التعامل مع الروايات الضعيفة

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام
عنوان السؤال: التعامل مع الروايات الضعيفة
ابو كرار 2022/02/14 922

السؤال: كيف نتعامل مع الروايات الضعيفة؟ وهل تطرح الرواية وتصبح بلا قيمة إذا كانت غير صحيحة ؟

اليوتيوب: https://youtu.be/cPlwfQkbIN0

مقتبسٌ من الجلسة الحوارية بالطرف ليلة السبت 1 ذي الحجة 1440هـ - الموافق 3 أغسطس 2019م

تارة تكون الرواية مشتملة على قرينةٍ تدلّ على كذبها، فهذه روايةٌ مردودة، كأن تكون الرواية مخالفة للعقل الضروري. ولا نقصدُ بالعقل الضروري الاستحسان - كما هو حال أبناء اليوم حين يقولون: "هذه مخالفة للعقل" إذا كان ذوقيّاً لا يُحبّها. كأن تأتي رواية مثلا وفيها بيان حق الزوج، فتستصبها بعض النساء ويقلن أنها "مخالفة للعقل"، أو العكس، كأن تأتي رواية وفيها بيان حق الزوجة، فترى بعض الرجال يستصعبها ويقول: "هذه روايات مخالفة للعقل"! فليس هذا هو العقل المقصود، بل إنّ المقصود هو العقل الضروري، فإذا كانت الرواية مخالفة للعقل الضروري فحينئذ تُردّ.

وأما إذا لم تكن مخالفة للعقل وكان مضمون الرواية مضموناً ممكنا، فحينئذ لابدّ أن نتأمّل! كيف نردّ رواية ومضمونها ممكنٌ لمجرّد أن الذي نقلها شخصٌ مجهولٌ بالنسبة إلينا أو يكون الذي نقلها رجلٌ قيل أنه كذاب؟!

هل هذا يسوغ أن نرد الرواية ونقول : "لم تصدر؟"!

لا يصحّ ذلك!

ولنقرّب الصورة: نأخذ مثال الأخبار. لو وضعت اصبعك على أيّ وكالة أنباء، هل يمكنك أن تقول أننّ كلّ الأخبار التي تنشرها وكالة الأنباء الفلانية كذب؟! لايمكنك أن تقول هذا؛ لأنّ الكاذب قد يصدق. بل لابدّ أن يصدق أحيانا؛ لأنه لو كانت كل أخباره كذباً، فلن يأخذ أحدٌ بأخباره، ولن يتمكن من تمرير الأشياء التي يريد أن يمررها على الناس.

فلابدّ أن يصدق أحيانا حتى يتمكن من خداع الناس بما يختلق من الكذب.

إذا كان الأمر كذلك، فإذا جاءتنا رواية من مجهول أو من شخص وصف بأنه يكذب، فلا ندري لعله صدق في هذا الخبر. فنحن لا نردّ الرواية لمجرد أن راويها كاذب أو مجهول، بل نجمع الروايات التي ليست بحجة في نفسها وننظر الروايات الموافقة لها ثم نجمع كم من الروايات تفيد هذا المعنى.

أضرب مثالا: من الذي نقل لنا كرم حاتم  الطائي؟

وكلامي هنا ليس عن الذي نقله لك مباشرة، بل عن بداية السلسلة: من الذي شاهد كرم حاتم؟

جاره كافر مثله، وزوجته كافرة مثله، وابن عمه كافر، وقد عاش في مجتمع كافر، والذين نقلوا قصص حاتم في الحلقة الأولى من السلسلة كلهم كفرة، ولكنّ الرواية الأولى التي نقلتها زوجته تفيدني احتمالاً بدرجة واحد في الألف مثلا أنّ هذه الرواية حق، وتسعمائة وتسع وتسعون تكذب. والرواية التي نقلها أخوه تفيدني احتمالاً بنسبة واحد في الألف مثلا أنها حق، مع التأكيد هنا أنّ النسبة ترتفع فتصير واحداً في المئة. والرواية التي نقلها جاره – بحكم كونه أبعد وأقل في جلب النفع لنفسه واحتمال الخصومة بينه وبين لأن الجيران شركاء في الطريق ( وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض)- فيقلّ حينئذ احتمال الإختلاق، وتفيدني احتمالاً بنسبة عشرين في المئة أنّ هذه الرواية حق. ثم يأتي شخصٌ خصمٌ لحاتم يروي رواية فيها كرم لحاتم، فترتفع النسبة.

وبرصد هذه الروايات - التي لو نظرنا إلى كل واحدة واحدة منها بانفرادها لكانت رواية ضعيفة- وجمعها مع ما يوافقها، تكون النتيجة حينئذ أنّ المجموع يفيد الوثوق والإطمئنان. وعليه فالروايات الضعيفة لها قيمة؛ لأنها إذا اجتمعت مع ما يوافقها إما أنّ تشكّل تواتراً كما في مثال حاتم -روايات كثيرة من عدد من الرواة هؤلاء عددهم لا نحتمل أنهم اتفقوا على الكذب إذا هذا يشكل تواتراً-  أو أن تشكّل ما يفيد الوثوق والإطمئنان- حين لا يصل إلى حد التواتر، مثلا لم يبلغ عددهم عشرين أو ثلاثين راوي، بل كان عددهم ستة أو سبعة. الإنسان يطمئن أنّ هؤلاء الستة لم يجلسوا مع بعض ويتفقوا على أن يختلقوا هذه الرواية.

وقد توجد قرائن أخرى غير عدد الرواة تشهد بصدق هذه الرواية، كأن يأتي شخصٌ مثلا – وهو المثال الذي يذكرونه للخبر المحفوف بالقرينة - ويُخبر عن هطول المطر، ويكون ثوبه مبتلاً، فهذا توجد قرينة على أنه صادق وإن كان هذا المخبر مجهولاً قد يكون معرفة حال من أخبر عنه هي القرينة.

أو أن يأتي مدرسٌ جديدٌ في المدرسة وعند جلسة استراحة المدرسين يأتي هذا المدرس الجديد ويقول: عندي الطالب الفلاني اليوم فعل كذا وكذا [مثلاً قام بحل مسألة صعبة] فهذا المدرس جديد بالنسبة لبقية المدرسين، أي شخص مجهول. ولكن هل يردون خبره؟ أو أنهم ينظرون في حال من أخبر عنه؟

فإذا كان الطالب متفوقاً فيقبلون الرواية؛ لأنهم يعرفون حال من أخبر عنه.

وإذا كان الطالبُ كسولاً وكانت درجاته ضعيفة فيردون الرواية؛ لوجود القرينة على الكذب.

فقد توجد قرينة على الصدق، وقد توجد قرينة على الكذب، فلا تردّ الرواية الضعيفة ابتداءً، بل تُدرس ولكن قراءة ودراسة الرواية الضعيفة تختلف عن طريقة دراسة الرواية الصحيحة.

بقيت الجهة الرابعة - هناك أربع جهات في المقتضي- وهي المتن. المتن يشهد بصدق الرواية، وقد يشهد بخلاف ذلك. المتن ماهو؟

المتن في مصطلح علماء السنة يقصدون به المعنى أو مضمون الرواية. أما عندنا فالمتن غير المضمون، فالمضمون هو المعنى المذكور في الرواية، وأمّا المتن فهو التركيب اللفظي للرواية.

يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شأن نهج البلاغة:

"وأنت إذا تأملت نهج البلاغة وجدته كله ماءً واحداً، ونفساً واحداً، وأسلوباً واحداً، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفا لباقي الألفاظ في الماهية، وكالقرآن العزيز، أوله كوسطه، وأوسطه كآخره، وكل سورة منه، وكل آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور. ولو كان بعض نهج البلاغة منحولا، وبعضه صحيحا لم يكن ذلك كذلك، فقد ظهر لك بالبرهان الواضح ضلال من زعم أن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليه السلام" [شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٠ ص ١٢٨].

إذاً هذا لفظه يشهد بصدقه مع قطع النظر عن المعنى، نفس اللفظ يشهد بصدقه.

فلابدّ من دراسة التركيب اللفظي للرواية.

فإذا ندرس الصدور، وجهة الصدور، والدلالة، والمتن، هذا في الروايات الضعيفة.

إذا دراسة الروايات الضعيفة غير دراسة الروايات الصحيحة والجميع نافع.


السابق