حديث الثقلين

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام

حديث الثقلين

2016/08/28 679

تقرير مقدمة درس ليلة السبت 26 شعبان 1437هـ رجب 1437هـ الموافق 3 يونيو 2016م  للشيخ علي الجزيري (دامت بركاته):


أَعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين، واللعنُ الدائمُ على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله في الحديث المروي من طُرقنا ومن طرق غيرنا، بأسانيد مُتعدّدةٍ أوصلها بعضُ الباحثين إلى أكثر من أربعٍ وثلاثين طريقا[1] : "إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"

 

حديث الثقلين فيه دلالات، أهمّها هو أن الثقلين عصمةُ الأمة من الضلالة، و الضلالة خطرٌ يداهم الإنسان في كل آنٍ، حتى لو كان جالساً وحده وحتى لو كان مع أصحابه! وِحْدَةُ الإنسان خيرٌ من جليسِ السوء عنده، وجليسُ الخيرِ خيرٌ من جلوس المرءِ وَحْدَه!  الضلال يداهم الإنسان في كلّ حال، والضلال يأتي من الوسواس الخارجي ومن الوسواس الباطني، يأتي من النفس الأمّارة بالسوء، ويأتي من إبليس، ويأتي من أصحاب السوءِ، وقد يأتي إتفاقاً أو عرضاً لأنّ الله قدّر أن يبتليَكَ، فيتفق لك أن يعرض لك في طريقك ما يدعوك إلى الضلال.

إبليس والدنيا ونفسي والهوى *** كيف الخلاص وكلهم أعدائي

وأعدى أعداء الإنسان نفسه (يا عُدي نفسه)

إذن الضلال يُداهم الإنسان في كل خطوة يخطوها. الشيخُ الوحيد الخراساني (أطال الله بقاءه) يقولُ من جملة ما يوصي به العبد القاصر: "الدفاع عن الحقِّ طريقٌ شائك، لأنّ خصم الحقِّ هو الباطل، وداعيةُ الباطل داعيةٌ بصيرٌ له خبرةٌ طويلةٌ جداً وليس له شروط في أنصاره! ليس له شروطٌ  في أنصاره إلاّ نُصرة دعوته! خصمك إبليس. كم عُمْرُ إبليس وما هي القدرة التي أعطاها الله لإبليس ليتحقق الإبتلاء؟! كلُّ هذا خصمك وأنت نصيرُك الله سبحانه ولكنّ نصرة الله ليست مثل نصرة إبليس! إبليس ينصر أصحابه من غير شروطٍ وأمّا الله سبحانه فلا ينصر إلّا من إجتمعت فيه شروطٌ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا  وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [2].  إذن إِذا لَم تُجاهد، لا يُوجد وعدٌ بنصرك، فعلى الإنسان إذا كان يُريد نُصرة الحقِّ أولاً أَن يُخلص النيّة وأَن يُوفِّر الشروط التي إذا تحققت وإجتمعت فيه نَصَرَهُ الله سبحانه".

 

وأمّا حديث الثقلين فيدل على أنّ الله سبحانه قَد جعل لهذه الأمة طريقاً يُخَلِّصُها من هذا الطريق الشائك الطويل! الضلالة التي تعترض الإنسان في كل خطوة يوجدُ في كل خطوةٍ مستمسكٌ لك، قد جعله الله لك لتأخذُ به، ولتنجو من الضلالة في كل خطوة!

ويُوافق حديث الثقلين في المعنى ما وَرد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّ محبّ علي عليه السلام لا تَزِلُّ له قدمٌ إلّا وثبتت له أخرى [3] ، وهذا معنى النجاة من الضلالة. قد تزل قدم المؤمن المحب لعلي عليه السلام ولكنّه قدمه الأخرى ثابتةٌ وأما غير محب علي فليس له هذا الضمان وهذا المستمسك.

روى مسلمٌ في صحيحه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال:

"والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبيّ الأميِّ صلى الله عليه وآله وسلم إلي أن لا يُحبني إلا مؤمن ولا يُبغضني إلا منافق" [4]

الحافظ الذهبي – إمام الجرح والتعديل والمعول عليه في تصحيح الأسانيد وتضعيفها عند القوم- يذكرُ ثلاثة أحاديث [5] أولها حديث الطير والذي فيه دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله" اللهم إئتني بأحب الخلق عليك يأكل معي من هذا الطير"، وثانيها حديث الغدير "من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه"، وثالثها حديث علامة المؤمن والمنافق حب علي وبغضه!

يقول الحاكم صحَّح هذه الأحاديث، ثم يقول "وهذا أشكل الثلاثة" ، الثالث أشكلها، نعم نعلم، الثالث جعل علياً عليه السلام فاروق الأمة، يمتاز به المؤمن عن المنافق. ثم يقول " فقد أحبه قوم لا خلاق لهم"، يقصد الشيعة؛ قد ملئ قلبُه غيضاً من حب هؤلاء لأمير المؤمنين عليه السلام، " وأبغضه بجهل قوم من النواصب" ؛ [وهنا يقولُ الشيخ الجزيري حفظه الله متهكماً:] معذورون في بغضهم له! لاحظ الشيعة غير معذورين في حبهم لعلي وأما النواصب فمساكين أبغضوه جهلاً، أصلحهم الله.

إذن أمير المؤمنين عليه السلام هو أوّل العترة الطاهرة الذي من استمسك به نجى من الضلالة.

--------

 [1] قال ابن حجر الهيتمي المكّي عن حديث التمسك بالثقلين (الكتاب والعترة):

 ".. ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك - الثقلين- طُرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا ومر له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه وفي بعض تلك الطرق انه قال ذلك بحجة الوداع بعرقة وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم وفي أخرى أنه قاله لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهمتاما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة وفي رواية عند الطبراني عن ابن عمر آخر ما تكلم به النبي أخلفوني في أهل بيتي .... ولذا حث على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم وقال الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت، وقيل سُمِّيا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض ويؤيده الخبر السابق ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم

وتميزوا بذلك لأنهم عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة وقد مر بعضها وسيأتي الخبر الذي في قريش تعلموا منهم فإنهم أعلم منكم فإذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت منهم أولى منهم بذلك امتازوا عنهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقية قريش.

وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر السابق في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي إلى آخره ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته "الصواعق المحرقة ج 2 ص 440 – 442

وقد تتبع السيّد حامد النقوي في كتابه عبقات الأنوار هذه الطرق فأوصلها إلى أربع وثلاثين طريقاً، وأما السيد هاشم البحراني فأوصلها إلى 39 طريقاً من طريق العامة وإلى 82 طريقاً من طريق الخاصّة في الجزء الثاني من كتابه غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام.  

[2] الآية 69 من سورة العنكبوت

[3] [ الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني  (تحقيق سمير جابر) ط  دار الفكر – بيروت ط 2 ج 7 ص 272 في ترجمة السيّد الحميري، وروى العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار ط دار إحياء التراث العربي ج 65 ص 199 عن الرضا عليه السلام قال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: "لا تعجلوا على شيعتنا، إن تزل لهم قدم تثبت لهم أخرى"

[4] صحيح مسلم- كتاب الإيمان-باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان وعلاماته، وقال النووي في شرح الحديث: "وفى حديث علي رضي الله عنه (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق) قد تقدم أن الآية هي العلامة ومعنى هذه الأحاديث أن من عرف مرتبة الأنصار وما كان منهم في نصرة دين الاسلام والسعي في اظهاره وإيواء المسلمين وقيامهم في مهمات دين الاسلام حق القيام وحبهم النبي صلى الله عليه وسلم وحبه إياهم وبذلهم أموالهم وأنفسهم بين يديه وقتالهم ومعاداتهم سائر الناس إيثارا للاسلام وعرف من علي بن أبي طالب رضي الله عنه قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب النبي صلى الله عليه وسلم له وما كان منه من نصرة الاسلام وسوابقه فيه ثم أحب الأنصار وعليا لهذا كان ذلك من دلائل صحة ايمانه وصدقه في اسلامه لسروره بظهور الاسلام والقيام بما يرضى الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن أبغضهم كان بضد ذلك واستدل به على نفاقه وفساد سريرته والله أعلم" شرح صحيح مسلم للنووي  ج 2 ص 64.

[5] قال الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء- الطبقة الثانية والعشرون ط مؤسسة الرسالة  ج 17 ص 169 مُعقباً على تصحيح الحاكم لحديث الطير: "فما باله أخرج حديث الطير في " المستدرك "؟  فكأنه اختلف اجتهاده ، وقد جمعتُ طرق حديث الطير في جزء ، وطرق حديث : " من كنت مولاه " وهو أصح، وأصحُّ منهما ما أخرجه مسلم عن علي قال : إنه لعهد النبي الأمي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلي : إنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق وهذا أشكل الثلاثة ، فقد أحبه قوم لا خلاق لهم ، وأبغضه بجهل قوم من النواصب ، فالله أعلم".


التالي السابق