الاستدلال بآية المباهلة على إمامة أهل البيت عليهم السلام

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام
عنوان السؤال: الاستدلال بآية المباهلة على إمامة أهل البيت عليهم السلام
ابو كرار 2019/08/28 708

أرجو شرح آية المباهلة، وكيف نستدل بها على الإمامة، وما المانع أن يدعو الإنسان نفسه فيقول: دعتني نفسي إلى كذا. وما المانع من أن يكون المقصود من أنفسنا رسول الله صلى الله عليه وآله؟

مقطعٌ مقتبسةٌ من الجلسة الحوارية بالقارة || درس ليلة السبت 9 ذي القعدة 1440 هـ - الموافق 12 يوليو 2019م في مسجد الغدير بالقارة

المقطع: https://youtu.be/IPP3smaosXk

 

ببالي أنه حتى ابن تيمية لم يطرح هذا الاحتمال.

إجمال قضية المباهلة:

على أي حال آية المباهلة حصلت بسبب ما وقع من نصارى نجران، حيث كانوا يحاجون رسول الله صلى الله عليه وآله ويجادلونه في الحق الذي جاءهم به، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يبين لهم الحجج ويتلو عليهم القرآن والآيات ويظهر لهم المعجزات الدالة على صدقه، ولكنهم لم يكونوا يقبلون، فنزل قوله تعالى: "فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبين‏"[1].


في المباهلة فضيلة لعلي عليه السلام:

ماذا حصل بعد أن نزلت هذه الآية؟ في صحيح مسلم: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت فثلاث قالهنّ رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم لأن تكون لي واحدة منهمّ أحب إليّ من حمر النّعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم يقول له وقد خلّفه في مغازيه فقال له عليٌّ رضي الله عنه: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبوة بعدي؟ وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، قال فتطاولنا لها قال ادعوا لي عليّاً، فأتي به أرمد فبصق في عينيه ودفع إليه الراية ليلة فتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية" فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ"[2] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهمّ هؤلاء أهلي.[3]

سعد بن أبي وقاص ذكر هذا في فضائل علي عليه السلام، ما الذي في هذا من الفضل لعلي عليه السلام؟ هذا السائل مسلم أم ليس بمسلم؟ شيعي أم سني؟ إذا كان سنياً فهذه رواية سعد بن أبي وقاص، وهو أحد الذين عاصروا هذه الواقعة، وسعد قال هذا في محاجته لمعاوية، معاوية يأمره أن يسب أمير المؤمنين عليه السلام، وسعد يمتنع، ومعاوية هو الحاكم، وسعد متمرد بامتناعه هذا على الحاكم، فلابد أن يأتي بعذر مقنع حتى يعذره في معصية أوامره، إذن هذا هو ما فهمه سعد، وهو الذي فهمه معاوية، ورضي به حجة مقنعة مسكتة، وهو الذي فهمه جلساء معاوية؛ لأنهم لو لم يفهموا ما فهمه سعد لقالوا لمعاوية: وأي فضيلة لعلي في هذه؟ ليس لعلي فضل في هذا. إذن الجميع فهم فضل علي عليه السلام في آية المباهلة.


علي نفس رسول الله صلى الله عليه وآله بنص المباهلة:

وإن لم يكن علي نفس النبي صلى الله عليه وآله في آية المباهلة، فما هو محله؟ من نساء النبي؟ أو من أبناء النبي؟ لم يبق إلا النفس، إذن هذه الآية جعلت عليا عليه السلام نفس النبي صلى الله عليه وآله، ونزلته منزلة نفس رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه المحل الذي يتوقع حلوله فيه.

وأما دعوة الإنسان لنفسه في قوله: دعتني نفسي. فأن يقال: نفسك قد دعتك. نعم، وأما أن يقال: ادع نفسك. فلا، النفس داعية، ولكن من غير المألوف وغير المتعارف في التحاور أن يقال: النفس مدعوة. ومع ذلك آخر الدواء الكي، نحن نقول له أنت اختر مكان علي، ونحن لن نتكلم، اختر أنت، بعض المحلات التجارية تعبوا من التسميات فقالوا أنت سمنا ما شئت، أنت اختر مكاناً لعلي، لن نختار نحن، سمه، ما هو محله في الآية؟ قل، اختر، أنفسنا؟ نساءنا؟ أبناءنا؟ اختر أنت ما تريد، اختر أسوأ مكان، ما هو أقل مكان؟ أبناءنا؟ لا يوجد إلا ثلاثة خيارات، إما أبناءنا، وإما نساءنا، وإما أنفسنا، لا يوجد عربي يقول: جاء رسول الله صلى الله عليه وآله بعلي لأنه من نسائه! لا يوجد عربي يقول هذا، إذن علي مكان نفس النبي، أو يقول مكان أبناء النبي، وأينما أصابت فغنم.


منزلة علي في آية المباهلة:

ثم إن هذه الآية تدل على منزلة علي عليه السلام من جهة أن هؤلاء جعلوا آية قاطعة للجدال لرسول الله صلى الله عليه وآله، كل العلم الذي عندك، إن لم يجدوا فيه مقنعا، فعندك آية تقطع كل الجدال، ما هي هذه الآية؟ هي أن تبتهل، يعني أن تباهلهم أن تدعو عليهم ويدعوا عليك بشرط، سبحان الله! هذا الآمر بهذه المباهلة من هو؟ الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه هو المدعو أو غيره؟ بل هو المدعو، طيب ألا يقدر الله عز وجل أن يجيب دعوة النبي من غير أن يضع عليه شرطاً؟ باهل لكن بشرط تخصمهم، ألا يقدر أن يقول له: فقل تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين؟ والأمر بيدك جللت وعلوت، أجب دعوة النبي وأنزل على أولئك النقمة والهلكة، والله عز وجل على كل شيء قدير، مع ذلك الله سبحانه شرط على نبيه صلى الله عليه وآله بأن يحضر هؤلاء في الدعوة.

هذا الإنسان لم يتأمل في آية المباهلة، آية المباهلة تدل على منزلة تقشعر لها الأبدان، رسول الله صلى الله عليه وآله هو أشرف خلق الله، إذا كان هذا مثلا الذي قال هذا الكلام سلفيا متعصباً سيقول لا دليل على أنه أشرف خلق الله، لا بأس نقول له لكنه سيد ولد آدم، هذا المقدار تؤمن به، فيقول نعم، يوجد بعض السلفية من يقول بأن رسول الله أشرف الخلق، ولكن يقول بعضهم لم يثبت، ولكن ثبت عندهم أنه سيد ولد آدم، والأنبياء أليسوا مجابي الدعوة؟ هذا سيدهم أولى بهذه الصفة، أن يكون مجاب الدعوة، ومع ذلك لو لم تكن دعوته مجابة بقول مطلق فهذه الدعوة بالخصوص لابد أن تستجاب، لأنها دعوة في مقام المحاجة والمخاصمة، يعني من حكمة الله تبارك وتعالى أن تستجاب هذه الدعوة، وعدم استجابة الدعوة نقض للحكمة، ومع ذلك هذه الدعوة لم تستجب إلا بشرط، "فقل تعالوا" قبل أن نبتهل يوجد هذا الشرط، لابد أن تحقق هذا الشرط "ندع أبناءنا وأبناءكم" أصلا أبناءنا مع أنهما طفلان، ما قدر هذين الطفلين حتى يعلق الله سبحانه وتعالى إجابة أعظم دعوة لأعظم نبي في أعظم موقف يعلقها على مجيء هذين الطفلين؟! إذا لم يحضرا لن تستجاب دعوتك.

وفوق هذا: ليس فقط أن يحضروا، وأنت تدعو، ولكن هذا ظاهر من الآية وعززته الروايات، الروايات السنية ليست الشيعية، ليس معنى هذا أنه ليس موجودا في الروايات الشيعية، ولكن أقول وهو موجود في الروايات السنية أيضا، رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو على نصارى نجران، وهم -نصارى نجران- يدعون عليه، ولكن ليس هذا فقط، رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي وفاطمة والحسن والحسين "إذا دعوت فأمنوا"، دعاؤكم أيضا مطلوب، ليس فقط حضوركم، الآية قالت حضورهم، وحضورهم يفهم منه العاقل منزلة عظيمة لا تدانى ولا تبارى لهؤلاء، مع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله يقول تحضرون وتدعون معي.

علي ليس نفس النبي ولا ابن النبي ولا نساء النبي، ولكن مجيؤه شرط في استجابة دعاء النبي، هذا قليل؟ هذا ليس فيه فضيلة لعلي؟ حضوره شرط في استجابة دعاء النبي في المباهلة، هو شريك للنبي في المباهلة "إذا دعوت فأمنوا" يعني شريك "ثم نبتهل" قلت هذا يستفاد من الروايات، بل يستفاد أيضا من الآية "ثم نبتهل" بعد ما قدم بيان الفريقين، الفريقان أنا وأبنائي ونسائي وأنفسي، وأنتم كذلك، ثم نبتهل، يعني يبتهل الجميع، ابتهال الجميع يعني دعائي أنا وأبنائي ونسائي، ودعاؤكم أنتم وأبناؤكم ونساؤكم، هذا يفهم من الآية الشريفة أن دعاء علي شرط في المباهلة، وبعبارة ثانية: علي شريك لرسول الله صلى الله عليه وآله في المباهلة. وبعبارة أخرى: المباهلة هي بين طرفين، كل طرف ليس فرداً بل كل طرف فريق، فالمباهلة بين فريقين وليست بين فردين، مثلا الرياضات في هذه الأيام يقولون رياضة فردية ورياضية جماعية، هذه المباهلة بين فريقين، الفريق الأول رسول الله وعلي وفاطمة والحسنان، هذا ليس فيه دلالة على فضل علي؟ إن لم يكن في هذا فضل فلا أعرف فضلا في الدنيا.

ولكنهم لم يعرفوا قدر علي عليه السلام ومن لم يعرف قدر علي عليه السلام لم يعرف قدر رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن لم يعرف قدر رسول الله صلى الله عليه وآله لم يعرف قدر الله سبحانه ما قدروا الله حق قدره.

-----------------------------

[1] آل عمران : 61.

[2] آل عمران :61.

[3] صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261هـ)، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ج 4 ص 871 ، ح (2404).


السابق