النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) المجلّي لعظمة الله سبحانه وتعالى، فكرمُ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي يبين لنا كرم الله سبحانه، فنحنُ لا نعرف كرم الله تعالى على حقيقته، فإذا رأينا كرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عرفنا كرم الله سبحانه وتعالى، ونحن لا نعرف رأفة الله سبحانه بنا، ولكن إذا رأينا رأفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عرفنا رأفة الله تعالى، ونحن لا نعرف رحمة الله تعالى، ولكن ننظر إلى رحمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنعرف رحمة لله تبارك وتعالى حيث وصف الله تعالى نبيه بقوله: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)  [سورة التوبة، الآية 128] ، فهذه الصفات العظيمة التي يبينها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من صفات الله سبحانه وتعالى، كرمه ورحمته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهكذا الحال في علمه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنه إذا سأل عن شيءٍ مضى أو عن شيء يأتي أجاب من غير تريث، وإذا اطلعنا على علمه (صلى الله عليه وآله وسلم) عرفنا علم الله تبارك وتعالى، فهو المجلّي لصفات الله تبارك وتعالى، وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) هم المجلون لصفات الله، ومن هنا قال الإمام (عجل الله فرجه) "لا فرق بينك وبينها"، أي: أن العلم الذي نراه فيهم (صلوات الله وسلامه عليهم) هو فيك يارب، والكرم الذي نراه فيهم (صلوات الله وسلامه عليهم) هو فيك جل شأنك، والرحمة التي نراها فيهم (صلوات الله وسلامه عليهم) هي منك، تعالى شأنك، ولكن مع ذلك فإن ما عندك سبحانك فوق ما عندهم (صلوات الله وسلامه عليهم)، فأنت الخالق، وكل هذا الصفات ثابتةٌ لك بالذات، ليست موهوبة، وما نراه فيهم من هذه الصفات العظيمة فإنما هي موهوبةٌ، فأنت الذي أعطيتهم هذه الصفات، وأنت الذي علمتهم )وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ(  [سورة النساء، الآية 113] ، وأنت الذي جعلتهم رُحماء (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ) [سورة آل عمران، 159] ، وأنت الذي جعلت هؤلاء (صلوات الله وسلامه عليهم) عطوفين علينا، فهذه الصفات التي هي غيبٌ فيك لم نقف عليها، وقفنا عليها في هؤلاء العظماء (صلوات الله وسلامه عليهم) وهي فيك جل شأنك أعظم، فإنهم إنما أخذوها منك؛ فإنه لا حول ولا قوة ولا كمال إلا بالله تبارك وتعالى.

هذان وجهان محتملان في معنى هذه العبارة.


التالي السابق