أيهما أفضل: قراءة زيارة عاشوراء أم الزيارة الجامعة؟

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام
عنوان السؤال: أيهما أفضل: قراءة زيارة عاشوراء أم الزيارة الجامعة؟
ابو كرار 2022/02/14 1104

أيهما أفضل: قراءة زيارة عاشوراء أم الزيارة الجامعة؟
الجواب بصيغة PDF

سؤال وجّه لسماحة العلامة الشيخ علي الجزيري حفظه الله في درس ليلة السبت 6 جمادى الثانية 1439 هـ الموافق 23 فبراير 2018م وقد تمّ تفريغ الإجابة نصيا

مقدمة:
قلنا مراراً إن الحديث عن الحكم بأفضلية إحدى الذاتين أو أفضلية أحد عملين أو أفضلية أحد قولين تارةً  يكون السؤال أيهما أفضل عندي، فينبغي أن يُرجع إليّ أيهما أفضل (مثلاً: تسألني عن السيارة الفُلانية والسيارة الفُلانية أيهما أفضل عندك فأقول السيارة الفُلانية عندي أفضل لاعتبارات خاصة، فلكلّ إنسان اعتباراتهُ الخاصة في التفضيل)، وتارةً تسأل أيهما أفضل عند الله، كأن تقول مثلاً: أيهما أفضل: أبوذر أم عمار؟ وتقصد أفضلهما عند الله، ليس أيهما أفضل عندك (أي عند السائل)، أو أن تقول أيهما أفضل الصوم أم الصلاة [يعني عند الله]، أو أيهما أفضل التهليل أم الاستغفار [يعني عند الله]. وقد قلنا إنّ التفضيل في العملين أو الذاتين أو القولين ليس للعقل سبيلٌ إليه، وإنما المرجع فيه هو الشرع، فلابدّ أن يُرجع إلى الشرع ليعرف أي هذين العملين أفضل، وأي هذين القولين أفضل، وأي هاتين الذاتيين (يعني الشخصين) أفضل، فان وجدنا بياناً من الشرع يفضّل هذا العمل أو هذه الذات أو هذا القول على ذاك حكمنا بما جاء به الشرع، وإن لم نجد بياننا من الشرع فليس للعقل سبيلٌ للحكم هنا، فإنّ عقول الرجال أبعد شيءٍ عن شرع الله، فلا ندري أي العملين أفضل وأي القولين أفضل.

وقد يقولُ قائلٌ: إنّ في مثل الأعمال كالصلاة والصيام أنّ الصوم أفضل؛ لأنّ المرأة تقضي الصوم إذا فاتتها وأمّا الصلاة فلا تقضيها إذا فاتتها، فيكونُ الصوم أفضل من الصلاة، وهذا تخرّصٌ بالغيب وقياسٌ في شرع الله ([1])، والقياسُ باطل في اللغة وباطل في شرع الله وهذا قياس باطل.

وقد يقول قائلٌ: إنّ تسبيح الله سبحانه أفضل من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله؛ لأنّ تسبيح الله تمجيدٌ لله والصلاة على النبي صلى الله عليه واله تمجيدٌ لرسول الله وتمجيد الخالق أفضل من تمجيد المخلوق، هكذا قد يتوهم أحد ما، ولكن هذا طريق باطل وهذا قياس في شرع الله.

الطريق الصحيح:

والطريق الصحيح لمعرفة أي العملين أفضل هو الرجوع إلى الشرع وليس الاعتماد على العقل، فعقولنا قاصرة عن إدراك أيّ العملين أفضل، وأي القولين أفضل، وأي الزيارتين أفضل.  إذا نرجع إلى أدلة الشرع أيهما أفضل الزيارة الجامعة أم زيارة عاشوراء، فإن وجدنا بيانا اخذنا به لم نجد بياناً فهاء، نقول: لا نعلم.

الاحتجاج بسيرة العلماء للترجيح:

وربما سؤلنا مرة عن هذه المسألة عن أنّ سيرة كثيرٍ من العلماء جرت على زيارة عاشوراء في كل يوم والعلماء الذين جرت سيرتهم على هذا أكثر  من العلماء الذين جرت سيرتهم على زيارة الجامعة مثلاً، وإن وجد من يواظب عليهما، كالشيخ الأنصاري رحمه الله - هذا البحر المتلاطم من العلم- الذي كان ملتزماً بالزيارة الجامعة وبزيارة عاشوراء (عنده وقت) وقد مضى وليس له عمر كثير -حيث مات في الستينات من عمره ولم يُعمّر كثيراً- الشيخ الأنصاري ومع أنّه لم يعمّر كثيراً فإنه جاء كما يصف بعض تلامذته ([2]) بعلم يقرب من شق القمر في تبحّره، ومع كل هذا كان معه من الوقت ما يكفي للمواظبة على الزيارة الجامعة وعلى زيارة عاشوراء، وممن رأيناهم يواظبون على الزيارة الجامعة آية الله العظمى السيد الشهيد  مرتضى الخلخالي رحمة الله عليه، الذي كان عالماً جليلاً وكان مقدساً، ومع علوّ كعبه فإنّه لم يتصد للمرجعية وبقي في مجلس استفتاء السيد الخوئي رحمه الله مع أنه من أنداد السيد الخوئي ومن زملائه، وكان محباً متفانياً في السيد الخوئي، وكان اعتقاده في السيد الخوئي اعتقاداً عظيماً، والسيد الخوئي يستحقّ وهذا الاعتقاد في محله، رأيناه يواظب على الزيارة الجامعة وفي الحرم الشريف كان عمره أكثر من تسعين سنة عندما كنا في النجف كان عمره أكثر من تسعين سنة. الآن تقول كيف أكثر من تسعين سنة كيف يقتل؟ هذا من عجائب الدنيا! رجل أكثر من تسعين سنة ويمضي شهيداً ماذا سيصنع لك؟! هذا سؤال يوجّه لمن تسبب في شهادته }وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأي ذَنبٍ قُتِلَتْ{، هذا السيد الشهيد مرتضى الخلخالي رحمة الله عليه هكذا، كان عمره تسعين سنة وكان مصاباً بجلطة أيضاً، ومع كل هذا الحال كان يواظب على زيارة الجامعة عند أمير المؤمنين عليه السلام وكان يسير من بيته إلى الحرم الشريف مشياً على قدميه وهو في تلك السن وكان يقف في أثناء السير يمضي مثلا مقداراً يسيرا، عشرة أمتار،  يسير عشرة أمتار ويقف ليستريح، وكنّا نزاحمهُ في هذه الوقفات لنستفيد منه، وكان رحمه الله يستقبل بسعة صدره (رحمة الله عليه، تغمد الله رحمته وحشره مع أجداده). كان يواظب على زيارة الجامعة في كل يوم.

صحيحٌ أنّ المواظبين على زيارة عاشوراء أكثر، ولكن ليس معنى هذا أنّ العلماء لم يواظبوا على الزيارة الجامعة كما واظبوا على زيارة عاشوراء لأنّه توجد روايات تفضّل زيارة عاشوراء على الزيارة الجامعة، بل ربما بسببٍ ما رآه هؤلاء العلماء في زيارة عاشوراء من الآثار العجيبة والتوفيقات التي تحصل بسببها.

وقد أراد بعضهم أن يستنبط هذا التفضيل من وجود اللعن في زيارة عاشوراء وأنّ الزيارة الجامعة مثلاً فيها ذكر مقامات أهل البيت وتمجيدهم، فيريد أن يستنبط قاعدة: أنّ اللعن مثلاً أفضل، وهذه قاعدة غير ثابتة ومثل هذا الاستنباط ليس بصحيح وزيارة عاشوراء أساساً مشتملة على الثناء والسلام على الإمام الحسين عليه السلام، فهذا الطريق ليس بصحيح  على أي حال الجواب عن أيهما أفضل: لا نعلم.

نصيحة من عالم:

لا ينبغي للمؤمن أن يخوض كثيراً في السؤال عن التفضيل بين الأعمال، أو أن يتوقف عنده ليعطّل نفسه عن العمل، إن أخذت بهذا العمل فأنت مأجور،  وإن أخذت بهذا العمل فأنت مأجور، وإن وجدت شيئاً في لسان الشرع خذ به، فمثلاً يوجد في لسان الشرع بيان تفضيل قول لا إله إلا الله وأنّه أعظم شيء ثوابا لا إله الا الله ([3]) يوجد مثل هذا اللسان، ويوجد مثلاً في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله لا يوضع في الميزان شيء أفضل من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله([4])، فمن يريد العمل يمكنه أن يأخذ بهذه الرواية، هذه رواية صحيحه وهذه رواية صحيحة أيضاً  وأن يعمل بها، وليس معنى هذا أنك إذا أخذت شيء من الأعمال تترك الآخر، ولكن أن تستزيد من هذه الأعمال  التي جاء فيها هذا الوصف، فإنّه قد جاء في روايات صحيحه قول لا اله الا الله جاء في روايات صحيحة متعددة بيان أنها أفضل شيءٍ، وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، فإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي للإنسان أن يقف في هذه المسائل ليعطّل نفسه عن تحصيل الثواب، وإذا وَجدَ في أدلة الشرع  ما يبين ذلك انتفع به، أي أخذه واهتمّ بهذا العمل أكثر، وأن يقدر هذا العمل أكثر، وليس معنى هذا أن يدخل الإنسان في المفاضلة وأن يضع مثلاً أسئلة مثل أسئلة الألغاز: أيهما أكبر كذا أو كذا كما في الرياضيات!  ليس هذا هو الهدف، إذن تنظر إلى هذه الروايات بقلبك أكثر من نظرك إليها بعقلك، يعني تتأثر بها عاطفياً،  أن تحرّكك وأن تؤثر في سلوكك، وأن تستكثر من قول لا إله الا الله، وأن تستكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فإنه ورد فيهما أنهما: أثقل شيء يوضع في الميزان  وأعظم شيء ثوابا وأنه هذا خير ما قاله العبد.

 

[1] نقل الشيخ المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار ج 10 ص 220  قال: "وجدت بخط بعض الافاضل نقلا من خط الشهيد رفع الله درجته قال: قال أبوحنيفة النعمان بن ثابت: جئت إلى حجّام بمنى ليحلق رأسي، فقال : ادن ميامنك، واستقبل القبلة، وسم الله، فتعلمت منه ثلاث خصال لم تكن عندي، فقلت له: مملوك أنت أم حر؟ فقال : مملوك، قلت : لمن؟ قال: لجعفر بن محمد العلوي (ع)، قلت : أشاهد هو أم غائب؟ قال: شاهد ، فصرت إلى بابه واستأذنت عليه فحجبني، وجاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم، فدخلت معهم، فلما صرت عنده قلت له: يا ابن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمد (ص) فإني تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم، فقال : لا يقبلون مني، فقلت: ومن لايقبل منك وأنت ابن رسول الله (ص)؟ فقال: أنت ممن لم تقبل مني، دخلت داري بغير إذني وجلست بغير أمري، وتكلمت بغير رأيي، وقد بلغني أنك تقول بالقياس، قلت: نعم به أقول، قال: ويحك يانعمان أول من قاس الله تعالى إبليس حين أمره بالسجود لآدم (ع) وقال: خلقتني من نار وخلقته من طين، أيما أكبر يا نعمان القتل أوالزنا؟ قلت: القتل، قال : فلم جعل الله في القتل شاهدين، وفي الزنا أربعة؟ أينقاس لك هذا؟ قلت: لا. قال: فأيما أكبر البول أو المني؟ قلت: البول، قال: فلم أمر الله في البول بالوضوء، وفي المني بالغسل؟ أينقاس لك هذا؟ قلت: لا. قال: فأيما أكبر الصلاة أو الصيام؟ قلت: الصلاة، قال: فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ أينقاس لك هذا؟ قلت: لا. قال: فأيما أضعف المرأة أم الرجل؟ قلت: المرأة ، قال : فلم جعل الله تعالى في الميراث للرجل سهمين، وللمرأة سهما؟ أينقاس لك هذا؟ قلت : لا....".

[2] الميرزا حبيب الله الرشتي.

[3] روى ثقة الإسلام الكليني رحمه الله في الكافي بسنده عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) يَقُولُ:‌ «مَا مِنْ شَيْ‌ءٍ أَعْظَمَ ثَوَاباً مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَعْدِلُهُ شَيْ‌ءٌ وَلَا يَشْرَكُهُ فِي الْأُمُورِ أَحَدٌ».
الكافي ج 2 ص 516 [بَابُ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‌].

[4] روى ثقة الإسلام الكليني رحمه الله في الكافي بسنده عن عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) قَالَ: «مَا فِي الْمِيزَانِ شَيْ‌ءٌ أَثْقَلَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ إِنَّ الرَّجُلَ لَتُوضَعُ أَعْمَالُهُ فِي الْمِيزَانِ فَتَمِيلُ بِهِ‌ فَيُخْرِجُ ص الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَيَضَعُهَا فِي مِيزَانِهِ فَيَرْجَحُ بِهِ».

الكافي ج 2 ص 494  ح (15)[ بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ‌].


التالي السابق